قال مندوب سوريا لدى منظمة حظر الأسلحة الكيميائية، محمد كتوب، إن سوريا تدخل مرحلة مختلفة تمامًا في التعامل مع ملف الأسلحة الكيميائية، معتبرًا أن سوريا اليوم “لم تعد تهديدًا كما كانت في حقبة الأسد”، بل “عضو فاعل بشكل إيجابي” يسعى إلى استعادة كامل حقوقه داخل المنظمة.

وجاءت تصريحات كتوب خلال كلمته أمام مؤتمر الدول الأطراف في مقرّ منظمة حظر الأسلحة الكيميائية، اليوم الأربعاء 26 من تشرين الثاني، واستهل حديثه بالإشارة إلى أنه عمل سابقًا كشاهد على عشرات الضربات الكيميائية داخل سوريا، مؤكدًا أن هذا الإرث يدفعه إلى تعزيز التعاون بين الفرق الوطنية والمنظمة الدولية، “بما يضمن أن يكون التعاون متبادلًا وأن تستعيد سوريا مقعدها الكامل داخل المنظمة التي ننتمي إليها ونقدّر أهمية عملها”.

وأوضح كتوب أن مقاربة سوريا في التعامل مع بقايا الأسلحة الكيميائية ترتكز على ثلاث ركائز أساسية:

  • أولها سلامة وأمان السوريين والسوريات من بقايا الأسلحة الكيميائية ومخلّفاتها.
  • وثانيها العدالة للناجين والناجيات والمساءلة للجناة.
  • وثالثها التزام سوريا بالاتفاقيات والمعاهدات الدولية وانفتاحها لتكون جزءًا إيجابيًا من نظام عدم الانتشار العالمي.

وأشار إلى أن الفريق الوطني يعمل “كفريق واحد” مع فرق الأمانة الفنية في المنظمة، ويضع “كل القدرات المتاحة” لتسهيل عمليات التحقق والوصول إلى المعلومات والمواقع المشتبه بها، مشيرًا إلى وجود “معضلة” تتمثل في تغيّر طبيعة العديد من القضايا بعد سقوط نظام الأسد و“تحرير البلاد من تلك الحقبة”.

وخاطب كتوب ممثلي الدول قائلًا إنهم اليوم أمام “سوريا مختلفة كليًا عن تلك التي حُرمت من امتيازاتها عام 2021”، موضحًا أن سوريا الحالية تمثل مصالح الضحايا والناجين قبل أي اعتبار آخر، وأن “تدمير أي بقايا للأسلحة الكيميائية هو مصلحة وطنية” تسهم في منع التكرار وإنصاف الضحايا قبل أن تكون التزامًا باتفاقية دولية.

وفي عرضه لما تغير خلال العام الماضي، قال كتوب إن هناك “لقطات مضيئة” شهدها الملف، منها وصول فريق التحقيق وتحديد الهوية إلى سوريا لأول مرة منذ تأسيسه، حيث عمل من دمشق، وتمكّن الشهود من الإدلاء بإفاداتهم دون خوف من “الترهيب والاعتقال”. كما استلمت فرق المنظمة عينات ووثائق من ضربات كيميائية، جمعتها منظمات غير حكومية وفِرق وطنية، أيضًا للمرة الأولى من دمشق.

كما عقد المجتمع المدني ومجموعات الضحايا مؤتمرهم الثالث حول الأسلحة الكيميائية في العاصمة السورية، وهي أول فعالية من نوعها تُعقد من داخل دمشق منذ دخول الأمانة الفنية إلى سوريا “بعد تحريرها”، على حد تعبيره.

وبحسب كتوب، نفّذت الأمانة الفنية سبعة انتشار ميداني داخل سوريا، وزارت 23 موقعًا، واستلمت أكثر من ستة آلاف وثيقة، إضافة إلى مقابلة شهود واستلام أكثر من ثلاثين عينة.

وأضاف أن سوريا لا تحاول “خلق سابقة” داخل المجلس، ولكنها تقف أمام “تحول كبير” في اتجاه الملف الكيميائي، مشيرًا إلى تقدم كبير أنجزته الفرق الوطنية داخل سوريا، ورغبة بعثة دمشق في تحقيق تقدم مقابل ذلك داخل المنظمة من خلال نقاش حول استعادة حقوق سوريا وامتيازاتها “بتفويض من مؤتمر الدول الأعضاء”.

وأكد المندوب أن سوريا لا ترغب بانتظار عام كامل لبدء هذا النقاش، موجّهًا الشكر للدول التي رعت مشروع القرار الأخير المتعلق بسوريا.

سوريا نحو “التدمير المسرّع” لبقايا “كيماوي حقبة الأسد”

انفتاح سوري

بعد سقوط النظام السوري، التقى المدير التنفيذي لمنظمة “حظر الأسلحة الكيماوية”، فرناندو أرياس، في 8 من شباط الماضي، مع وفد فني رفيع المستوى، بوزير الخارجية السوري، أسعد الشيباني، والرئيس السوري في المرحلة الانتقالية، أحمد الشرع، في دمشق.

