تبحث ألمانيا وفرنسا تقليص حجم مشروعهما الدفاعي الجوي البالغ قيمته 100 مليار يورو (نحو 116 مليار دولار)، عبر التخلي عن خطط بناء مقاتلة مشتركة، والتركيز بدلاً من ذلك على تطوير نظام قيادة وتحكم يُعرف باسم “السحابة القتالية”.

وأفادت صحيفة “فاينانشيال تايمز”. بأن برلين وباريس تسابقان الزمن لإنقاذ مشروع “نظام القتال الجوي المستقبلي” (FCAS)، أكبر برنامج تسليح في أوروبا، والذي يقترب من الانهيار بسبب خلاف بين شركتيْ “إيرباص” Airbus و”داسو للطيران” Dassault Aviation بشأن كيفية بناء مقاتلات الجيل القادم ضمن المشروع. 

وقال مسؤولون إن أحد الخيارات المطروحة قبل اجتماعات رفيعة المستوى مقرر عقدها، الأسبوع الجاري، يتمثل في “حصر التعاون في مشروع السحابة القتالية المشتركة”. 

وأضاف المسؤولون أنه “إذا جرى التخلي عن خطة بناء مقاتلة مشتركة، فإن التركيز على السحابة القتالية يسمح للبلدين بمواصلة شكل من أشكال التعاون”، لكنهم أشاروا إلى عدم اتخاذ قرار حتى الآن”. 

ومن المقرر مناقشة مستقبل برنامج “نظام القتال الجوي المستقبلي” خلال اجتماعات بين وزيرة الدفاع الفرنسية كاترين فوتران ونظرائها الألمان في باريس، الاثنين، ثم خلال لقاء لاحق بين المستشار الألماني فريدريش ميرتس والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في برلين في اليوم التالي. 

ما هي السحابة القتالية؟

يمثل مفهوم إنشاء واجهة استخدام تعتمد على الحوسبة السحابية ركناً أساسياً من أركان برنامج “نظام القتال الجوي المستقبلي”، إذ تربط الواجهة المقاتلات وطياريها بأجهزة الاستشعار والرادارات والطائرات المُسيرة، إضافة إلى أنظمة القيادة البرية والبحرية. 

 وتهدف “السحابة القتالية” إلى تعزيز قدرات الجيوش الأوروبية من خلال استخدام الذكاء الاصطناعي لمعالجة كميات ضخمة من البيانات بسرعة، وتُنفذ عبر تعاون بين وحدة الدفاع التابعة لـ”إيرباص” في ألمانيا، وشركة “تاليس” الفرنسية، و”إندرا” الإسبانية. 

 وقال مسؤول مطلع على الملف: “يمكننا التأقلم مع وجود عدة مقاتلات في أوروبا، لكننا نحتاج إلى نظام سحابي واحد لها جميعاً”. 

وقال شخص آخر مطلع: “جميع العناصر الأخرى في برنامج نظام القتال الجوي المستقبلي تعمل جيداً؛ لماذا نتوقف عن ذلك؟ لا حاجة لأن ينهار المشروع بالكامل، نحن بحاجة إلى نظام سحابة قتالية”.

وأشار مصدر ثالث على دراية بالمشروع إلى أن التركيز على النظام السحابي ربما يعني “إعادة التفكير في بعض جوانبه، مثل تسريع الجدول الزمني إلى عام 2030 بدلاً من 2040”. 

وكان وزير الدفاع الألماني بوريس بيستوريوس، قال الجمعة، إن النقاشات مستمرة بشأن “ما إذا كان يجب استمرار المشروع وكيف يجب أن يستمر”.  

ويتعين على باريس وبرلين ومدريد اتخاذ قرار بحلول نهاية العام الجاري، بشأن بدء العمل على نموذج أولي للمقاتلة، بتكلفة تُقدر بعدة مليارات من اليورو، إلا أن كثيرين منخرطين في البرنامج يرون أن الأوان فات لحل الخلاف القائم منذ فترة طويلة بين “إيرباص” و”داسو”، الشركة الفرنسية العائلية المصنعة لمقاتلة “رافال”. 

وبعد طلب “داسو” تولي نسبة أكبر من أعمال تصنيع الطائرة، تدرس برلين تغيير فرنسا إلى بريطانيا أو السويد.

وفي المقابل، قال الرئيس التنفيذي لـ”داسو” إريك ترابيي، إن الشركة الفرنسية “قادرة على المضي وحيدة، لأنها تمتلك كل الخبرات المطلوبة”. 

وقادت “داسو” و”إيرباص” أجزاء مختلفة من البرنامج، لكن الشركتين دخلتا في نزاعات بشأن تقسيم العمل، واختيار الموردين، والتحكم في تصميم المقاتلة. 

وسيؤدي الإخفاق في إنتاج المقاتلة إلى تقويض خطط الاتحاد الأوروبي لتوسيع التعاون الدفاعي في أعقاب الغزو الروسي لأوكرانيا، وعندما أُعلن المشروع عام 2017، اعتبره الرئيس ماكرون والمستشارة الألمانية السابقة أنجيلا ميركل “إنجازاً تاريخياً”. 

“شراكة مرهقة”

ومع توليه المنصب في مايو الماضي، كرر ميرتس أنه يتوقع من “داسو” احترام الاتفاق الأصلي، لكن باريس لم تُواجه الشركة الفرنسية، جزئياً بسبب مخاوفها من التأخير في المشروع الذي قد يعرض الردع النووي الفرنسي للخطر. 

وفي باريس، يتعاطف بعض المسؤولين والمجموعات الصناعية مع وجهة نظر “داسو”، التي ترى أنه يجب أن تتحكم بقرارات رئيسية، بينها اختيار الموردين، لضمان إنجاز الطائرة.  

ولا ترغب ألمانيا، التي خففت قيود ديونها الدستورية لتعزيز قدراتها الدفاعية، في أن تكون رهينة لشركة فرنسية، بحسب “فاينانشيال تايمز”.

وقال شخص مطلع على خطط برلين: “الشعور هو أننا نمتلك أموالاً للدفاع لم نمتلكها من قبل، فإذا كان علينا القيام بالمشروع دون الفرنسيين فلنفعل ذلك”. 

 وقال توماس بريتزل، رئيس مجلس أعمال “إيرباص للدفاع والفضاء” للموظفين، الأسبوع الماضي، إنه يريد “إنهاء الشراكة المرهقة مع داسو دون الإضرار بالعلاقات الفرنسية–الألمانية”.

وأكد مسؤول حكومي أن من الضروري ألا يضر أي قرار بشأن المشروع بعلاقات باريس وبرلين “لأن الأمر لا يتعلق بالحكومات، بل بالشركات”. 

شاركها.