أحمد الشيخ عبدالله الفضالة*

[email protected]

 

«غايتُنا الأساس أن نرى عُمان في مقدمة الأمم…»

حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم

 

في اليوم الوطني العُماني، يستعيد العُمانيون مسيرة وطنٍ لم تتوقف عن البناء منذ أن وضع السلطان الراحل قابوس بن سعيد ـ يرحمه الله ـ أسس نهضته الحديثة. نهضةٌ قادت البلاد من عزلة الجغرافيا إلى رحابة الحضور الإقليمي والدولي، مستندة إلى رؤية واضحة لبناء الدولة، وإلى أولويات ارتكزت على التعليم والصحة والبنية الأساسية وترسيخ المواطنة الصادقة والعمل الجاد. وعلى امتداد عقود، صنع ذلك المشروع الإنسان العُماني الواثق بهويته، المؤمن بأن الوطن رسالة ومسؤولية قبل أن يكون حدودًا على الخريطة.

ومع تولّي حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق ـ حفظه الله ـ استمرت المسيرة على الأسس ذاتها، لكنها اتسعت برؤية أكثر شمولاً عبر «رؤية عُمان 2040»، التي جعلت من تنويع الاقتصاد والتنمية المستدامة وتمكين الإنسان ركائز للعهد الجديد. لم يعد الحديث عن التنمية مرتبطًا بالمشاريع التقليدية؛ بل باتت السلطنة تعيد تشكيل اقتصادها ليكون أكثر قدرة على الاندماج في التحولات العالمية، وأكثر جاهزية لمرحلة الأعمال الرقمية والطاقة المتجددة والسياحة والخدمات اللوجستية، مع الحفاظ على الخصوصية الثقافية الراسخة.

في هذا المسار المتسارع، جاء إطلاق الرمز الدولي الرسمي للريال العُماني ليشكّل خطوة نوعية تعزّز حضور العملة الوطنية في المنصات المالية العالمية. فهو لا يمثل تحديثًا بصريًا فحسب، بل خطوة استراتيجية تعكس نضج المنظومة المالية، وتؤكد توجه السلطنة نحو اقتصاد أكثر تنافسية ووضوحًا واستقطابًا للاستثمارات، بما ينسجم مع أهداف رؤية 2040.

شهدت السنوات الأخيرة توسعًا واضحًا في مشاركة المرأة العُمانية في مختلف قطاعات الدولة. وقد أصبحت المرأة عنصرًا رئيسيًا في الإدارة والاقتصاد والتعليم والابتكار والصحة، بفضل السياسات الداعمة التي عززت حضورها في مواقع المسؤولية، ورسّخت دورها كشريك أساسي في التنمية الشاملة. ولم تعد مساهمتها رقمًا في الإحصاءات، بل أثراً واضحًا في الحراك الوطني وتقدم المجتمع.

تواصل مؤسسات الدولة تحديث التشريعات المنظمة للتنمية العمرانية، لضمان مدن أكثر مرونة وكفاءة. وتشمل هذه الجهود تطوير القوانين المتعلقة بإدارة الأراضي والتخطيط الحضري، واستحداث مشاريع خدمية وتنموية تعزز جودة الحياة. كما تعمل المجالس البلدية في المحافظات على تحسين البنية الأساسية، ومعالجة التحديات المحلية، ودفع عجلة التنمية بما يرسّخ اللامركزية ويحقق التوازن التنموي.

وتسير عُمان بثبات نحو تعزيز المشاركة الشعبية عبر المجالس التشريعية المنتخبة والمجالس الشوروية، بما في ذلك مجلس الشورى والمجالس البلدية. وقد أسهم هذا التدرج المؤسسي في ترسيخ ثقافة سياسية مسؤولة، وتعزيز الشراكة بين المواطن والدولة، وتوسيع قاعدة صنع القرار على نحو يعكس نضج التجربة العُمانية وخصوصيتها.

كما تتقدم المشاريع الثقافية بخطى واسعة تربط التراث بالحداثة، وتقدم الهوية العُمانية بروح معاصرة تواكب التحولات العالمية. وقد أسهمت الفعاليات الثقافية والمعارض والجهود البحثية في ترسيخ حضور عُمان في المشهد العربي والدولي، وإبراز الإرث الحضاري المتنوع للبلاد ضمن صيغة حديثة قادرة على الإسهام في الاقتصاد الوطني.

وتشهد السياحة نمواً مطّردًا مع مشاريع مبتكرة تستفيد من تنوع الجغرافيا العُمانية وثرائها، وتفتح آفاقًا اقتصادية جديدة للمجتمعات المحلية. كما تشكل هذه المشاريع فرصًا للشباب ورواد الأعمال، مما يعزز دور السياحة كرافد مهم في تنويع مصادر الدخل الوطني.

ختاما إن مسيرة النهضة في سلطنة عُمان ليست فصلًا يُروى، بل مشروعًا وطنيًا ممتدًا، تتوارثه القيادة جيلاً بعد جيل، ويتجدد بروح رؤية واضحة، وعقلية مؤسساتية، وإرادة شعبٍ يؤمن بأن العمل هو الطريق الأوحد نحو المستقبل. لقد أثبتت مسيرة السلطنة ان الأمم لا تُبنى بالصدفة… بل بصبر الرجال وعزم الشعوب.

 

*عضو جمعية الصحفيين البحرينية

شاركها.