وقالت المنظمة حينها، إن الاجتماعات كانت طويلة ومثمرة ومفتوحة للغاية، وشهدت تبادلًا معمقًا للمعلومات، وهو ما سيشكل أساسًا للوصول إلى نتائج ملموسة وكسر الجمود الذي استمر لأكثر من 11 عامًا.

ورحبت الخارجية السورية، في 9 من تشرين الأول الماضي، بقرار “التدمير المسرّع لأي بقايا للأسلحة الكيماوية في الجمهورية العربية السورية”، ونص القرار على تعديل اسم البرنامج الكيماوي في سوريا على جدول أعمال المجلس التنفيذي ليصبح: “إزالة أي بقايا لبرنامج الأسلحة الكيماوية لحقبة الأسد”.

ويطلب القرار من فرق التفتيش التابعة للمنظمة الاستمرار في التحقيق وجمع الأدلة المتعلقة باستخدام الأسلحة الكيماوية، على أن تسهم هذه الجهود في دعم المسارات الوطنية للمساءلة، خلافًا لما كان معمولًا به سابقًا حين اقتصرت مشاركة نتائج التحقيقات على أجهزة الأمم المتحدة.

وفي حزيران الماضي، نشرت المنظمة أول فريق من مكتب المهمات الخاصة (OSM) في سوريا، ومن مهامه: زيارة مواقع معلنة أو مشتبه بها بأنشطة متعلقة بالأسلحة الكيماوية، جمع الأدلة والوثائق، أخذ عينات لتحليلها في مختبرات مخصصة، وغيرها.

ومنع الهجوم الإسرائيلي على مبنى هيئة الأركان بدمشق، في 16 من تموز الماضي، من نشر فريق ثانٍ يتبع للأمانة العامة لمنظمة “حظر الأسلحة الكيماوية”.

وتقوم الأمانة العامة حاليًا بالتخطيط لعمليات التفتيش المقبلة في منشآت برزة وجمرايا، التابعة لـ”هيئة البحوث العلمية والتكنولوجية”.

عقبات وصعوبات

أعلن النظام السوري السابق عن 41 منشأة للأسلحة الكيماوية في 23 موقعًا، تشمل 18 منشأة لإنتاج الأسلحة الكيماوية (بما في ذلك مرافق التعبئة الثابتة)، و12 منشأة لتخزين الأسلحة الكيماوية، وثماني وحدات تعبئة متنقلة، وثلاث منشآت مرتبطة بالأسلحة الكيماوية.

إلا أن المعلومات المقدمة من الدول الأطراف، والمواقع المحددة في قرارات أجهزة صنع القرار بمنظمة “حظر الأسلحة الكيماوية”، والمواقع التي أعلنت عنها الحكومة السورية الجديدة، تشير إلى وجود أكثر من 100 موقع إضافي يحتمل أن يكون قد شارك في أنشطة متعلقة بالأسلحة الكيماوية، وتخطط منظمة حظر الأسلحة الكيماوية لإجراء زيارات إلى كل من المواقع المعلنة والمواقع الإضافية والمشتبه بها.

وفي آذار ونيسان الماضيين، زار فريق التفتيش، بدعم من الحكومة السورية الجديدة، أربعة مواقع معلنة وخمسة مواقع مشتبه بها، وشمل ذلك زيارات إلى منشآت برزة وجمرايا التابعة لمركز الدراسات والبحوث العلمية، والتي لم تكن جزءًا من عمليات التفتيش القديمة.

ومن المعوقات الكبيرة لعمل اللجان هي قصف الطيران الإسرائيلي لعدد كبير من المواقع، التي كانت تحتوي على أدلة لاستخدام السلاح الكيماوي، وبعضها قد يحتوي على مختبرات لتطوير هذا السلاح وتخزينه.

وكانت إسرائيل نفذت، في تشرين الثاني 2024، ضربات جوية استهدفت عددًا من منشآت الأسلحة الكيماوية التابعة للحكومة السورية غربي سوريا، بحسب القناة “12” الإسرائيلية.

ودعت الأمانة الفنية لمنظمة “حظر الأسلحة الكيماوية” الدول إلى تقديم مساهمات طوعية لتمويل أنشطة المنظمة في سوريا، إذ تحتاج المنظمة بحسب إعلانها، إلى 16.7 مليون يورو في عام 2025، وتقدّر الأمانة أنها بحاجة إلى 15.3 مليون يورو في عام 2026، و14.3 مليون يورو في عام 2027، لاستكمال مهامها، واتخاذ تدابير من شأنها، ضمن جملة أمور، منع عودة ظهور الأسلحة الكيماوية وانتشارها واستخدامها

المصدر: عنب بلدي

شاركها.