في منطقة ناعور جنوب العاصمة الأردنية عمّان، اضطر أسامة الفقيه، رب أسرة في السادسة والستين من عمره، إلى تغيير وجهته المعتادة لشراء زيت الزيتون هذا العام، فالمعصرة التي اعتاد على التعامل معها لم يعد إنتاجها يكفي لتلبية الطلب، بعد أن شهد الموسم تراجعاً غير مسبوق.

وقال الفقيه، الذي اعتاد سنوياً على شراء 14 تنكة (صفيحة وزنها 16 كيلوجراماً) من زيت الزيتون من أحد معارفه، إنه وجد نفسه مضطراً للبحث عن مصدر بديل.

وبعد جولة من الاتصالات، توصَّل عبر أحد أقربائه إلى صاحب معصرة في محافظة إربد شمال البلاد، ليشتري منه الكمية نفسها بسعر 130 ديناراً للتنكة، مقارنة بنحو 100 دينار في الموسم الماضي.

ورغم توقعات بانخفاض الأسعار مع فتح باب الاستيراد قريباً، لم يتمكن من الانتظار، قائلاً: “خلص (نفد) مخزون عائلتي من زيت الموسم الماضي تماماً، وزيت الزيتون عنصر أساسي لا يمكن الاستغناء عنه في منزلنا”.

 ركيزة غذائية واقتصادية

يُعد موسم الزيتون من أهم المواسم الزراعية في الأردن، إذ يشكل مصدر رزق لآلاف المزارعين، إضافة إلى كونه من أقدم العادات الغذائية في البلاد فلا يخلو أي بيت أردني من هذا الزيت. لكن الموسم الحالي جاء مخيباً للآمال، مع تراجع الإنتاج بنسبة تصل إلى 40% مقارنة بالسنوات السابقة.

وتبلغ المساحات المزروعة نحو 600 ألف دونم، تضم نحو 11 مليون شجرة زيتون، وتشكل ما بين 70 و74% من الأشجار المثمرة في المملكة.

وبلغت قيمة إنتاج زيت الزيتون لعام 2024 نحو 223.9 مليون دينار أردني وفقاً لبيانات حكومية.

من جانبه، قال مدير مديرية الزيتون في وزارة الزراعة المهندس أسامة قطان، إن الموسم الحالي يُعد من أضعف المواسم خلال السنوات الماضية، خصوصاً في المناطق التي تعتمد على مياه الأمطار، بينما حافظت المناطق المروية على إنتاج جيد نسبياً.

وأوضح قطان أن الإنتاج الكلي من الزيتون والزيت سيتراجع بين 30 و40% عن معدل إنتاج السنوات الست الماضية (2019–2024)، مشيراً إلى أن الموسم الماضي كان تاريخياً بإنتاج بلغ نحو 35 ألفاً و828 طناً من زيت الزيتون.

الأكثر تضرراً كانت المناطق الشمالية والغربية مثل إربد وجرش وعجلون والبلقاء وغرب العاصمة، إضافة إلى الكرك والطفيلة، بسبب ضعف موسم المطر العام الماضي، وتغير المناخ، والجفاف، وارتفاع درجات الحرارة خلال فترة الإزهار والعقد (تحول الزهور إلى ثمار صغيرة)، مما أدى إلى تدني إنتاج الثمار والزيت.

تأثيرات المناخ على دورة الإنتاج

لم تقتصر المشكلة على تأخر الأمطار، بل شملت قلة كمياتها وسوء توزيعها في الفترات الحرجة من نمو الزيتون، كما انعكس ارتفاع الحرارة خلال موسم الإزهار سلباً على كمية الإنتاج في مختلف  المناطق، وهو ما يثير مخاوف بشأن مستقبل هذا القطاع الحيوي في ظل التغيرات المناخية المتسارعة.

ودفع التراجع الحاد في الإنتاج الأسعار إلى مستويات غير مسبوقة، إذ ارتفع سعر التنكة من 100 دينار في الموسم الماضي إلى ما بين 130 و140 ديناراً هذا العام، مع توقعات بانخفاضها نسبياً عند فتح باب الاستيراد.

لكن بالنسبة لكثير من الأسر الأردنية، يبقى زيت الزيتون سلعة لا يمكن الاستغناء عنها مهما ارتفعت تكلفتها.

وأكد قطان أن فتح باب الاستيراد جاء لمعالجة النقص في الإنتاج  والحفاظ على استقرار السوق، متوقعاً أن يسهم دخول الزيت المستورد في تعزيز المعروض وخفض الأسعار تدريجياً.

وأشار إلى أن الوزارة كثفت الرقابة لمنع الغش، وألزمت المعاصر بتعبئة الزيت في عبوات موثقة تتضمن اسم المعصرة وتاريخ الإنتاج، إضافة إلى حملات توعية تحت شعار “افحص زيت الزيتون وتأكد أنه مضمون”.

صورة الموسم لم تكتمل بعد

أوضح مدير اتحاد المزارعين محمود العوران أن الصورة النهائية للموسم ستتضح خلال أيام، بعد استقرار الأجواء وبدء جنْي الزيتون على نطاق واسع، لكنه أكد أن التقديرات الأولية تشير إلى انخفاض يتراوح بين 30 و40% في محصول الزيتون المعتمد على مياه الأمطار تحديداً، فيما بقي محصول الزيتون المروي أفضل حالاً.

وأكد العوران أن التغيرات المناخية باتت تهدد ليس فقط الزيتون، بل محاصيل أخرى مثل المشمش والتفاح، داعياً إلى استراتيجية وطنية تشمل تعزيز الحصاد المائي، وإنتاج أصناف تتحمل الجفاف والحرارة.

من جانبه أشار نضال سماعين، نائب نقيب أصحاب المعاصر، إلى أن النقص في إنتاج الزيتون والزيت يُقدّر بنحو 10 آلاف طن أقل من حاجة المملكة، لافتاً إلى أن الأسعار الحالية تتراوح بين 130 و145 ديناراً للتنكة، لكنها ستستقر مع دخول الزيت المستورد.

وفي ما يخص الموسم المقبل، حذَّر سماعين من أن موسم 2026 قد يكون سيئاً إذا لم تهطل الأمطار قبل نهاية العام، مؤكداً أن الأشجار تحتاج إلى أمطار كافية خلال الشهرين أو الثلاثة المقبلة.

واعتبر محمد عبيدات رئيس جمعية حماية المستهلك أن وصول سعر التنكة إلى 150 ديناراً “مبالغ فيه”، مؤكداً أن الكلفة الحقيقية للإنتاج تتراوح بين 90 و110 دنانير.

وحذَّر عبيدات من استمرار محاولات الغش، خصوصاً عبر صفحات التواصل الاجتماعي، داعياً إلى تشديد الرقابة وإغلاق الصفحات المخالفة.

رغم التحديات، تشير المؤشرات الأولية إلى موسم مبشر العام المقبل بعد هطول أمطار مبكرة في نوفمبر، لكن الخبراء يحذرون من أن استمرار التغيرات المناخية يستدعي حلولاً جذرية لضمان استدامة إنتاج الزيتون في الأردن.

شاركها.