أيمن شكل

مفهوم المكافحة يعني التصدي للجريمة وإنفاذ القانون مع الوقاية

«النيابة» تبذل جهوداً كبيرة للمكافحة بالأدوات والآليات القانونية

علي: صناعة حائط صد من القدرات والمنظومات التشريعية

صيام: الرسائل المزيفة وحدها تتجاوز التريليون دولار سنوياً

ضرورة التحالف الدولي تجاه هذا النمط من الجرائم المستحدثة

أكد النائب العام د. علي البوعينين، أن النيابة العامة تبذل جهوداً كبيرة لمكافحة تطور وأساليب ارتكاب جرائم الاحتيال الإلكتروني باستخدام الأدوات والآليات القانونية والإجرائية المتاحة في التشريعات الوطنية.

جاء ذلك في كلمته لدى افتتاح أعمال ملتقى «تعزيز القدرات الوطنية لمكافحة الاحتيال المنظم» الذي تنظمه النيابة العامة بالتعاون مع مكتب الأمم المتحدة المعني بالجريمة والمخدرات ومعهد الدراسات القضائية والقانونية، حيث أوضح أن جرائم الاحتيال بدت ملحوظة وظاهرة لاسيما في صورتها المنظمة والعابرة للحدود، وفي التقنيات المستخدمة في ارتكابها، وهو ما يشكل خطورة وحجم تأثير جسيم لها على مقومات الدول الاقتصادية والاستثمارية، وعلى مقدرات الأفراد المالية.

وشدد د. علي البوعينين على أن النيابة العامة تبذل كل ما في طاقتها في مكافحة الجرائم المالية بوجه عام واضعة في الاعتبار الالتزام الدستوري المنوط بها لحماية المال العام وحقوق الأفراد، وضرورة استعمال كافة الصلاحيات بحزم وبكل فاعلية مع تطوير الأداء أولاً بأول لمواكبة آخر المستجدات في صور وطرق الجريمة.

وأشار النائب العام إلى أن المكافحة الجادة للجريمة تقتضي وجود تنظيم قانوني شامل ومحكم، كما تتطلب أيضاً التنسيق والتعاون فيما بين الأجهزة المعنية كافة وهو ما تهدف إليه النيابة العامة من خلال تنظيم مثل هذه الفعاليات لدارسة الظواهر الإجرامية وتطورها وتقييم الأداء في ظل ما بين أيدينا من الوسائل القانونية والصلاحيات المتاحة والنظر فيما يجب توفيره؛ مما يسهم في الارتقاء بجهود المكافحة ونتائجها.

وقال إن هذا النوع من الجرائم أصبح يشكل تهديداً للاقتصاد وللثقة في الاستثمار والمعاملات المالية، وقد قارب الاستشراء في أوساط المجتمعات، وهو ما يستوجب استيعاب جرائم الاحتيال وبالأخص في صورتها المنظمة والإلكترونية، وأن نحيط بأنماط هذه الجرائم وتأثيراتها على الاستقرار الاقتصادي وحجم الأضرار الناشئة عنها للتعرف على الآليات الدولية في مكافحتها وأحدث الوسائل والكيفيات في مجال البحث الأمني والتحقيق القضائي في شأن تحصيل الأدلة وملاحقة عناصر الجريمة في النطاق الوطني والدولي.

وأضاف د. البوعينين أن المكافحة من حيث المفهوم والغاية لا تقتصر فقط على التصدي للجريمة من بعد وقوعها، وإنما توجب على القائمين على إنفاذ أحكام القانون العمل على توفير وسائل الوقاية منها سواء من خلال توعية الأفراد على غرار النشرات التوعوية والتحذيرية التي تصدرها وزارة الداخلية بين آن وآخر والتصريحات التي تصدر عن النيابة العامة بشأن ما تجريه من تحقيقات في قضايا الاحتيال والأحكام الصادرة فيها، أو من خلال ما تملكه الأجهزة المعنية بالمكافحة من أدوات ووسائل كفيلة بتقويض الجريمة في مهدها والحيلولة دون إتمامها.

وشدد النائب العام في ختام كلمته تأكيده على مسؤولية الجميع في حماية المقومات الاقتصادية للدولة ومقدرات الأفراد دعما لمسيرة التنمية، من خلال التواصل الدائم لرفع مستوى الأداء ولإيجاد الحلول المناسبة لما قد يَعْرِض لنا من إشكاليات وتحديات.

وفي كلمته نوه الممثل الإقليمي لمكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة لدول مجلس التعاون الخليجي القاضي د. حاتم علي، بالأهمية الكبيرة للملتقى المنعقد للتعرف على أنماط الاحتيال، مؤكداً أن الاحتيال المنظم لم يعد هدفا للجريمة بحد ذاته، ولكن وسيلة لارتكاب جرائم أكبر أو للتغطية عليها حيث تجاوزت عمليات الاحتيال الملايين، بل مليارات الدولارات، وقد تصبح سلاحاً كبيراً في يد عصابات الإجرام المنظم والإتجار في المواد المخدرة وغسل الأموال وتمويل الإرهاب.

