مع اشتداد الترقب لما يوصف بأنه لقاء تاريخي بين ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان والرئيس الأميركي دونالد ترمب في واشنطن، يقول دبلوماسي أميركي مخضرم لديه خبرة عقود في الشرق الأوسط إن فرص التعاون وتوسيع الشراكة السعودية – الأميركية آخذة في الازدياد.

وقال مايكل راتني، الذي شغل منصب سفير الولايات المتحدة لدى المملكة من أبريل 2023 حتى يناير 2025، خلال مشاركته في برنامج “فرانكلي سبيكنج” على “عرب نيوز”: “طبيعة علاقتنا يمكن أن تكون متنوعة بقدر ما أصبح الاقتصاد السعودي أكثر تنوعاً”.

وبحسب راتني، لم يعد بالإمكان اختزال العلاقات السعودية – الأميركية في صيغة بسيطة قائمة على “النفط مقابل الدفاع”، بل أصبحت الشراكة تعكس حقائق اقتصادية جديدة ومجالات تعاون آخذة في التوسع.

وأضاف: “في السابق كان النفط والدفاع يهيمنان على العلاقة. أما التغيير الكبير فكان قرار السعودية البدء في تنويع اقتصادها. وقد خلق ذلك فرصاً هائلة للتعاون مع الولايات المتحدة، خصوصاً مع الشركات الأميركية”.

وأوضح أن هذا التحول انطلق فعلياً في 25 أبريل 2016 حين أعلن ولي العهد السعودي رؤية 2030 الهادفة إلى تحويل الاقتصاد السعودي ليصبح أكثر توازناً وتنافسية ومرونة.

وأكد أن قطاعات تُعد “علامة أميركية”، مثل الذكاء الاصطناعي والطاقة المتجددة والفنون والثقافة، تشهد نمواً متسارعاً داخل المملكة.

وتابع قائلاً لمقدمة البرنامج كاتي جنسن: “انظروا إلى طموحات السعودية في التكنولوجيا المتقدمة والذكاء الاصطناعي.. هذا مجال تُعد فيه الولايات المتحدة رائدة، حيث تمتلك الصناعة الأميركية مزايا كبيرة وفرصاً للشراكة مع السعودية التي تريد الاستثمار والتطوير بسرعة كبيرة جداً”.

وأشار إلى أن الطاقة المتجددة مثال آخر للتكامل بين البلدين: “كثيرون لا يدركون أن السعودية، أحد أكبر منتجي النفط في العالم، هي أيضاً من أكبر المستثمرين في الطاقة المتجددة – الرياح والطاقة الشمسية، وربما قريباً الطاقة النووية – وهي مجالات تملك فيها الولايات المتحدة تفوقاً تكنولوجياً وفرص شراكة كبيرة”.

كما لفت إلى أن الفنون والثقافة، رغم أنها لم تكن قطاعاً كبيراً في الاقتصاد السعودي سابقاً، أصبحت اليوم من مجالات النمو المهمة.

وفي المقابلة الواسعة، تحدث راتني عن توقعاته لزيارة ولي العهد السعودي إلى واشنطن، وتطرق إلى التساؤلات حول قيمة التحالفات الأميركية خاصة بعد الضربات الإسرائيلية والإيرانية على قطر، وتبعات هجوم 7 أكتوبر 2023 وما تبعه من حرب في غزة. كما رفض الادعاءات بأن الفعاليات الترفيهية والثقافية في السعودية مجرد “دعاية”.

وفي دفاعه عن حق المملكة في استضافة فعاليات ترفيهية عالمية، أشار إلى مقال رأي كتبه في “وول ستريت جورنال” بعنوان “السعوديون يريدون فقط الاستمتاع”، مؤكداً أن الحفلات والمهرجانات تُقام للجمهور السعودي أولاً.

وتابع: “عندما تجلس وسط الجمهور ترى السعوديين منبهرين ومستمتعين.. وآخر ما يفكرون فيه هو رأي الناس في الخارج. افتراض البعض في الغرب أن هذه الفعاليات مجرد تلميع صورة يبدو وكأنه نظرة استعلائية”.

ورحب بإدخال الترفيه والمتعة إلى المجتمع السعودي قائلاً: “دول الخليج تفعل الأشياء بطريقة كبيرة، تستقطب أكبر الأسماء وأضخم الفعاليات.. ولمَ لا؟ إنها فعاليات ممتعة”.

وعن الزيارة المرتقبة لولي العهد إلى واشنطن، قال إنه يتوقع نتائج مثمرة، مشيراً إلى أن كثيراً من الملفات الجاري بحثها بدأت خلال إدارة الرئيس جو بايدن.

راتني يحدد 3 محاور رئيسية للمحادثات:

  • اتفاق دفاعي: “قد لا يكون معاهدة دفاع تُعرض على مجلس الشيوخ، لكن اتفاقاً يعزز التعاون العسكري الأميركي – السعودي يبدو وارداً”.
  • التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي: “السعودية لديها طموحات هائلة في الذكاء الاصطناعي، وتريد وصولاً مستقراً وموثوقاً للتكنولوجيا الأميركية، خصوصاً الشرائح المتقدمة”.
  • الطاقة: “السعودية مستثمر رئيسي في الطاقة المتجددة، وترى الطاقة النووية جزءاً من مستقبلها، وستسعى لاتفاق تعاون نووي مدني مع الولايات المتحدة”.

نقاش التطبيع مع إسرائيل “مجمّد حالياً”

أما التطبيع مع إسرائيل، الذي كان محوراً أساسياً في النقاشات سابقاً، فأكد أنه “مجمّد حالياً” ما دام الاحتلال مستمراً في غزة، ولا توجد تعهدات إسرائيلية بدولة فلسطينية.

وقال إن حرب غزة كانت “نقطة تحول” في المنطقة، وأن السعودية أوضحت موقفها بجلاء: “لن تمضي في أي اتفاق من دون دولة فلسطينية ونهاية الحرب”.

وتناول راتني مخاوف دول الخليج بعد الضربة الإسرائيلية في الدوحة، والتي اعتُبرت سابقة خطيرة، إضافة إلى الضربة الإيرانية على الأراضي القطرية. وقال إن هذه الحوادث عززت مطلب الخليج بضمانات أمنية أميركية واضحة وثابتة.

وأكد: “ما تحتاجه دول الخليج هو اليقين والوضوح – أن تعرف ما تتوقعه من الولايات المتحدة حين تقع أحداث صادمة”. واعتبر أن الأمر التنفيذي الصادر عن ترامب “ليس بوزن معاهدة”، وأن الخليج يريد ضمانات تتجاوز الإدارات المتعاقبة.

وفي سياق حديثه عن غزة، شدد على أن الأولويتين الآن هما إعادة الإعمار والأمن، موضحاً أن الاستقرار الأمني شرط أساسي قبل ضخ عشرات المليارات اللازمة لإعادة بناء القطاع، وأن قوة استقرار دولية مطلوبة لمنع تجدد العنف.

وتطرق أيضاً إلى الملف السوري، مشيداً بأداء الرئيس السوري أحمد الشرع وضرورة التعامل معه بدلاً من عزله، وكذلك الملف اللبناني حيث اعتبر أن ضعف “حزب الله” الحالي يمثل فرصة لدعم المؤسسات المركزية وتعزيز سلطتها في كامل الأراضي اللبنانية.

شاركها.