منصور العمري
شهد قصر العدل في حلب، في 18 من تشرين الثاني، أول جلسة محاكمة علنية للمتهمين بارتكاب الانتهاكات والجرائم التي طالت الأهالي والعسكريين بالساحل السوري، في آذار الماضي.
وحضر ذوو الضحايا الجلسة لمتابعة سيرها، وسط توقعات وآمال معلقة على العدالة.
أولًا: القانون الواجب تطبيقه في محاكمات جرائم ومجازر الساحل
استهل القاضي الجلسة بالقول إن “المحكمة وطنية حيادية مستقلة”، وقال إن “القانون الواجب التطبيق قانون العقوبات العسكري رقم 61 لعام 1950، وقانون العقوبات السوري العام رقم 148 لعام 1949، وقانون الإجراءات واجب التطبيق قانون أصول المحاكمات الجزائية رقم 112 لعام 1950”.
مع بدء محاكمات جرائم الساحل، تواجه المحاكمات خللًا في التوصيف الجرمي والقانون المنطبق بسبب قصور القانون الوطني. سوريا ملزمة باحترام القانون الدولي لحقوق الإنسان، والقانون الإنساني الدولي، والقانون الدولي العرفي، والقانون الجنائي الدولي، بموجب الإعلان الدستوري على الأقل. أي محاكمة بعض الجرائم قد تنتهك الإعلان الدستوري وحقوق الضحايا في العدالة والحقيقة، من بين أخرى.
لجنة التحقيق الدولية المعنية بسوريا قالت في تقريرها بشأن “أعمال العنف التي وقعت في الساحل في آذار” إن “الانتهاكات شملت أفعالًا قد ترقى إلى جرائم حرب”، وشرحت القانون واجب التطبيق والتزامات سوريا القانونية الدولية.
من التهم الموجهة رسميًا في جلسة المحاكمة الأولى في حلب: “الفتنة”، وإثارة الحرب الأهلية والطائفية، وتزعم عصابة مسلحة والاشتراك فيها، ومهاجمة القوة العامة لارتكاب جنايات القتل والنهب والتخريب، والقتل القصد، بموجب المواد 298 و299 و300 وغيرها من قانون العقوبات الوطني.
يجب النظر في قانونية تشكيل هذه المحكمة ومدى امتثال تشكيلها للقانون السوري والمعايير الدولية، ويجب تعريف هذه المحكمة بتعليل قانوني واضح، وانتماء القضاة ومراحل المقاضاة بما فيه الاعتراض على الأحكام (وهذا من صفات علنية المحاكمات).
محاكمة المدنيين أمام محاكم عسكرية/بموجب قانون العقوبات العسكري جائز في القانون الوطني، ولكنه قد يتعارض مع المعايير الدولية، حسب مقررة الأمم المتحدة المعنية باستقلال القضاة والمحامين.
يجيز قانون العقوبات العسكري الوطني محاكمة المدنيين:
- الذين يعتدون على العسكريين.
- فاعلو الجريمة والشركاء والمتدخلون، إذا كان أحدهم ممن تجب محاكمته أمام المحاكم العسكرية.
من تجب محاكمتهم عسكريًا هم العسكريون والطلبة العسكريون والموظفون التابعون لوزارة الدفاع. لكن، تقول اللجنة المعنية بحقوق الإنسان في تعليقهـا العام رقم 32 إنه يمكن محاكمة المدنيين في محاكم عسكرية بشرط “إثبات أن اللجوء إلى المحاكمات العسكرية ضروري وله ما يبرره من أسباب موضوعية وجدية”، أو “في الحالات الـتي تعجز فيهـا المحـاكم المدنية العادية عن إجراء المحاكمات بسبب الفئة التي ينتمي إليها الأفراد وفئـة تصنيف الجرائم”.
ثانيًا: بداية إيجابية
بدء المحاكمات هو نتيجة جهود كبيرة وفائقة السرعة من السوريين ويبدو أنها تسير بالقضاء إلى الطريق الواجب.
تشكل المحاكمات قطيعة مع ممارسات قضاء عهد الأسد الذي كان يصدر الأحكام بما فيها الإعدام بشكل سري، ودون استماع للمتهم أو السماح له بحق الدفاع أو محامي، ولم يحاكم أي عنصر تابع للحكومة على الجرائم التي لا تحصى بحق الناس على مدى حكمه لعقود.
