نظمت المبادرة السورية للحيز المدني (SCSI)، جلسة نقاش بدعم من الاتحاد الأوربي لإطلاق ورقة سياسات بعنوان “دور المجتمع المدني في المرحلة الانتقالية”، وعلاقته مع الدولة والمجتمع والجهات المانحة.
وشارك في كتابة الورقة كل من ندى أسود، فرح حويجة، ناز حمي، نسرين علاء الدين، زيدون الزعبي، عمر عبد العزيز الحلاج.
واستندت المبادرة في إطلاقها الورقة، إلى اللقاءات التي أجرتها مع عدد من مؤسسات المجتمع المدني السوري، بالإضافة إلى ناشطين وناشطات سوريين من مختلف المناطق، وتعكي رؤية المبادرة السورية بشكل مباشر.
دور الورقة وأبعاد عمل المجتمع المدني
الشريكة المؤسسة في مبادرة السورية للحيز المدني، وميسرة جلسة النقاش، نسرين علاء الدين، قالت ل، إن الورقة التي جرى عرضها خلال الجلسة، اليوم الجمعة 14 من تشرين الثاني في دمشق، جاءت بهدف جمع آراء السوريات والسوريين حول أدوار المجتمع المدني في المرحلة الانتقالية، مشيرة إلى أن إعداد هذه الورقة تم عبر تعاون وتشاور واسع مع عدد كبير من الفاعلين والفاعلات من مختلف الجغرافيا السورية، وبعد اكتمال كل المشاركات والمشاورات.
وأضافت أن أهمية الورقة تنبع من سعيها في هذه المرحلة إلى تأطير عمل المجتمع المدني داخل المرحلة الانتقالية وفق المعايير القائمة في الساحة السورية، لافتة إلى أن الورقة بدأت بمناقشة أدوار المجتمع المدني، قبل الانتقال إلى تفسير هذه الأدوار من وجهة نظر الناشطات والناشطين السوريين، وصولًا إلى تحديد الإطار العام الذي يحكم هذه الأدوار وفهمها.
وتناولت الورقة أيضًا، العلاقات البينية للمجتمع المدني، سواء في علاقته بالحكومة، أو في علاقته مع المنظمات المدنية الأخرى، أو في علاقته مع المانحين، إضافة إلى علاقته بالمحليات، وتم اختتامها بالوصول إلى مجموعة من التوصيات الموجهة لكل الجهات، سواء كانت حكومية، أو مانحة، أو منظمات مجتمع مدني.
سيناريوهات علاقة المجتمع المدني بالسلطة
شرح الباحث الأكاديمي ومدير مركز الحوار السوري، أحمد قربي، ل، وجود ثلاث حالات لعلاقة المجتمع المدني بالسلطة:
- الحالة التي يعود فيها المجتمع المدني إلى موقع المواجهة كما كان خلال الثورة، ما يضعه في صدام مباشر مع السلطة.
- الحالة التي ينخرط فيها المجتمع المدني في معركة مضادة للسلطة.
- الحالة الثالثة، التي يأمل أن تتحقق، وهي حالة التكامل، حيث يعمل المجتمع المدني على سد الثغرات وإنجاح المرحلة الحالية، بوصف نجاحها هدفًا مشتركًا لكل الأطراف.
ويرى قربي أن المجتمع المدني يتجه حاليًا نحو الدور الثالث، أي نحو أداء تكاملي مع السلطة، لكنه يلاحظ وجود حالات استثنائية داخل بعض مكونات المجتمع المدني، حين تأخذ بعض المنظمات دورًا متماهيًا مع السلطة أو تابعًا لها، وهو ما يظهر بشكل كبير في المجال الإعلامي.
وفي المقابل، تتجه بعض المنظمات الأخرى نحو المواجهة ومحاولة الصراع مع السلطة، بما ينعكس سلبًا على الدولة ككل لا على السلطة وحدها.
وأشار قربي إلى أن الإطار العام لعمل المجتمع المدني، خاصة في مجالات الصحة، والمساعدات، والطوارئ، يقدم نموذجًا للتكامل الإيجابي، رغم صعوبة الجزم بأن إحدى الحالات الثلاث هي الطاغية على عمل المجتمع المدني اليوم، مؤكدًا أنه من خلال التشبيك والتواصل، يسعى المشاركون لمنح المجتمع المدني مساحة تعبير حقيقية تساعده على تبني الدور التكاملي والابتعاد عن الدورين الأول والثاني اللذين ينعكسان سلبًا على المجتمع المدني في هذه المرحلة.
وفي تعليقه على وجود منظمات تنشأ لأهداف مختلفة عن مهام المجتمع المدني الأساسية، أوضح قربي أن المجتمع المدني، بمفهومه الحقيقي، هو خادم للمجتمع وصوته، ويستمد شرعيته منه، مشددًا على ضرورة أن يكون المجتمع المدني في هذه المرحلة صوت المجتمع، وأن يعمل على التغيير من أسفل إلى أعلى لتجنب الصدام المباشر الذي قد يفقده شرعيته، وأن المجتمع المدني يجب أن يقود قضايا المجتمع بهدوء وتدرج، لا بأسلوب صدامي.
