بمعطف حمام (برنص) أحمر اللون، يخرج “نديم” بكل أنفة وغرور، يتوسط خشبة المسرح، إلا أنه يرتعد من لعبة صغيرة (سيارة) تجري أمامه، ولا يستطيع الإمساك بها، بهذا المشهد افتتح الممثل المسرحي، جهاد بكر، مسرحية “وداعًا يا شقيقي” ببطولة مشتركة مع الممثل نمر نبهان الذي أدى دور “يزن”.

تبدأ المسرحية في غرفة بالمهجر، عندما عاد نمر نبهان، الشاب الذي خرج في رحلة للبحث عن عمل، إلا أنه يصطدم بشروط تفوق المسمى الوظيفي، وتفوق قدرته.

يشترك “يزن” بالسكن مع شقيقه الافتراضي “نديم”، الذي يبدو ناصحًا له تارة، ومتحكمًا به تارة أخرى، لتعود المسرحية في منتصفها بحركة الخطف خلفًا، لتكشف بعضًا من خفايا الشخصيتين.

الشقيقان

“شخصية (نديم) تمثل الصوت الداخلي والعواطف والأفكار التي نسمعها في رأسنا وصوتنا الثاني، وكنا نحاول تجسيد هذه الأصوات والأفكار الداخلية بشخصية لها صوت وصورة وأفكار ومشاعر، التي هي أساسًا تخص شخصية (يزن)”، وفق ما أوضحه الممثل بكر.

وحاول بكر عبر “نديم” أن يشعر الجمهور بأن هذه الشخصية “صوتنا كلنا وليس صوت (يزن) وحده”، وهو ما شكل صعوبة لكادر العمل، بحسب ما قاله ل.

أما “يزن” فقد ولد بشخصية طبيعية، إلا أنه عايش صدمات وبقي أسيرًا لها، ما دفعه للابتعاد عن الناس والانعزال عنهم، وجعله يبتكر الشخصية التي تعيش معه، وبمزاجه، وبالطريقة التي يريدها.

وبالرغم من ابتكار “يزن” شخصية “نديم”، فإن الأخير هو من يتحكم به، ما يدفع الشخص الحقيقي لتذكير شقيقه المفترض بأنه المبتكر له، وسبب وجوده، وفق ما أوضحه نبهان في حديث إلى.

مؤلف ومخرج المسرحية، محمد بكيراتي، قال إن “وداعًا يا شقيقي” تتكلم عن شخص “مطحون” في الحياة التي خلفت لديه انفصامًا بين شخصيتين، الأولى قاست من الحياة وطعناتها، والوظيفة التي وضعت بها، بينما الشخصية الأخرى هي ما يطمح إليه، بفلسفته وطريقته الخاصة.

وعن الأسباب التي دفعته لكتابة المسرحية، ذكر بكيراتي أن “الظروف دومًا تحكمنا بأمور معينة وساعات دوام معينة، ومعظمنا يطمح إلى أن يكون شخصًا آخر بتصرفات تختلف عما يفعله في الواقع”.

مشاعر متناقضة

مشاعر متناقضة، بين الألم والأمل والحقيقة والوهم، انتابت الناشطة المجتمعية رشا جميل خلال العرض، وفق ما عبرت عنه في حديث إلى، إذ تحدثت عن العالم الذي يصارع البشر داخله، ويتصارعون داخليًا للانصباب داخل القالب الذي صنعه البشر في الخارج.

وأشادت جميل بـ”الهارموني” (التناغم) بين شخصيتي الممثلين، نبهان وبكر، لافتة إلى أن شخصية “يزن” تبدو، ظاهريًا، بسيطة إلا أنها تحمل بعدًا عميقًا، وذلك ما خلق توازنًا مع الشخصية الأخرى “نديم” التي كانت عميقة، بدءًا من نبرة الصوت وحتى تعبيرات الوجه والجسد التي نقل المشاهد إلى عالم آخر، ووصلت إلى عمق مشاعره.

“نديم” كان ثقيل الوزن على المسرح، مشيرة إلى جديته، ثم جاء “يزن” ببراءة في الأداء الطفولي، ليقطع المشاهد عن الألم الذي يطرحه “نديم” على المسرح، بحسب ما رأته الناشطة جميل.

مسرحية “وداعًا يا شقيقي” عُرضت في مدينة اسطنبول التركية، في 12 من تشرين الأول الماضي، وشارك فيها الممثلان المسرحيان سارة التيناوي وحسين محمد، ونظمها فريق “يولو آرت” بالاشتراك مع “بوليفارد”، وكان خلف الكواليس الموسيقي عمر الكيالي، ومخرج الإضاءة سام حلواني.

المصدر: عنب بلدي

شاركها.