يشهد «كازينو لبنان» منذ حوالى الأسبوع حركة احتجاجية يقودها الموظفون، الذين يطالبون بتحسين رواتبهم (تبدأ من 2500 دولار)، وتحديداً موظفو ألعاب الميسر. وكان هؤلاء قد توقّفوا عن العمل عدّة مرات، وحاولوا نهاية الأسبوع الفائت إقفال أبواب الكازينو.
تهديد انتظام العمل، المُترافق مع غياب رئيس مجلس الإدارة، رولان خوري، الذي لم يعُد إلى عمله بعد، دفع بمجلس الإدارة إلى بحث إمكانية إعطاء الموظفين إضافات مؤقّتة على معاشاتهم، لتفادي المزيد من التأزّم.
لكن أزمة الكازينو اليوم، لا تنحصر بقيمة الرواتب ومطالب موظفيه بزيادتها. والبحث الحقيقي هو في وضعه المالي، الحالي والمتوقّع، ولا سيّما في حال تطبيق القرارات الحكومية، التي من شأنها تقليص مداخيل القمار الإلكتروني إلى مستويات متدنّية، وسحب المراهنات الرياضية كلّياً، مع ما يعنيه ذلك من انهيار للعائدات.
فالكازينو يعتمد بشكل أساسي على إيرادات الـ«أونلاين» لتفادي الخسارة المالية، إذ إنّ مردود القمار الأرضي وحده، لا يكفي لسدِّ التكاليف التشغيلية، وهذا تحديداً ما دفع خوري ووزارة المالية في العام 2023 إلى تشغيل القمار الإلكتروني.
وبمعزلٍ عن الإشكاليات القانونية المُثارة حول تشغيل الـ«أونلاين»، وتوزيع المسؤوليات بين خوري والدولة آنذاك ممثّلة بوزارتَي المالية والسياحة، وبمعزلٍ أيضاً عن طريقة إدارة خوري وشركة «OSS» الملتزمة تشغيل القمار والمراهنات «أونلاين»، فإنّ «كازينو لبنان» شأنه شأن جميع كازينوهات العالم، لا يمكنه الاعتماد فقط على ما يحصّله من إيرادات الألعاب الأرضية.
فمنذ العام 2013 وحتى العام 2019، كان الكازينو يتأرجح بين تسجيل ربحٍ طفيف أو معقول يختلف بين عامٍ وآخر، وبين تسجيل خسائر في أكثر من عام. الخسارات الكبرى وقعت بعد بدء صرف رواتب الموظفين بالدولار في نهاية العام 2023.
وزاد العبء المالي مع إقدام الإدارة على حجز مؤوناتٍ بملايين الدولارات لتسديد تعويضات نهاية الخدمة لجزء من الموظفين الذين اقترب موعد تقاعدهم. إذ كان العام 2024 من أكثر السنوات التي يسجّل فيها الكازينو خساراتٍ مالية، ومن المتوقّع أن يُقفل العام 2025 أيضاً على خسارة، بالتزامن مع ضغوطاتٍ مطلبية، في مؤسسة تضمّ 1,150 موظفاً.
عملياً، يعني تطبيق جميع مقرّرات مجلس الوزراء بحرفيّتها، وفي غياب أي خطّة جدّية للدولة لضبط السوق السوداء: انهيار العائدات، ومعها شركة «كازينو لبنان». وهو ما يطرح علامات استفهام، في ظلّ ما يمكن ملاحظته من سياسيات وقرارات، لا تصبُّ إلاّ في خانة تحويل مرافق البلد وقطاعاته، إلى هياكل عظمية تستوجب بيعها أو التخلّص منها. والمقرارات الحكومية هذه هي:
إعادة المراهنات الرياضية وجعل تنظيمها من مهام مديرية اليانصيب الوطني في وزارة المالية.
أن يلتزم «كازينو لبنان» دفع 35% من الأرباح غير الصافية للدولة اللبنانية.
أن يدفع الكازينو فروقات مالية للدولة (على اعتبار أنه لم يلتزم بنسبة الـ35%) بمفعول رجعي، منذ تاريخ توقيع العقد مع وزارة المالية، في آذار 2023.
مكافحة السوق السوداء، وتوقيف كافة المنّصات غير المرخّصة، بما فيها تلك التي تعمل تحت مظلّة الشركة المشغّلة للقمار الإلكتروني «OSS».
تدقيق في حسابات شركة «كازينو لبنان»، و«OSS»، لمعرفة ما إذا كانت قيمة الكلفة التشيغلية المرتفعة مُبرّرة، على أن يُسدّد الكازينو الفروقات في حال اتّضح أنّها غير مبرّرة.
مراجعة العقد بين «كازينو لبنان» و«OSS».
تكليف وزارة المالية وضع مشروع قانون يُدخل بموجبه قطاع الميسر الإلكتروني، ضمن قانون الامتياز الممنوح لـ«كازينو لبنان» حتى انتهاء مدّة الامتياز، مطلع أيار من العام 2027.
