خطيب بدلة

يتحدث بعض المحللين والمراقبين، اليوم، عن اختلال تركيبة الأسرة السورية، بنتيجة الأحداث الخطيرة التي تعرضت لها سوريا، خلال السنوات السابقة.. فالحرب، خلال فصولها العنيفة المتلاحقة، حصدت أرواح رجال كثيرين، فارتفعت نسبة النساء في المجتمع، وخرج أطفال كثيرون من ميدان التعليم، وازدادت، كذلك، نسبة البطالة.

هذا كلام، من حيث المبدأ، صحيح، ومنطقي، ولكنه يطرح سؤالًا مهمًا، هو: هل كان وضع الأسرة السورية، قبل الحرب، نموذجيًا؟ الجواب: لا، بالطبع. أسرتنا لم تكن، في يوم من الأيام، منظمة، ولا سيما في حقل الإنجاب. لا يوجد في أذهاننا، مقياس معيّن لعدد الأطفال الذين تخلفهم الأسرة، وربما كانت السمة العامة، هي الإنجاب الكيفي، وهذا ما أدى إلى تضاعف تعداد سكان سوريا بضع مرات، في العصر الحديث، وكان سببًا رئيسًا في تراجع الوضع المعاشي للأسرة السورية، وصولًا إلى الفقر، لأن الدخل الثابت لرب الأسرة يجري تقسيمه على هذا العدد الكبير من الأفراد، الأطفال، الذين يطلق عليهم لقب “ضاربو الخاشوقة”، دلالة على نهمهم لاستهلاك الطعام.

يكاد نوع الطفل الذي تخلفه الأسرة (ذكر أم أنثى) يكون المحدد الأساسي لعدد الأطفال الذين يتم إنجابهم، فالطامة الكبرى تحل عندما تبدأ ربة البيت بإنجاب الإناث، فتظهر، مباشرة، نغمة “بدنا أخ لهالبنات”، حتى يأتي الأخ، الذي سيسميه رب الأسرة، غالبًا، على اسم والده، ولهذا دلالة خطيرة، تعني أن كل جيل لدينا، ينتج الجيل السابق، بالأسماء، والثقافة، والمعتقدات، وحتى بالعقد النفسية، والعقلية الذكورية.. المهم، ثم تظهر نغمة جديدة، هي “بدنا أخ للولد”، لتبقى ماكينة الإنجاب، التي يقال لها من باب المزاح “البَظّ”، دائرة، وقد تلد السيدة ثلاث بنات، أو أربعًا، حتى يستجيب الله للدعوات، ويأتي الطفل الذي سيكون أخًا لشقيقاته..

الفقر الذي يحل بالأسرة، من جراء كثرة العيال، لا يقتصر على “ضرب الخاشوقة”، بل يشمل نوعية الطعام، الذي يصبح، برغليًا، بصليًا، نادرَ الدسم والفاكهه، ويشمل، أقصد الفقر، أماكن النوم، والإقامة، وتتحول غرفة نوم الأولاد إلى ما يشبه القاووش، وأما نصيب هؤلاء القوم من اهتمام والديهم، فلا شك أنه قليل، ويصبح الأب، المتورط بكل هذه “الخلفة”، ميالًا للهرب، وتمضية معظم وقته خارج البيت، تاركًا لأبنائه المجال لكي “يشووا معلاق” والدتهم، بفوضاهم، ومشكلاتهم البينية، التي تنتج، أصلًا، عن الكثرة.

لا يمكن، في مجتمعنا، الركون إلى أي نوع من حملات تنظيم الأسرة، لأن العقلية السائدة تركز على مسألة الرزق، أي: “ضرب الخاشوقة”، فتزعم أن الولد يأتي، ويأتي رزقه معه، ومهما حل بالأسرة من فقر، وقلة، وحتى لو وصلت إلى حافة الجوع، لا يغير صاحب القناعة الثابتة قناعته، وكأن هذا نوع من العناد في وجه التعقل… وهناك سبب آخر يتلخص في أن الأسرة تحتاج إلى الأولاد، الذكور، لأسباب دفاعية، في ظل هذا الانفلات الأمني السائد، أضف إلى ذلك ما استجد من تنامي العداء للمرأة، وإخراجها من سوق العمل، ما يزيد الأعباء على الأب، والأبناء الذكور.

تركيبة الأسرة السورية، إذًا، كانت مختلة، وزادتها ظروف الحرب اختلالًا، وبؤسًا.

المصدر: عنب بلدي

شاركها.