اندماج المجتمعات المدنية بعد سقوط النظام
وقالت نسرين علاء الدين، إن المحاولات الجارية اليوم لا تتجه نحو الاندماج بين منظمات المجتمع المدني، بقدر ما تسعى إلى إيجاد مساحات أوسع للعمل. فالجميع، بحسب تعبيرها، يسعى إلى خلق وإثبات مساحته في مناطق وجوده، وإبراز دوره المحلي. منوهةً وتوضح أنه بعد مرور ما يقارب العام على سقوط نظام “الأسد” ما يزال السعي قائمًا للحصول على تلك المساحة المفترض أن تكون متاحة.
وتقر بأن بعض الأطراف تراجعت عن دورها أو انكفأت، بينما توسعت أطراف أخرى في أدوارها، ما جعل مساحة عمل المجتمع المدني متباينة، إلا أن مختلف الأطراف تعمل اليوم على ترسيخ وجودها على الأرض ضمن مجال العمل المدني.
تحديات الجغرافيا والقضايا المحلية في شمال شرقي سوريا
استعرضت الإعلامية ومديرة مشاريع رابطة “دار” لضحايا التهجير القسري، شيرين إبراهيم، في حديثها ل، أبرز التحديات التي تعاني منها منظمات المجتمع المدني في شمال شرقي سوريا، موضحة أن هناك قضايا محلية غير معروفة على المستوى الوطني، وهو ما يشكل التحدي الأكبر الذي ينبغي العمل عليه ضمن نطاق المحليات في محافظات مثل الرقة ودير الزور والحسكة أي ضمن مناطق الإدارة الذاتية. وتشير إلى ضرورة فهم هذه القضايا بعمق ودقتها لطرحها على المستوى الوطني.
وأضافت أن التحدي الآخر، يكمن في أن سقوط النظام لم يؤد إلى وجود جغرافيا واحدة متكاملة، ما يجعل التنقل بين شمال شرق سوريا وبقية المناطق مسألة صعبة، وبالتالي يصعب الاطلاع على تجارب المناطق الأخرى من الداخل السوري.
وأكدت الحاجة إلى لقاءات دورية بين منظمات المجتمع المدني والمنظمات الحقوقية لفهم التفاصيل الدقيقة في كل منطقة، إذ أن هناك تشابهًا في القضايا نتيجة استمرار نظام سياسي واحد لأكثر من نصف قرن، لكن التفاصيل تظل مهمة لإيجاد حلول مشتركة.
وتحذر إبراهيم، من أن عدم القدرة على إيجاد حلول سيجعل المجتمع جزءًا من المشكلة، كما سيجعل الدولة مستمرة في أزمتها مستقبلًا.
وفي تعليقها على اتفاق 10 من آذار، قالت إن أي خطوة نحو الحوار ووقف العنف ونزع السلاح ووضعه بيد الدولة هي خطوة متفق عليها في كل المناطق، لكن الإشكال يكمن في شكل الآليات والتنفيذ، ومدى قدرتها على الاعتراف بالتعدد ضمن إطار قانوني ودستوري جامع وديمقراطي. وترى أن المشكلة تقع في التفاصيل، مشددة على ضرورة بناء علاقة قوية وشراكة عادلة بين المركز والأطراف، بغض النظر عن شكل النظام.
أما فيما يتعلق بملف المجردين من الجنسية وتعامل المجتمع المدني معه، أشارت إبراهيم إلى أن الأحزاب الكردية لم تتخل عن هذا الملف، وأن المنظمات المدنية والحقوقية دفعت دائمًا نحو اعتباره أولوية، خاصة في ظل غياب قانون أحزاب في سوريا.
وأضافت أن شبكات مدنية تأسست لدعم المجردين من الجنسية والتعريف بقضيتهم، والدفع نحو إيجاد مرجع قانوني يعترف بحقوق الجميع ويحمي التعددية، مؤكدة أن هذه الجهود تهدف إلى معالجة الضرر والاعتراف بالمأساة وإعادة الجنسية لمستحقيها.
تأثير “المؤثرين” على المجتمع المدني وحدود المنافسة
وفي تعليقها على تأثير مؤثري ومؤثرات منصات “السوشال ميديا” على عمل المجتمع المدني، ترى الشريكة المؤسسة في مبادرة السورية للحيز المدني، نسرين علاء الدين أن هذه الظاهرة طبيعية كما في أي بلد، فوجود مؤثرين لا يلغي ولا ينسف العمل المدني الحقيقي على الأرض، فلكل طرف دوره ومساحته وعمله.
وتابعت، أن الناشطين ومنظمات المجتمع المدني يمتلكون أيضًا أدوارًا عملية على الأرض، وأن الجمهور والمتابعين يميزون بين طبيعة المحتوى، وهذا يعني أن المسألة لا تعد منافسة، فالمؤثرين ينتجون محتوى يميل إلى ما يسمى “التريند”، فيما يسعى المجتمع المدني لإضاءة القضايا الحقيقية، مؤكدة أن المنافسة ليست هي الهدف المفترض في هذا السياق.
وتأتي هذه الجلسة قبيل انطلاق يوم حوار المجتمع المدني بدعم من الاتحاد الأوروبي، في دمشق لأول مرة، وذلك في إطار مؤتمر “بروكسل” الذي يجري كل عام لرصد التعهدات المالية لدعم سوريا.
منظمات تتوحد في “منتدى منظمات المجتمع المدني في سوريا”
مرتبط
المصدر: عنب بلدي