– بدء المحاكمات أمر إيجابي.
– وبشكل علني أمر إيجابي.
باعتبار هذه المحاكمات الأولى من نوعها، يمكن أن تواجه عقبات وسلبيات، مثل عدم كفاية معرفة المتهمين بطبيعة الجلسات وواجباتهم وحقوقهم.
في ظل الظروف الحالية، نشر أسماء المتهمين علنًا مثلما حدث في الجلسة الأولى قبل أن يثبت جرمهم بحكم محكمة قد يشكل خطرًا على المتهمين، وهذا هو من الأسباب التي بررت بها لجنة التحقيق الوطنية عدم نشر تقريرها بشأن الساحل.
تسمية المتهمين في هذه المرحلة قد يضر أيضًا بمسير التحقيقات وتحقيق العدالة في نهاية المطاف.
ثالثًا: الادعاء بالتعرض للتعذيب
ادعى أحد المتهمين بتعرضه للتعذيب أو التهديد بالتعذيب، ويجب متابعة تصرف القاضي تجاه هذا الادعاء، وهل إن ثبت ارتكاب التعذيب سيتم محاسبة مرتكبيه؟
القضاء السوري ملزم دوليًا بمتابعة الادعاء بالتعذيب ومحاسبة المسؤولين إن ثبت: “تضمن كل دولة طرف عدم الاستشهاد بأية أقوال يثبت أنه تم الإدلاء بها نتيجة للتعذيب كدليل في أية إجراءات”.
وبموجب اتفاقية مناهضة التعذيب، وأيضًا تنص المادة 13 من المعاهدة الملزمة قانونًا لسوريا بأن “تضمن كل دولة طرف لأي فرد يدعى بأنه قد تعرض للتعذيب في أي إقليم يخضع لولايتها القضائية، الحق في أن يرفع شكوى إلى سلطاتها المختصة وفى أن تنظر هذه السلطات في حالته على وجه السرعة وبنزاهة. وينبغي اتخاذ الخطوات اللازمة لضمان حماية مقدم الشكوى والشهود من كافة أنواع المعاملة السيئة أو التخويف نتيجة لشكواه أو لأي أدلة تقدم”.
رابعًا: بعض مسؤوليات وسائل الإعلام والمجتمع المدني
أتاحت السلطات لوسائل الإعلام التغطية المباشرة للجلسة، لكن للأسف التغطية الصحفية المباشرة لم تنقل وقائع افتتاح الجلسة رغم أهميتها الكبيرة، وكانت التغطية عمومًا انتقائية، ومتقطعة، وغير واضحة أحيانًا، وأقرب إلى العشوائية منها إلى التغطية المهنية للمحاكمات، وهذا قد يكون مفهومًا باعتبار هذا الحدث هو الأول من نوعه منذ عقود.
هناك حاجة إلى تغطية صحفية مهنية مختصة بتغطية المحاكمات، بما فيه حيادية التغطية، واحترام حقوق المتهمين، وهذا يتطلب صحفيين مختصين بتغطية المحاكمات، ولديهم معرفة بالإجراءات القانونية وحقوق المتهمين.
القنوات الإعلامية التي تغطي هذه المحاكمات تقوم بدور أكبر من المحكمة والمحاكمات نفسها في إيصال المعلومات إلى الرأي العام، بالتالي عليها توخي الدقة والأمانة والموضوعية في نقل الخبر وتحليله، بما فيه باختيار الضيوف المختصين المناسبين للتعليق على هذه المحاكمات. اختيار الضيف هو مسؤولية مهنية وأخلاقية مباشرة، وعدم اختيار الضيف المختص المناسب يعتبر خيانة للأمانة الصحفية وتشويهًا للرأي العام، وحرمان الجمهور من المعلومات الدقيقة التي يشكل رأيه المستنير اعتمادًا عليها.
هناك حاجة إلى مراقبين محاكمات من المجتمع المدني يدونون ملاحظاتهم وآراءهم الخبيرة ويرسلونها إلى الجهات المعنية في الحكومة بأسرع وقت ممكن لتباحث الملاحظات، وتدارك أوجه القصور بالسرعة الممكنة.
مرتبط
المصدر: عنب بلدي
