نظمت مجموعة “الجمهورية” وهي منصة إعلامية مستقلة، مساء الأربعاء 19 من تشرين الثاني، جلسة نقاشية في دمشق بعنوان “حرية الصحافة والتعبير في سوريا الجديدة”، بهدف مناقشة التحديات والفرص المتاحة للعمل الإعلامي في المرحلة الحالية.

وتناولت الجلسة الحوارية، التي حضرتها، واقع حرية التعبير في سوريا والتغيرات التي طرأت عليه بعد سقوط النظام، والحاجة إلى تأسيس بيئة تشريعية ومؤسساتية تدعم الإعلام بشكل عام بما فيه الإعلام المستقل، وضرورة مواجهة خطاب الكراهية، وإعادة بناء الثقة بين المجتمع والمؤسسات الإعلامية، وذلك عبر ممارسة عمل صحفي مهني بالدرجة الأولى.

المدير التنفيذي ورئيس التحرير في مجموعة “الجمهورية“، كرم نشّار، قال ل إن ثمة اختلافات حقيقية اليوم في سوريا على صعيد حرية التعبير والإعلام، فهناك كثير من الأمور التي يمكن الحديث عنها سياسيًا في مساحات وفضاءات متعددة، تختلف كليًا عما كان عليه الواقع سابقًا، وهذا التحول رغم أهميته، يبقى هشًا ويمكن أن يزول بأي لحظة، لذا تبرز الحاجة إلى وجود قوانين جديدة كليًا.

وأوضح نشّار أن التحديات أمام حرية التعبير والإعلام لم تعد مرتبطة بالسلطة فقط، بل هناك تحديات تتعلق أيضًا بكيفية الوصول إلى المعلومة، والتمييز بين ماهو صحيح منها وماهو خاطئ، وكيفية التصدي لخطاب الكراهية المنتشر بشكل “مريع” على منصات التواصل الاجتماعي.

وخلاصة ما طرح، بحسب نشّار، أن هناك مساحة يجب ملؤها فالأمر لا يقتصر على تحسين القوانين، بل يتطلب وجود مؤسسات إعلام مستقلة تفرض نفسها كأمر واقع، إضافة إلى كتلة بشرية معنيّة بالدفاع عن هذه المساحة، عبر العمل الجماعي والمبادرة والتنظيم.

مساحات حرية الصحافة

الصحفية ملك شنواني، رئيسة تحرير “Syria Untold”، تحدثت ل عن هوامش حرية الصحافة التي كانت موجودة على عهد النظام السابق، إذ كان بالإمكان انتقاد السلطة الحاكمة في بعض الملفات، مثل التطرق إلى ملفات القطاعات المحتكرة، وبقيت الأمور الخدمية ونشاط الوزارات قابلة للنقاش إلى حد كبير، وهو ما لا يزال ممكنًا اليوم.

وفيما يخص مساحة حرية الصحافة في المرحلة الانتقالية، ترى شنواني أن الملفات السياسية والدستورية والحقوق العامة، باتت اليوم أكثر حضورًا في النقاش العام وأكثر تماسًا مع حياة الناس، وبات النقد موجهًا إلى مختلف الجهات الحكومية وجميع الأيديولوجيات التي تؤثر على قرارات السلطة.

ولفتت شنواني إلى أن جرعة الحرية التي ظهرت في الأشهر الأولى بعد سقوط النظام السابق، بدأت تتراجع قليلًا، فهناك ميل للعودة إلى التحفظ مع تورية أسماء بعض الشخصيات خوفًا من تحمل تبعات التصريح، خصوصًا في ظل بقاء الاعتقال خارج الأطر القانونية التي يأمل السوريون بوجودها.

وأكدت شنواني ضرورة استعادة الثقة بين المؤسسات الإعلامية بما فيها الحكومية، والمواطن السوري، وهذا يتطلب صحافة موضوعية وحساسة للسياق وقضايا العنف وتميل لعرض الحقيقة، لأن هناك فئات من الناس لديها أمور تريد سماعها، وأخرى لديها أمور تريد قولها ولا تملك صوتًا، وعلى الصحافة بما فيها المستقلة أن تكون هذا الصوت.

وبات انتشار المعلومات المضللة وتضاربها، من أبرز التحديات التي تواجه العمل الإعلامي اليوم، إذ تزداد صعوبة الصحفيين للوصول إلى المعلومة الدقيقة ضمن وجود تشويش هائل على المنصات الرقمية.

ترى شنواني أنه يمكن مواجهة هذا التحدي عبر وجود مراسلين على أرض الواقع، وتوفر طاقة بشرية كافية، إضافة إلى الدعم المادي الذي يتيح السفر والوصول إلى مواقع الأحداث، إذ تساعد هذه العوامل للحصول على المعلومات من مصادرها المباشرة.

دور الصحافة المستقلة

تشكل الصحافة المستقلة في ظل الأزمات التي تعيشها سوريا بما فيها التبدلات السياسية، الضمانة الأساسية لإعادة بناء الثقة بين قطاعات المجتمع المختلفة، بحسب المدير التنفيذي ورئيس التحرير في مجموعة “الجمهورية”، كرم نشّار .

