أميرة صليبيخ

كيف تقرأ؟» ليس سؤالاً ساذجاً كما يبدو للوهلة الأولى.. هو سؤال لا يشبه الأسئلة التي على شاكلة: كيف تعد القهوة؟ أو كيف تخبز كعكة الشوكولاتة؟ بل يكشف كيف ترى العالم؟ وكيف تمسك بخيوط المعنى دون أن تلتف على أصابعك، وكيف تحول هذه الكلمات إلى درع تواجه به تفاهات الحياة. «كيف تقرأ؟» يعني في جوهره: كيف تعيش؟ وأكثر من ذلك.

القراءة لا تعني سباقاً ماراثونياً بين الصفحات لإنهاء الكتب والتفاخر بعددها، وليست دليلاً بأنك أصبحت فيلسوفاً أو مثقفاً بمجرد إتمامها! القراءة انفتاح على عوالم غير مكتشفة في داخلك، لحظة تجلٍّ لأفكار ومشاعر مختلفة في كل مرة. هي ليست هروباً من العالم كما يقول البعض بل هي دخول واعٍ إليه. أنت لا تقرأ لتتعلم فقط، بل لتشعر، لتتغير، لتكتشف أن جزءاً منك كان صامتاً طويلاً ويحتاج إلى كلمة ليعود إلى الحياة. عندما تقرأ دع الأفكار تمر من خلالك، مثل موجة تقترب بحذر من الشاطئ. هناك كتب تمر بسرعة وننساها، وهناك كتب تبقى فينا وتصبح سيدة المكان. ستعرف مع الوقت كيف تقرأ عندما تدرك أن هناك معرفة لا تقاس ولا توصف بل تشعر بعدها بأن العالم اتسع قليلاً، وأنك أصبحت أكثر قدرة على رؤية نفسك ورؤية الآخرين بوضوح أكثر.

لا تتعامل مع القراءة بوصفها ظاهرة أو (ترنداً مؤقتاً)، لا أحد سيمنحك وساماً على عدد الصفحات. الأثر أهم من العدد. ما الذي تغيّر فيك؟ ما الفكرة التي بقيت بعد أن أغلقت الكتاب؟ تلك اللحظة التي تشعر فيها أن شيئاً داخلك تغيّر هي اللحظة المنشودة.

اقرأ بعين متسائلة.. لا تصدّق كل شيء، ولا ترفض كل شيء. كل كتاب هو فرصة لإعادة اختبار قناعاتك وأفكارك. ليس عليك أن تتفق معه، بل يكفي أن تفكر وتعيد النظر فيه. الأسئلة أحياناً أعظم من الإجابات، فمنها انطلق العلماء في رحلة أبحاثهم واستطاعوا تغيير العالم.

في النهاية، أن تقرأ يعني أن تتعلم الإصغاء لما وراء الحروف، أن ترى ما لا يُقال، وتفهم ما بين السطور. أن تقرأ هو أن تعيش بوعيٍ أكبر، وتنظر إلى العالم بعينٍ أكثر رحمة ودهشة. أما الإجابة عن سؤال «كيف تقرأ؟» فهي متروكة لك، لأنها تتبدّل في كل مرة، فبعد كل كتاب، لن تكون الشخص نفسه أبداً.

شاركها.