اخبار تركيا
تناول مقال للكاتب والإعلامي التركيسليمان سيفي أوغون، مزيجًا من حدث عسكري مؤلم وتحليل سياسي واسع، يبدأ بسقوط الطائرة العسكرية التركية في أجواء جورجيا وما أثارته من حزن عميق، مع التأكيد على ضرورة انتظار نتائج التحقيق وعدم الانجرار خلف التكهنات غير المسؤولة.
ثم ينتقل الكاتب في مقاله بصحيفة يني شفق إلى الاجتماعات الحساسة التي جرت في البيت الأبيض بين الولايات المتحدة وتركيا والقيادة السورية المؤقتة، وما حملته من مؤشرات على إعادة تشكيل المشهد السوري والإقليمي.
يناقش المقال التحولات المحتملة في علاقة دمشق بالغرب، وتداعيات ذلك على تنظيم «واي بي جي»، وعلى التوازنات بين تركيا وإيران وإسرائيل. كما يتطرق إلى الحسابات الأمريكية في شرق المتوسط وآسيا، ودور تركيا في هذه الاستراتيجية.
وفيما يلي نص المقال:
سقطت طائرتنا العسكرية في أجواء جورجيا. للأسف، فقدنا 20 من جنودنا الأبطال. وكأي تركي، أشعر بحزن عميق. أدعو الله أن يرحمهم، وأتمنى الصبر لأهاليهم.
بالطبع، ستتضح أسباب هذه الحادثة عند اكتمال تقارير التحقيق الفني للطائرة. ومن دون ذلك، يصعب جدًا تفسير التكهنات حول حجم الحادثة، والأهم، حول المسؤولين المحتملين، بنية حسنة. أنا أيضًا أقر أن هذه الحادثة ليست من الأحداث العادية. وإذا أخذنا بعين الاعتبار أن المنطقة التي وقعت فيها حساسة للغاية ومعرضة لاستفزازات القوى الكبرى، فلا يصعب فهم بعض التكهنات بدرجة معينة. أفضل من يقيم هذه الأمور بدقة هم العاملون في الاستخبارات. أما الأشخاص العاديون الذين يحاولون تقييم الوضع كما لو كانوا ضباط استخبارات محترفين، فتصرفهم هذا يُعد على أقل تقدير عدم مسؤولية. لذلك، من الأفضل انتظار النتائج بصبر واحترام آلام العائلات.
في 10 نوفمبر، عُقدت سلسلة من الاجتماعات المهمة جدًا في البيت الأبيض. التقى الرئيس السوري المؤقت أحمد الشرع ووزير خارجيته أسعد حسن شيباني بالرئيس الأمريكي دونالد ترامب. سارت الاجتماعات بوتيرة سريعة، وتم عقد عدة لقاءات متتالية. حضر الاجتماعات أيضًا وزير الخارجية الأمريكي، وطاقم من الشخصيات البارزة، وأخيرًا وزير خارجية تركيا، هاكان فيدان.
كان الموضوع الرئيسي للمفاوضات بالطبع سوريا، لكن بعض الاجتماعات تجاوزت هذا الإطار لتتناول أيضًا غزة وإيران.
بالطبع، التصريحات الرسمية كانت محدودة جدًا، لكن المتابعين المراقبين للأحداث أدركوا أن هذه الاجتماعات كانت حاسمة في اتخاذ قرارات مهمة جدًا. في الأيام المقبلة، سنرى إلى أي مدى سيتم تنفيذ ما تم الاتفاق عليه.
من الواضح الآن أن سوريا تُسحب تدريجيًا إلى النظام الغربي، ولا يملك دمشق القدرة على المقاومة الكاملة. إن قبولها بالانضمام إلى التحالف ضد داعش يُعتبر خطوة متقدمة في هذا الاتجاه. هذا الوضع يحمل أبعادًا مأساوية بالنسبة لتنظيم «واي بي جي» ، ويجب على من يفكر تحليليًا إدراك أن التاريخ أحيانًا يحوّل الأصدقاء إلى أعداء. هنا، من الضروري فهم الهدف من هذه الخطوة: الجانب الأمريكي يسعى لإيجاد أساس لاندماج بين دمشق والحسكة، ويريد أن يجمع وجود عدو مشترك بين الطرفين. ومن المتوقع أن يكون لهذا أثر إضافي ضد حزب الله المؤيد لإيران في لبنان.
هذا التحرك قد يحد إلى حد ما من طموحات «واي بي جي» في الحكم الذاتي الراديكالي، لكنه الأهم، إذا تم تنفيذه، أنه سيمنح بعض الشرعية والمرونة لتطوير العلاقات العسكرية بين أنقرة ودمشق، وقد يشكل حاجزًا أمام أي محاولات إسرائيلية لعرقلة هذه العلاقات. ومن المتوقع أن هذا لن يرضي إسرائيل، التي أبدت بالفعل انزعاجها من دعم الولايات المتحدة لدمشق.
يجب أن نأخذ في الاعتبار أن الولايات المتحدة لم تعترف بمطالب تركيا ودمشق بسوريا موحدة، وفي المقابل، ترى واشنطن أن الطموحات الشديدة لـ«واي بي جي» قد تُضعف موقع تركيا إذا تم تجاهلها. تركيا ليست سهلة الاستغناء عنها بالنسبة للولايات المتحدة. على الرغم من غضب إسرائيل، إلا أن واشنطن تدرك أنه من دون تركيا لن يكون هناك تقدم في غزة.
بالنظر إلى تصريحات بعض المسؤولين الأمريكيين حول أهمية ربط شرق البحر المتوسط بالبحر الكاسبي، نفهم بشكل أفضل أهمية الدور التركي في هذا الإطار. ومن هنا، يجب أن تجد الولايات المتحدة طريقًا وسطًا مع أنقرة ومع دمشق ومع تل أبيب، وهذا ما يفسر حضور وزير الخارجية التركي في الاجتماعات بالبيت الأبيض.
الرسالة الجوهرية هنا: إذا كان العدو المشترك قادرًا على جمع أكثر الأطراف تعنتًا، وإذا كان الهدف من داعش قادرًا على توحيد دمشق والحسكة، فلماذا لا يمكن توسيع هذا السيناريو ليشمل مناطق جغرافية أخرى؟ أظهرت التطورات الأخيرة أن الإدارة الأمريكية الحالية، رغم تجنبها اتخاذ موقف حاد ضد روسيا، تعمل بشكل خفي على تقويض النفوذ الروسي. جمع دول آسيا التركية في البيت الأبيض كان آخر دليل على ذلك. يبدو أنهم عازمون على توسيع نفوذهم حتى إلى أعماق آسيا، وستظل إيران في محور الاهتمام.
ما يثير اهتمامي هو توقعاتهم من تركيا: هل يُراد إنشاء جبهة مشتركة تركيةكردية ضد إيران؟ من المؤكد أن صانعي القرار في أنقرة يدركون مخاطر هذا التوجه ويتخذون الاحتياطات اللازمة بناءً على خبرتهم الطويلة.