لذا، هناك تخوّف جدّي من أن يكون مصير هذا المرفق الذي تملك الدولة 50% منه، كمصير قطاع الاتصالات، بمعنى إضعافه إلى حدٍ يفقد فيه قيمته، ويصبح بيعه بأسعارٍ بخسة أفضل من امتلاكه وتشغيله. وما يتردّد في الدوائر المعنية بالملف ليس بعيداً عن هذه الأجواء. ويخالف كلّ ما كان منتظراً من عمليات الإصلاح، وضبط الهدر، التي كانت منتظرة من فتح ملف «كازينو لبنان».
في تفصيل القرارات الحكومية، يُشار إلى أنّ المنصات التي تعمل تحت مظلّة الـ«OSS»، يقصد بها الـ«Agent». والـ«Agent» تؤمّن 83% من مدخول القمار الإلكتروني، فيما 17% فقط من اللاعبين يدخلون مباشرة إلى منصّة «BetArabia».
بما يتعلّق بالمراهنات الرياضية، فإنّ انتزاعها من الكازينو يعني خسارة ما نسبته 20% من إيرادات الـ«أونلاين». ويأتي قرار إعادتها إلى مديرية اليانصيب، تطبيقاً متأخّراً 13 عاماً لمرسوم حكومي، صدر في العام 2012، يمنحها تنظيم المراهنات الرياضية. ورغم أنّ احترام المراسيم أمر مطلوب، غير أنّ ذلك لا يعني عدم السؤال عن قدرة اليانصيب على التشغيل، وكيفية التشغيل، ومعرفة رؤية وزارة المالية في هذا الصدد.
أمّا الطلب من الكازينو دفع فروقات مالية بمفعول رجعي، فهو ما تقدّره مصادر معنية، بـ«ملايين الدولارات»، متخوّفةً من «انهيار كازينو لبنان، وعدم قدرته على الاستمرار، إذا ما اضطرّ لاستخدام جميع مدّخراته للتسديد، ومعها مؤونات تعويضات الموظفين، وسط خساراتٍ يسجّلها القمار الأرضي الذي لا يغطّي كلفة التشغيل، وحتمية تدنّي إيرادات الكازينو إلى الحدود الدنيا من القمار الإلكتروني، ربطاً بتطبيق بقية قرارات الحكومة».
على مستوى توزيع النسب، فإنّ حصّة الدولة قبل تشغيل الـ«الأونلاين» كانت تمثّل 50% من الربح غير الصافي. وعند مراسلة الكازينو لـ«المالية» برغبته في المباشرة بـ«الأونلاين»، طلبت تحديد الكلفة التشغيلية، ليقدّرها الكازينو حينها بحدود 32% تشمل تكلفة إنشاء منصة «بيت أرابيا» وتشغيلها.
وبنتيجة استشارة من هيئة التشريع والاستشارات تمّت الإجازة للكازينو بالتعاقد مع شركة مشغّلة لـ«الأونلاين» (رست المزايدة على «OSS»)، وأن تُحتسب حصّة الدولة 50% بعد دفع الكلفة التشغيلية. العقد وقّع بين «المالية» والكازينو في آذار 2023، ولم يلحظ نسبة 32%، إنما لحظ أنّ للدولة نسبة 50% من العائدات غير الصافية، ولحظ مسألة التعاون مع الـ«Agent».
ما حصل هو ارتفاع الكلفة التشغيلية مع دخول الـ«Agent» إلى حدود 60%، وجرى تقسيم باقي العائدات بالتساوي بين الكازينو والدولة، 50% لكل طرف. هنا اعتبرت «المالية» أنّ الكازينو لم يحترم نسبة 32%، بينما تعتبر إدارة الكازينو أنّها التزمت بإعطاء الدولة نسبة 50% بعد حسم الكلفة التشغيلية، تطبيقاً لاستشارة هيئة التشريع وللعقد الموقّع بين الكازينو و«المالية»، وأنّ الكلفة التشغيلية بنسبة 32%، قُدّرت قبل دخول الـ«Agent» إلى المشروع.
لذا، فإنّ قرار الحكومة، إلزام الكازينو دفع 35% من العائدات غير الصافية للدولة، يعني أنّ نسبة الكازينو ستكون أيضاً 35%، وفيما كلفة تشغيل المنصة هي 20%، سيتبقّى 10% لـ«Agent» في حال السماح بالإبقاء على عقودهم مع الكازينو سارية.
بالتالي، فإنّ إدارة الكازينو، إمّا ستخسر الـ«Agent» الذين يؤمّنون 83% من مدخول الميسر الإلكتروني، بسبب تصنيف الحكومة لهم بأنهم غير شرعيين، وإمّا ستخسرهم لعدم قبولهم باستمرار التعاون مقابل نسبة 10%. وهي أمام تحدٍ حقيقي لإيجاد طريقةٍ ترفع فيها من إيرادات الـ«أونلاين»، في حال لم تُعدّل قرارات الحكومة، وإلّا فإنّ استمرار الكازينو سيكون في مهبٍّ الريح.