يناشد الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي حلفاء بلاده تقديم مزيد من الأموال، معتبراً أن بقاء أوكرانيا يعتمد على هذا الدعم، إلا أن فضائح الفساد واسعة النطاق التي كُشف عنها مؤخراً دفعت الشركاء الأوروبيين إلى المطالبة بضمانات أكبر.

وكشفت تحقيقات في أوكرانيا عن شبكة فساد واسعة تضم مسؤولين كبار في كييف، وتم توجيه اتهام أيضاً، الثلاثاء، إلى تيمور مينديتش، الشريك المالك لشركة الإنتاج التلفزيوني التي أسهمت في تحويل زيلينسكي إلى شخصية مشهورة قبل ترشحه للرئاسة، بتورط مزعوم في قيادة مخطط اختلاس قيمته 100 مليون دولار، وفق “بلومبرغ”.

وأدى التحقيق إلى إقالة وزيرين في الحكومة. ويشمل المخطط تلقي رشاوى من متعاقدين يشاركون في بناء تحصينات لحماية منشآت الطاقة النووية الأوكرانية من الضربات الجوية الروسية.

وطلب زيلينسكي من الحكومة، الأربعاء، فرض عقوبات على شريكه السابق مينديتش ورجل الأعمال أولكسندر تسوكيرمان، اللذين يُزعم ضلوعهما في المخطط.

ولكن مينديتش غادر أوكرانيا قبل ساعات من صدور إعلان وكالات مكافحة الفساد عن التحقيق، بحسب جهاز حرس الحدود.

وتعتبر هذه الأزمة المتصاعدة اختباراً كبيراً لزيلينسكي، بعدما حاول في وقت سابق من هذا العام الحد من استقلالية وكالتي مكافحة الفساد في البلاد. وأثار حينها احتجاجات واسعة، والتي أجبرته على التراجع تحت ضغط انتقادات حلفاء دوليين، من بينهم الاتحاد الأوروبي.

مطالب أوروبية لكييف

وسط أزمة الفساد التي تشهدها أوكرانيا، يسعى الاتحاد الأوروبي للحصول على ضمانات قبل تقديم الدعم المالي لكييف مستقبلاً، وفق “بوليتيكو”.

وأجّل الاتحاد الأوروبي إلى ديسمبر اتخاذ قرار بشأن استخدام الأصول الروسية الحكومية المجمّدة لتوفير 140 مليار يورو (162 مليار دولار) كقروض لأوكرانيا، التي تحتاج إلى تمويل جديد بحلول مطلع العام المقبل.

ومع توقف التمويل من الولايات المتحدة، تعهّدت الحكومات الأوروبية بزيادة المساعدات، ولكن فضيحة الفساد الجديدة دفعت الأوروبيين إلى التفكير مجدداً.

وقال مسؤول أوروبي لـ”بوليتيكو”، إن “الفساد المستشري” الذي كشفت عنه التحقيقات “أمر مقزز”، و”لن يساعد سمعة أوكرانيا” لدى الشركاء الدوليين.

وأضاف المسؤول أن هذا يعني أن “المفوضية الأوروبية ستضطر بالتأكيد إلى إعادة تقييم كيفية إنفاق الأموال على قطاع الطاقة الأوكراني”، مشدداً على ضرورة أن تولي كييف مستقبلاً “مزيداً من الاهتمام والشفافية في إنفاق الأموال”.

وقال مسؤول أوروبي آخر: “الرئيس زيلينسكي بحاجة إلى طمأنة الجميع، على الأرجح من خلال خطة لمعالجة الفساد”.

وخلال اتصال هاتفي مع زيلينسكي، الخميس، قال المستشار الألماني فريدريش: “نتوقع أن تواصل أوكرانيا تنفيذ الإجراءات والإصلاحات لمكافحة الفساد في بلادها”.

ولكن رئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان سارع لتأكيد معارضته الطويلة لمساعدة أوكرانيا. وكتب في منشور على “فيسبوك”، الخميس: “في بروكسل يريدون صبّ أموال دافعي الضرائب الأوروبيين في هذه الفوضى… حتى تتمكن مافيا الحرب من سرقة ما لا يُستخدم على الجبهات، هذا جنون”.

