لميس داوود المقهوي

«أنا أتعامل مع السكري ليس كمرض، بل نمط حياة».

جملة سمعتها من ابنتي المصابة بداء السكري، والتي تبلغ من العمر خمسة عشر ربيعاً. فأنا «والدة الطفلة السكرية لمى فاضل».

كانت كلماتها البسيطة تحمل في طيّاتها وعياً عميقاً وفهماً ناضجاً لطبيعة الحياة مع هذا المرض، إذ لخصت بفطرتها مفهوماً طبياً ونفسياً بالغ الأهمية، وهو أن التعايش مع السكري لا يعني الاستسلام له، بل التعامل معه بوعي وإيجابية.

حيث يُعد مرض السكري من أكثر التحديات الصحية شيوعاً في العصر الحديث، إذ يشكّل عبئاً متزايداً على الأفراد والمجتمعات، ويتطلب وعياً صحياً مستمراً للتعامل معه بطرق فعّالة ومستدامة. ومع تطور المفاهيم الصحية، تغيّرت النظرة إلى هذا المرض؛ فلم يعد يُنظر إليه بوصفه مجرد حالة مزمنة تحتاج إلى علاج دوائي فحسب، بل أصبح يُفهم على أنه نمط حياة متكامل يمكن التكيّف معه بمسؤولية ومرونة.

إن التعامل مع السكري على أنه نمط حياة يبدأ من تبني سلوكيات صحية يومية تسهم في ضبط مستوى السكر في الدم والوقاية من المضاعفات. ومن أهم هذه السلوكيات: الالتزام بنظام غذائي متوازن يعتمد على الخضروات والفواكه والحبوب الكاملة، والحد من السكريات والدهون المشبعة، إلى جانب ممارسة النشاط البدني بانتظام بما يتناسب مع حالة الفرد الصحية. كما أن المتابعة الطبية الدورية تمثل عنصرًا أساسيًا في إدارة المرض، فهي تُمكّن من الكشف المبكر عن أي تغيّر في المؤشرات الحيوية وضبط العلاج في الوقت المناسب.

ولا يقل الجانب النفسي والاجتماعي أهمية عن الجوانب العلاجية، فالدعم المعنوي من الأسرة والمجتمع ينعكس إيجاباً على التزام المريض بالعلاج، ويعزز ثقته بقدرته على التعايش مع المرض دون أن يفقد جودة حياته. إن التوعية الصحيّة التي تشجع على تقبّل السكري والتعامل معه بوعي تخلق مجتمعاً أكثر تفهماً وتعاوناً، وتحدّ من الوصمة الة بالأمراض المزمنة.

إن من أهم رسائل التوعية اليوم هي أن السكري ليس عائقًا أمام الحياة الطبيعية، بل هو فرصة لإعادة تنظيم نمط الحياة نحو الأفضل. فالكثير من المرضى الذين التزموا بنظام صحي متكامل تمكنوا من الحفاظ على نشاطهم وإنجازاتهم، وأصبحوا نماذج يُحتذى بها في الوعي والمسؤولية. إن إدراك هذه الحقيقة يحوّل السكري من تحدٍّ إلى رحلة وعي وتمكين.

يبقى مرض السكري قضية صحية عالمية تستدعي تعاون الجميع من أفراد ومؤسسات. فحين نتعامل معه بوعي ونتبنى أسلوب حياة صحي ومتوازن، نكون قد تجاوزنا فكرة المرض إلى مفهوم أسمى هو الوقاية والاستدامة الصحية.إن السكري ليس نهاية الطريق، بل بداية لحياةٍ أكثر، وعياً وصحةً وإيجابية.

* ممرضة عضو جمعية السكري البحرينية

شاركها.