أكد الدكتور علي جمعة، مفتي الجمهورية السابق وعضو هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف، أن تغير الفتوى عبر الزمان والمكان والأشخاص والأحوال ليس تلاعبًا بالدين، بل هو ضرورة شرعية تقتضيها طبيعة الواقع المتغير، مشيرًا إلى أن كثيرًا من الناس يتعجبون من هذا التغير دون إدراك أبعاده الفقهية الدقيقة.
وأوضح جمعة أن تغير الفتوى لا يعني تغير الحكم الشرعي ذاته، بل هو انعكاس لتغير الموضوع أو السياق الذي تُفتي فيه، فالحكم ثابت، لكن الواقع الذي يُطبَّق عليه قد يتغير، مما يستوجب تعديل الفتوى لتناسب المعطيات الجديدة، وإلا فإن الإصرار على فتوى قديمة في واقع مختلف يُعد ضلالًا في الدين.
واستشهد جمعة بما قرره الإمام القرافي في كتابه “الإحكام في تمييز الفتاوى عن الأحكام”، حيث أكد أن الأحكام المبنية على العرف والعادة تتغير بتغير هذه العادات، وأن الفتوى يجب أن تُبنى على الواقع المعاصر لا على ما كان عليه الحال في السابق، حتى لو ورد في كتب الفقهاء خلاف ذلك.
سبب تغير الفتوى
وأشار إلى أن هذه القاعدة ليست اجتهادًا جديدًا، بل هي قاعدة أُجمع عليها العلماء، وتُطبق حتى من قبل المقلدين دون الحاجة إلى أهلية الاجتهاد، لأنها من أصول الفقه المعتمدة. كما بيّن أن الفتوى يجب أن تراعي عادات البلد الذي يُفتي فيه العالم، لا عادات بلده الأصلي، وهو ما يُعرف بفقه الواقع.
وضرب جمعة مثالًا بما رُوي عن الإمام مالك في مسألة قبض الصداق، حيث كانت العادة في المدينة أن المرأة لا تدخل على زوجها إلا بعد قبض صداقها، فكان القول قول الزوج، أما اليوم فقد تغيرت العادة، فأصبح القول قول المرأة مع يمينها، مما يدل على تغير الحكم بتغير العرف.
وختم جمعة حديثه بالتأكيد على أن الفقه الإسلامي يتميز بالمرونة والقدرة على مواكبة تغيرات الحياة، وأن الفتوى ليست نصًا جامدًا، بل هي اجتهاد حيّ يتفاعل مع الزمان والمكان والناس، بما يحقق مقاصد الشريعة ويصون مصالح العباد.
