يوسف عوض العازمي 

@alzmi1969 

 

“فهذا ليس كتابًا عابرًا؛ بل كان رفيقًا صامتًا في لحظات تأمل، وصوتًا هادئًا يشجع وسط ضجيج الحياة”. حمود السابج. 

 

***** 

كثيرة هي كتب تنمية الذات المنتشرة على أرفف المكتبات ودور النشر، ولا شك أن العديد منها يستحق القراءة ويقدم أفكارًا وابتكارات مهمة. وانتشار هذه الكتب ليس وليد اللحظة، وليس موضة عابرة، إنما لأهمية الطرح الذي يمس الحياة الشخصية للناس. هنا المعيار الذي يحدد النوعية والفائدة للقارئ والمهتم. 

كتابات السياسيين وأهل السياسة والبرلمانات تجدها غالبًا لا تخرج عن دائرة السياسة وحكايا فن الممكن؛ فهذا قال، وذاك رد عليه، والقانون الفلاني عليه الملاحظات الآتية، والقانون العلاني هو أفضل قانون في الدنيا، والحدث الفلاني حصل به كذا، والحدث العلاني لم يحدث به كذا. وهذا مما يمكن أن تتوقعه من هكذا كتابات يكتبها ويرصدها السياسيون وأهل السياسة. 

لكن، ولنتوقف ثوانٍ عند الـ”لكن” تلك: هل تتوقع أن يقوم رجل سياسة بإصدار كتاب عن تنمية الذات؟ تصور سياسيًا وصل إلى أماكن سياسية راقية، يؤلف ويصدر كتابًا عن تنمية الذات، ما الذي ستتوقعه منه؟ هل تعتقد أنك ستقرأ شيئًا جديدًا ملهمًا، أم أنك ستقرأ كتابًا مختلفًا عما تتصوره وتتوقعه؟ 

الموضة هي اختزال السيرة الذاتية ووضعها في قالب روائي؛ أي كتابة رواية خيالية في الشكل لكنها تحمل بعضًا من السيرة الذاتية الحقيقية لكاتبها. وبالطبع في الروايات لا تستطيع النقاش حول الموقف الذي حصل في الصفحة كذا أو الصفحة تلك، فهي نُشرت كرواية خيالية، وهنا النجاة من النقاش عن السيرة الحقيقية. 

في أكثر من مرة كتبت ولمحت إلى موضوع الروايات التي هي في الحقيقة سيرة ذاتية تم تأليفها على قاعدة الضمير المستتر؛ أي أنها رواية الكاتب نفسه وسيرته الذاتية إنما تم تغليفها تغليفًا فاخرًا على شكل رواية. وفي مجال الرواية لا تسأل عن صحة معلومة، ولا عن دقة خبر؛ فالقصة إنها رواية، خيال، تأليف، ولك أن تفهم ما نريد وتترك ما نريد. 

لكن هل توقعت أن يغير السياسي البوصلة، ويترك زخم الروايات ويدخل نفقًا مظلمًا صعب إضاءته، وعسير الولوج إليه، وهو مجال مختلف تمامًا عن الروايات وعن مذكرات السياسة وأقاصيصها؟

ما سبق هو تمهيد للفكرة التي كونتها بعد قراءة الكتاب القيم: لا تتوقف. فأنت تستطيع التغيير للكاتب أحمد خليفة الشحومي (1)، الذي صدر هذه السنة 2025م، حيث صدر بحقوق محفوظة للكاتب نفسه. وهو يحتوي على 49 عنوانًا داخليًا، أو درسًا داخليًا، كُتبت على 169 صفحة في كتاب مطبوع من القطع المتوسط، وبطباعة أنيقة. 

بداية الكتاب فيها إهداء فيه وفاء وتقدير إلى رفيق دربه ومسيرته وصاحب الفضل (كما ذكر في الإهداء) أخيه الدكتور محمد، وهو شقيقه الأكبر. وقد تحدث عن أخيه بوفاء وذكره بتذكر عطر، فيه احترام واعتراف بالفضل. وبالطبع لا فضل بين الأشقاء، إنما هي لفتة وفاء تُحسب للكاتب، وتعبر عن شخصيته. 