وأعرب د. حاتم عن شكره للنائب د. علي البوعينين على اختيار هذا الموضوع «الذكي» للملتقى للتعامل مع هذه الجريمة بصفتها عابرة للحدود الوطنية، وليست فقط في البحرين، لتأثيرها على اقتصاديات وممتلكات الشعوب والدول، وقال: الاحتيال مجرم في التشريعات منذ وقت طويل بالعديد من التشريعات الوطنية، ولعل من أهمها هو اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الجريمة المنظمة العابرة للحدود الوطنية، لكن مع تطور الجريمة لمستويات خطيرة باستخدام الذكاء الاصطناعي وتزوير البصمة البصرية والصوتية للمسؤولين ورؤساء البنوك، أصبح لزاماً أن نعمل مع الدول ليس فقط على تطوير قدرات العاملين في أجهزة إنفاذ القانون والعدالة للتعامل مع هذا النوع من الجرائم، ولكن مع المؤسسات المصرفية والرقابية، حتى نستطيع صناعة حائط صد من القدرات والمنظومات التشريعية للتعامل مع هذه الجريمة التي باتت تهدد الاقتصاديات الكبيرة.

بدوره أكد رئيس معهد الدراسات القضائية والقانونية د. خالد سري صيام أن الاحتيال المنظم بات ظاهرة إجرامية خطيرة ومتنامية يؤثر على ثقة المجتمعات بكل ما يدور من حولها، نتيجة ما يمكن أن يتعرض له الجميع على اختلاف الأعمار والأعمال وحتى البيوت، وتنوع الاحتيال وصولاً إلى الأفراد كمستهلكين أو مستثمرين أو كأصدقاء أو مواطنين يمارسون حقوقهم السياسية، حيث لا يختار هذا النمط ضحاياه.

وقال إن خطورة تلك الجريمة دفعت دولاً أوروبية إلى الإقرار بأن هذا النمط من الجريمة أصبح يمثل 40% من حجم الجريمة في عام 2023، وأن خسائر الرسائل المزيفة Scam وحدها تتجاوز التريليون دولار سنوياً، وبنسبة جريمة عابرة للحدود تتجاوز 70%.

ولفت صيام إلى الأسباب الخاصة بتلك الظاهرة، وفي صدارتها مساهمة التطور التكنولوجي وتغيير نمط السلوك المجتمعي، والذي أسهم بتهيئة بيئة خصبة لها، جعلها أكثر تعقيداً، وأكثر تأثيراً من حيث الكم والحجم ونطاق التأثير، فضلا عن تحولها إلى ظاهرة يومية تهدد الأمن والاستقرار المجتمعي، والنشاط الاقتصادي وتخل بالإحساس بالثقة وبفكرة سيادة القانون.

وقال رئيس معهد الدراسات القضائية إن صعوبة رصد أنماط الارتكاب وعوامل الضعف ومناطق المخاطر نتيجة ارتكابها بطرق وأساليب تعتمد على إخفاء هويات الجناة عن الضحايا يصعب الأمر على السلطات، فضلا عن اختلاف أنماط الجناة، في مواجهة تردد الضحايا في الإبلاغ نتيجة الإحساس بالخجل أو رغبة في تجنب مخاطر السمعة، وكذلك تعدد معايير التعريف حيث تشمل الاحتيال المالي والاحتيال الرقمي والاحتيال المنظم والاحتيال العام والخاص والاحتيال الضريبي أو الجمركي والاحتيال لأجل المال أو لأجل أصوات الناخبين أو لأجل تسخير العمالة أو الحصول على فدية.

وأضاف: لقد أدرك المجتمع الدولي التهديد المتطور والمتزايد للاحتيال المنظم الذي ينفذ على نطاق واسع في جميع أنحاء العالم في القرار الأممي 12/2 بشأن «تنفيذ أحكام المساعدة الفنية في اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الجريمة المنظمة العابرة للحدود»، والذي يتضمن مجموعة من التوصيات بشأن الاحتيال المنظم، تؤكد على ضرورة التحالف الدولي تجاه هذا النمط من الجرائم.

ويهدف الملتقى إلى التعرف على أنماط الاحتيال المستحدثة واستعراض الإجراءات القضائية والأمنية المثلى في مكافحة الاحتيال وبالأخص جرائم الاحتيال المنظم والإلكتروني، ودور البنوك والمؤسسات المالية في الوقاية من تلك الجرائم وقدراتها التقنية لتقويض الجريمة وتتبع ورصد أدلتها، وكذلك أدوات التعاون الدولي في ملاحقة عناصر جرائم الاحتيال العابرة للحدود وتتبع وضبط الأموال المتحصلة منها، فضلاً عن تقييم الآليات المتاحة للحد من تلك الجرائم.

شاركها.