وقال نشّار إن غياب التغطية لقضايا فئات واسعة من السوريين في الإعلام الحكومي يخلق شعورًا بأنها غير معنية بسوريا، وهنا يأتي الإعلام المستقل ليعالج هذا الخلل عبر منح مساحة للجميع، بما في ذلك الذين تعرضوا لانتهاكات أو تهميش بعد سقوط النظام.

ويرى أن الإعلام المستقل يعيد إلى حد ما، اللحمة الوطنية من خلال تغطية هذه القصص، ما يعزز الثقة بالهوية الوطنية السورية وبالإطار الوطني الجامع.

وأشار نشّار إلى أن المؤسسات الإعلامية المستقلة تلتزم بمدونات سلوك وسياسات تحريرية وقواعد أخلاقية، لذا تحاول التصدي لانفلات خطاب الكراهية والمعلومات المضللة، عبر توفير مساحات مشتركة للنقاش.

واعتبر نشّار أن الإعلام المستقل لم يعد “رفاهية”، بل بات مسألة “حياة أو موت” في سياق السلم الأهلي، وهو أحد الضمانات الأساسية لبقاء الفكرة والمواطنة السورية قائمة.

تشريعات وقوانين للإعلام

ركز الصحفي الاستقصائي سلطان جلبي، خلال مشاركته في الجلسة النقاشية، على الإطار التشريعي والإداري الذي ينظم العمل الإعلامي في سوريا.

وتطرق إلى مرحلة حكم الأسد وكيف كانت ترسانة القوانين تخنق حرية التعبير عن الرأي، وتضيق على الصحفيين وتعرضهم لمخاطر واعتقالات كثيرة.

وأوضح أن سقوط النظام أدى إلى تعليق هذه القوانين، ما أعطى الصحفيين حرية كبيرة للتحرك والعمل بشكل أوسع، لكن رغم ذلك ما تزال هناك فجوة تشريعية وقانونية.

ووصف جلبي الحرية المتاحة اليوم للصحفيين في سورياـ بأمرًا لم يكن ممكنًا تخيله سابقًا ولكنها لا تزال حرية “هشة”، لعدم وجود قوانين أو تشريعات أو أطر مؤسساتية تحميها.

واعتبر جلبي أن الضامن الحالي لحرية التعبير في هذه المرحلة هو وزير الإعلام حمزة المصطفى، لأنه كلما حدث أمر للصحفيين يتدخل ويتحدث، بينما لا يوجد قانون يحمي الصحفي نفسه، وهنا تبرز الحاجة إلى ضرورة إصلاح منظومة التشريعات والقوانين والأطر الإدارية التي تنظم العمل الإعلامي في سوريا.

ودار الجلسة النقاشية المدير التنفيذي ورئيس التحرير في مجموعة “الجمهورية”، بمشاركة المتحدثين الصحفية والباحثة زينة شهلا، والصحفي الاستقصائي سلطان جلبي، ورئيسة تحرير “Syria Untold” ملك شنواني، وتلاها نقاش مفتوح مع عدد من صحفيين وفاعلين مدنيين.

ضمن قائمة حرية الصحافة

ارتفعت سوريا مرتبتين في حرية الصحافة، بعد أن كانت تحتل المرتبة 179، في عام 2024، في أثناء حكم نظام الأسد، لتحتل المرتبة 177، وفق “التصنيف العالمي لحرية الصحافة 2025“، الذي أصدرته “منظمة مراسلون بلاحدود”.

و”أنهى سقوط الدكتاتور بشار الأسد خمسة عقود من القمع الوحشي والعنيف الذي مارسته سلالة الأسد ضد الصحافة”، بحسب المنظمة، ومع أن الصحفيين باتوا يتمتعون بحرية، لا تزال هشة في ظل عدم الاستقرار السياسي والضغوط الاقتصادية المتزايدة.

وبحسب “مراسلون بلاحدود”، فقد تراجعت الضغوط السياسية على الصحفيين في أعقاب سقوط النظام السوري، بينما لا تزال المؤسسات الإعلامية المحلية تعمل جاهدة على إحداث إطار مستدام للصحافة المستقلة، كما تتواصل دعوات الصحفيين السوريين ووسائل الإعلام الوطنية، إلى جانب الجمعيات المحلية المدافعة عن حرية الصحافة، إلى سنّ دستور جديد يكفل حقهم في الوصول إلى المعلومات.

وبعد سقوط النظام، عادت إلى الواجهة وسائل الإعلام التي كانت تعمل سابقًا في المنفى أو في مناطق خاضعة لسيطرة المتمردين، ومن أبرزها إذاعة روزنة و والجمهورية وعكس السير، وفقًا لتقرير “مراسلون بلاحدود”.

دمشق.. جلسة حوارية تقيّم واقع الإعلام في سوريا

المصدر: عنب بلدي

شاركها.