في قراءة الكتاب المفيد، وفي الصفحة 76، وتحت عنوان: أبطال من ورق، كتب الكاتب: “غير أني أنصحك ألا تكون بطلًا من ورق، ولا تعشق أن يُنسب لك عمل لم تقدمه، ولا تصور نفسك بما ليس فيها، لأنك تحتال على نفسك قبل الآخرين”. انتهى الاقتباس. 

الكتاب فيه عبر وعظات ودروس مختلفة من خضم الحياة وتفاصيلها، يتحدث فيه الكاتب بواقعية شديدة الصراحة عن بداياته، وأمور متعبة حصلت خاصة بعد وفاة والده رحمه الله، وكيف وصل الأمر أن أخيه محمد زميله في الدراسة كذلك، الذي ذكر له مواقف لم ينساها أحمد وحفظها لمحمد، ودونها في الكتاب كحفظ للمعروف ووفاء للموقف. وبالطبع، وكما ذكرت سلفًا، لا فضل بين الأشقاء لكن الوفاء خصلة ونزعة إنسانية سمحة تقرب النفوس وتوحد القلوب. 

في الكتاب عدة عناوين وأفكار، وحاول خلالها الكاتب تقديم عصارة خبرته ونثرها للقارئ، بتصريح وصراحة، وتقديم دروس فشل لم تفك من عضده، ودروس نجاح لم تخرجه عن رزانته. وقدم عدة تجارب تستحق القراءة، وفيها من الفائدة للقارئ والمهتم، وحتى المواطن البسيط الذي يعايش نتوءات الحياة وتقلباتها. أسلوب الكاتب كان بسيطًا في جذب القارئ، وبالطبع استفاد من بداياته ككاتب صحفي في جريدة الأنباء الكويتية، حيث نقل نفس أسلوبه السابق ككاتب مقال ليجعله مكمّلًا لكاتب الكتاب فيما بعد. 

أحيانًا أتفكر وأفكر: كيف لهذا الكاتب أن يخرج لنا بكتاب متميز بالتحفيز وبث روح الأمل لكسر حواجز وتحديات الحاضر والمستقبل، بأسلوب مشوق سهل ومفهوم بعيدًا عن طلاسم خبراء الذات ونظريات الفلسفة؟ 

كتاب حمل في طياته التحدي لكسر جمود اليأس القابع على فكر كل إنسان محبط أنهكته تجارب الحياة، ويقول له: لا تتوقف مع ضغوط التحديات وتتابع الظروف. لا تتوقف عن الحلم، ولا تتوقف عن الأمل، ولا تتوقف عن المحاولة؛ فأنت تستطيع تحقيق أحلامك بالصبر والعمل الجاد والإيمان بالنفس. لست أقل من غيرك، ولا تتوقف؛ فأنت تستطيع أن تواصل المسير وتخطي الألم والتحديات. 

أجمل ما في الكتاب أنه كُتب بنفسية الإنسان البسيط المجرب لهموم الدنيا، والمواجه لتحديات ومفاجآت الحياة. لم يقل إنه السياسي فلان، وأنه صاحب المواقف التاريخية، وأنه.. وأنه؛ بل تحدث ببساطة الإنسان البسيط الذي واجه وربما ما زال يواجه مسارات الوجود وترنمات الواقع. 

أحمد الشحومي كسياسي له ما له وعليه ما عليه؛ ممكن أن تشيد به في آن، وتنتقده في آن. هذه طبيعة السياسة. إنما ككاتب فهو مبدع يستطيع جر القارئ لقراءة كتاب قراءة متواصلة، وليس مقالًا فقط. كاتب يتميز بسلاسة الطرح وهدوء العبارة، تشعر وأنت تقرأ كأنه بجانبك يتحدث وبينكما فنجان قهوة. 

*******

1 أحمد خليفة الشحومي: محامٍ وسياسي كويتي، عضو في مجلس الأمة سابقًا، كاتب صحفي في صحيفة الأنباء سابقًا، وما يزال يعمل بالمحاماة. 

شاركها.