عقد الإطار التنسيقي اجتماعه الاعتيادي رقم 250 بحضور كافة قياداته في مكتب رئيس الوزراء العراقي السابق حيدر العبادي، فيما يمكن وصفه بأنه الاجتماع الأكثر حساسية منذ انتهاء الانتخابات، نظراً لارتباطه بتحديد شكل المرحلة السياسية المقبلة. 

وركز البيان الصادر بعد الاجتماع على ثلاثة محاور رئيسية، تتعلق بتثبيت الكتلة الأكبر، وترشيح رئيس الوزراء المقبل، ووضع هيكل أولي لإدارة الاستحقاقات الحكومية الجديدة.

وقرّر الإطار تشكيل لجنتين قياديتين: الأولى تُعنى بمناقشة الاستحقاقات الوطنية للمرحلة المقبلة ووضع رؤية موحدة لمتطلبات إدارة الدولة، والثانية تتولى مقابلة المرشحين لمنصب رئيس الوزراء وفق “معايير مهنية ووطنية”.

كما ناقش الاجتماع بإسهاب المعايير المعتمدة لاختيار رئيس الوزراء، إضافة إلى طبيعة البرنامج الحكومي المطلوب بما ينسجم مع التحديات السياسية والاقتصادية والخدمية التي يواجهها العراق، وبما يحقق تطلعات المواطنين في الإصلاح والاستقرار والتنمية.

ويمكن تحديد السمات المطلوبة لرئيس الوزراء المقبل في أن يتمتع بقبول سياسي واسع داخل الإطار، حيث أعلن الإطار نفسه الكتلة الأكبر، ما يجعل شرط القبول الداخلي أول معيار حاكم، وأن أي مرشح لا يملك توافقاً داخل مكوناته لن يُمرّر.

كما أن على المرشح أن يتمتع بالقدرة على إدارة التوازنات المعقدة، كون أن المرحلة المقبلة تتطلب شخصية تستطيع إدارة العلاقات بين بغداد والإقليم، القوى الشيعية فيما بينها، والفاعلين الإقليميين والدوليين، وهذا شرط يجعل الإطار عادة يفضّل الشخصيات “غير التصادمية”.

ويتطلب الأمر أن يحمل المرشح برنامجاً حكومياً واقعياً، حيث تبحث اللجنة المختصة بالبرنامج الحكومي عن شخص قادر على تقديم رؤية تنفيذية في الخدمات والاقتصاد ومكافحة الفساد وإدارة الملف الأمني.

كما أن عليه أن يتمتع بخبرة تنفيذية أو سياسية سابقة، وهو معيار غير منصوص عليه مباشرة، لكنه أصبح عرفاً داخل القوى المؤثرة في الإطار، بالإضافة إلى عدم امتلاكه طموحاً يتجاوز توافقات الإطار، لأن الإطار غالباً ما يُفضّل رئيس وزراء من داخل النظام لا ينازع مراكز القوى، بل يعمل بانسجام معها.

لماذا وُجد السوداني في الاجتماع؟

ويعد وجود رئيس الوزراء المنتهية ولايته محمد شياع السوداني في اجتماع الإطار أمراً ذا دلالات واضحة، ويُقرأ في سياقين رئيسيين، يتعلق بتثبيت السوداني لموقعه داخل الإطار، بما يشير إلى أنه بعد الفترة التي بدا فيها أنه يتحرك خارج مظلة الإطار أو على الأقل يوازن بينه وبين قوى أخرى، يوحي حضوره بأن العودة إلى الإطار ضرورة لمستقبله السياسي، كما أن خروجه أو استقلاله السياسي لم يعد خياراً واقعياً.

وأشارت المعطيات إلى أنه أدرك أن أي مسار خارج الإطار لن يضمن له تجديد الولاية، لذلك كان حضوره بمثابة رسالة “انسجام”، وربما محاولة للبقاء ضمن المنافسين على رئاسة الحكومة، لذلك لا يوجد ما يثبت “إذعاناً” بمفهومه السياسي القاسي. 

ولن يمنح خروج السوداني من تحت عباءة الإطار القوة للتحرك صوب الأطراف الأخرى من جهة، كما أن الإطار لن يتأثر بانسحابه، حيث سيبقى على قرابة 150 مقعد شيعي، وهو عدد كافي جداً للتحرك والتفاوض.

بالإضافة إلى أن الإطار لا يريد خسارة السوداني سياسياً؛ لأن السوداني قدم تجربة حكومية مقبولة نسبياً بالنسبة للإطار، واستطاع إدارة توازنات صعبة، لذلك يفضل الإطار إبقاءه قريباً، حتى لو لم يكن المرشح النهائي.

مسار التحالفات والحكومة

نحو تثبيت الكتلة الأكبر بلا منافسة جدّية، أعلن الإطار رسمياً أنه الكتلة الأكبر، بما يعني أن مهمة تشكيل الحكومة ستبقى داخل البيت الشيعي، وسيكون للأحزاب السنية والكردية دور تفاوضي لاحق في تقاسم الحقائب والاتفاقات السياسية.

كما أن هناك تنافس داخلي على رئاسة الوزراء، ومن المتوقع أن يشهد الإطار عدة أسماء مرشحة، ولجاناً دقيقة لاختيار الأنسب، بالإضافة إلى احتمال تدوير أسماء مجرّبة أو الدفع بشخصية أقل إثارة للجدل.

وتميل الحكومة إلى التفاهم، ويبدو التوجه العام مائلاً إلى حكومة “هدوء سياسي”، والتركيز على الاستقرار، وتجنب الصراعات مع القوى الإقليمية والدولية.

وركز البيان على إعادة ترتيب الملفات الاقتصادية والبرنامج الحكومي، ما يشير إلى ملفّات ذات أولوية، مثل:”الخدمات والكهرباء والاستثمار ومكافحة البطالة ومعالجة العجز المالي”.

وإذا تم تجديد الثقة بالسوداني، وهو احتمال وارد لكنه غير محسوم، فإن احتمالية استمرار النهج الحالي، النهج الاقتصادي والخدمي، سيستمر، مع تعزيز دور الإطار في رسم السياسات.

أما إذا تم اختيار شخصية أخرى، فسيكون التغيير في أسلوب الإدارة أكثر من كونه تغييراً في الاتجاه السياسي.

ويعد اجتماع الإطار التنسيقي بمثابة إعلان بدء مرحلة تشكيل الحكومة الجديدة، والرسائل الأساسية هي “الإطار هو الكتلة الأكبر بلا منازع، كما أن ترشيح رئيس الوزراء سيتم وفق معايير محددة، بالإضافة إلى أن السوداني أعاد التموضع داخل الإطار، إذ تتجه المرحلة المقبلة نحو حكومة تفاهمات واستقرار أكثر من كونها حكومة صراعات.

ويبلغ عدد مقاعد البرلمان العراقي 329 مقعداً، وحصل الشيعة على حوالي 197 مقعداً منها 46 مقعداً للسوداني، كما حصل السنة على حوالي 67 مقعداً، والأكراد على 56 مقعداً، فيما حصلت الأقليات (المسيحيين والشبك والصابئة والكرد الفيليين) على 9 مقاعد حسب توزيع المكونات.

شاركها.