تعهّد المستشار الألماني فريدريش ميرتس، ببناء أقوى جيش في أوروبا، حيث تأمل الحكومة الائتلافية أن يساعد مشروع القانون الجديد، الذي جرى الاتفاق عليه، قبل أيام، في تحويل هذا التعهّد إلى واقع، عبر تعزيز القوات المسلحة في مواجهة التهديد الروسي، إضافة إلى التغييرات الكبرى في السياسة الخارجية للولايات المتحدة، بحسب شبكة CNN.
وأشارت الشبكة إلى أن الإصلاحات الجديدة تنصّ على رفع عدد أفراد الجيش إلى 260 ألفاً، ارتفاعاً من نحو 180 ألفاً حالياً، إلى جانب 200 ألف جندي احتياطي بحلول عام 2035.
ولا يزال مشروع القانون الجديد يحتاج إلى موافقة البرلمان الألماني (البوندستاج)، ومن المتوقع أن يصوّت المشرعون عليه قبل نهاية العام الحالي، وفي حال إقراره سيدخل حيّز التنفيذ في الأول من يناير 2026.
وفي المرحلة الأولى، سيتركّز الجهد على التجنيد الطوعي، مع توفير حوافز أكبر للراغبين في الالتحاق، من بينها راتب شهري يبدأ من 2600 يورو (3 آلاف دولار)، بزيادة قدرها 450 يورو عن المستوى الحالي. وفي حال عدم تحقيق الحصص المطلوبة، سيكون للحكومة الخيار في اللجوء إلى الاستدعاء الإلزامي عند الضرورة.
وبدءاً من العام المقبل، سيتلقى جميع مَن يبلغون 18 عاماً استبياناً حول رغبتهم في الخدمة العسكرية، وستكون الإجابة إلزامية بالنسبة للذكور. كما سيُطلب من الشبان البالغين 18 عاماً الخضوع لفحوصات طبية إلزامية اعتباراً من عام 2027.
وتأتي هذه الإجراءات في وقت تحذر فيه إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترمب من ضرورة أن تتحمل أوروبا مسؤولية أمنها. ويتزامن ذلك مع استمرار الحرب الروسية في أوكرانيا، وتزايد تحذيرات الخبراء من احتمال أن توجه موسكو هجوماً مستقبلياً ضد إحدى دول حلف شمال الأطلسي (الناتو).
“التجنيد بالقرعة”
وفي مقابلة مع هيئة الإذاعة البريطانية BBC، في يونيو الماضي، قال المفتش العام للجيش الألماني، الجنرال كارستن بروير، إن على “الناتو” الاستعداد لإمكانية وقوع هجوم روسي خلال السنوات الأربع المقبلة، وربما في أقرب وقت عام 2029، داعياً الدول الأعضاء إلى التأهب الكامل.
ولفترة طويلة قبل طرح مشروع القانون الجديد، ظل الشركاء في الائتلاف الحاكم (حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي المحافظ، والحزب الاشتراكي الديمقراطي) مختلفين حول شكل الخدمة العسكرية الواجب اعتمادها.
ومن بين الأفكار التي طُرحت “التجنيد بالقرعة”، والذي يقوم على اختيار مجموعة من الشبان للفحص الطبي عبر القرعة، ثم اختيار مجموعة أخرى للاستدعاء الفعلي للخدمة. لكن وزير الدفاع بوريس بيستريوس، استبعد هذا المقترح، مؤكداً أن التجنيد يجب أن يعتمد على الحوافز، كتحسين الرواتب وزيادة التعويضات المالية.
وكانت ألمانيا تطبّق سابقاً الخدمة العسكرية الإلزامية للذكور الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و23 عاماً، قبل أن تُعلّق العمل بها عام 2011 لصالح جيش يعتمد بالكامل على المتطوعين.
ورحّب بيستريوس، المنتمي للحزب الاشتراكي الديمقراطي، بالخطوة، محاولاً طمأنة الفئات المعنية. وقال عقب الإعلان عن الاتفاق الأسبوع الماضي: “لا يوجد ما يدعو للقلق أو الخوف… فالعبرة الأساسية واضحة: كلما كانت قواتنا المسلحة أكثر قدرة على الردع والدفاع، من خلال التسليح والتدريب وتطوير الكوادر البشرية، قلّ احتمال انخراطنا في أي صراع”.
وأشار الوزير إلى أن النظام العسكري الجديد في برلين قد يشكّل نموذجاً يُحتذى به من قبل الحلفاء الأوروبيين. وقال: “الجميع يراقب ما نفعله.. وأنا على تواصل وثيق مع رئيس الوزراء الفرنسي سيباستيان لوكورنو، وكذلك مع المملكة المتحدة ودول أخرى… ونظام التجنيد الجديد لدينا حديث للغاية. قد يكون نموذجاً يمكن أن تستلهم منه دول أخرى، لست متأكداً، لكنه احتمال قائم”.
ورغم ذلك، ما زالت التغييرات محل جدل واسع، خصوصاً لدى اليسار الألماني المعارض لعودة أي شكل من أشكال التجنيد الإلزامي. وأظهر استطلاع لمعهد فورسا، نُشر في صحيفة “دي فيلت” في أكتوبر الماضي، قبل إعلان الإصلاحات، أن 80% من ناخبي حزب اليسار يعارضون الفكرة.
عقود من الإهمال
وتعاني القوات المسلحة الألمانية نقصاً مزمناً في التمويل منذ نهاية الحرب الباردة. وعلى مدى ثلاثين عاماً بعد سقوط جدار برلين، ظل الإنفاق العسكري دون نسبة 2% من الناتج المحلي الإجمالي، وهي النسبة المستهدفة من حلف الناتو، نتيجة غياب التهديدات الأمنية، والحساسيات المرتبطة بالقوة العسكرية الألمانية، والنزعة السلمية الراسخة في المجتمع بعد الحقبة النازية، بحسب الشبكة.
وفي يونيو 2024، تجاوزت ألمانيا تحفظاتها تجاه ماضيها العسكري، واحتفلت لأول مرة منذ الحرب العالمية الثانية بيوم المحاربين القدامى، بموجب تشريع جديد يقضي بإحياء المناسبة “بشكل علني ومرئي” في الخامس عشر من يونيو كل عام.
وتعزز هذا التحول بعد تولي ميرتس منصبه مطلع العام الجاري، إذ لم يكتفِ بالتعهد ببناء “أقوى جيش تقليدي في أوروبا”، بل تعهد أيضاً بمضاعفة الإنفاق الدفاعي تماشياً مع الأهداف الجديدة لحلف الناتو. وقال ميرتس حينها: “الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لا يفهم إلا لغة القوة”.