كما قال رئيس الوزراء السلوفاكي روبرت فيتسو، السبت، إنه لن يدعم أي خطة لمصادرة أصول الكرملين “إذا ما استُخدمت هذه الأموال في تكاليف عسكرية في أوكرانيا”.

واعتبر دبلوماسي أوروبي في تصريح لـ”بوليتيكو”، أنه “بتسليط الضوء على فضائح الفساد، فإن (زيلينسكي) يعطي ذخيرة لمن يقولون إن أوكرانيا دولة فاسدة”، فيما قال دبلوماسي آخر: “أولئك المعارضون لأوكرانيا سيستغلون ذلك إلى أقصى حد”.

عجز مالي ضخم

وتأتي هذه الفضيحة في وقت حساس بالنسبة لأوكرانيا، إذ تواجه البلاد عجزاً في الميزانية بقيمة 41 مليار يورو العام المقبل، بينما لم تتفق دول الاتحاد الأوروبي بشأن استخدام الأصول الروسية المجمدة.

وقال زيلينسكي في مقابلة مع “بلومبرغ” في كييف، الأربعاء، إن “أهم شيء هو صدور الأحكام بحق الأشخاص الذين تثبت إدانتهم”، وعبّر عن أمله في حصول كييف على موافقة الأوروبيين بشأن استخدام أموال روسيا المجمدة، محذراً من أنه بلاده “سيتعين عليها بالتالي إيجاد بديل، فالأمر يتعلق ببقائنا، ولهذا نحتاج إلى الدعم المالي بشدة، وأنا أعوّل على شركائنا”.

وكان الاتحاد الأوروبي قد أخفق الشهر الماضي في تجاوز اعتراضات بلجيكا، التي تحتفظ بأكبر حصة من الأموال الروسية، وتطالب بضمانات أكبر بألا تتحمل أي مخاطر قانونية محتملة.

ويقترح أي من أعضاء الاتحاد الأوروبي، إلغاء القرض تماماً بالنظر إلى حجم المخاطر والمصلحة الاستراتيجية.

وذكر الاتحاد الأوروبي، الخميس، أنه سيخصص 6 مليارات يورو كمساعدات جديدة لأوكرانيا.

وفي وقت سابق من هذا الأسبوع، وافقت إستونيا رسمياً على 150 ألف يورو إضافية لقطاع الطاقة في كييف، بينما تدرس ألمانيا إضافة 3 مليارات يورو العام المقبل.

وتمكنت أوكرانيا من تأمين 500 مليون يورو كمساعدات من البنك الأوروبي لإعادة الإعمار والتنمية لشراء واردات غاز طارئة نتيجة للهجمات الروسية على البنية التحتية للطاقة.

وتوقع مسؤول أوكراني كبير سابق أن تضاعف بروكسل اشتراط بعض التمويل بالإصلاحات، لكنه أشار إلى أن التحفظ العام على انتقاد أوكرانيا علناً سيستمر.

ودعت رئيسة الوزراء الأوكرانية يوليا سفيريدينكو إلى “التصرف بسرعة وحزم على ساحة المعركة، وبالمثل في المجالات الحيوية داخل الدولة”، معتبرة أن “مهمة الحكومة هي أن تُظهر للمجتمع الأوكراني ولشركائنا أنه تحت أي ظرف لن نتسامح مع الفساد، وسنرد بسرعة على أي حقائق”. 

ويقول المدافعون عن أوكرانيا إن التحقيق يقتصر على شركة واحدة، ويؤكدون أن الداعمين الدوليين لا ينبغي أن يعاقبوا قطاع الطاقة بأكمله نتيجة لذلك. ومع ذلك، لا يزال بعض الحلفاء يريدون رؤية المزيد من الإصلاحات.

حتى الآن، ركز التحقيق بشكل كبير على شركة “إنرجواتوم”، شركة الطاقة النووية الحكومية، متهمة سبعة مسؤولين بالتلاعب بالعقود للحصول على رشاوى تتراوح بين 10 و15% من قيمة العقود.

شاركها.