أسفر توغل إسرائيلي في بلدة “بيت جن” بريف دمشق عن اندلاع اشتباكات عنيفة، الجمعة، مع سكان محليين، فيما أفادت وكالة الأنباء السورية (سانا) بأن قوات الجيش الإسرائيلي قتلت 13 شخصاً، وأصابت 24، كما نددت وزارة الخارجية السورية بالهجوم، واعتبرته يشكل “جريمة حرب مكتملة الأركان”.
وقالت مصادر ميدانية سورية لـ”الشرق” إن “القوات الإسرائيلية دخلت بلدة بيت جن باستخدام سيارات عسكرية غير مدرعة، لاعتقال مطلوبين، وكانوا يستشعرون الأمان في منطقة يتحركون فيها بشكل دائم ومتكرر”.
وأضافت المصادر أن القوات الإسرائيلية التي دخلت، فجر الجمعة، إلى البلدة وتوجهت إلى أحد الأزقة فوجئت بإطلاق نار عليها من مسلحين محليين، فانسحب الجنود بعدما أصيب عدد منهم بجروح، وتركوا وراءهم إحدى سياراتهم، لتأتي مسيرات إسرائيلية بعد لحظات، وتقصف السيارة، والمباني المحيطة، ما أسفر عن سقوط ضحايا، وجرحى في صفوف السكان.
وفي البلدة، قال رجل مسن يدعى “أبو إبراهيم” لـ”الشرق”: “نحن بلد عزل، وكبار بالسن، ماذا لها إسرائيل عندنا لكي تدخل علينا هذه الدخلة ليلاً؟، هل نحاربها؟ هل اقتربنا منها؟، أين الأمم المتحدة والدول؟ أين العالم؟، ماذا فعلنا لإسرائيل؟.. لقد دمرتنا.. نحن نعيش في حروب منذ سنة 1942، وهي تطلق علينا الرصاص، ماذا لها عندنا لقد دخلت حدود جبل الشيخ، وإلى بيت جن دمرتها وأصابت 40 شخصاً، ودمرت بيوتاً، ماذا لها عندنا؟ هل نحاربها نحن؟”.
كما تحدث لـ”الشرق” أحمد الأحمد، وهو من أهالي المنطقة فقال: “اقتحمت قوات العدو الإسرائيلي بلدة بيت جن، وليست المرة الأولى التي يقتحم فيها العدو الإسرائيلي هذه البلدة، بغاية اعتقال شبان من هذه البلدة ما استدعى الأهالي إلى مقاومة الدورية الإسرائيلية، وتم تبادل إطلاق النار، وأصبح العدو الإسرائيلي يطلق النار عشوائياً، مما أدى إلى وقوع ضحايا مدنيين وعزل، وليس ممن قاوموهم، الإصابات وقعت بين الناس”.
اشتباكات “بيت جن”
وأوضحت الخارجية السورية في بيان، أن الهجوم الإسرائيلي على القرية، تسبب في “حركة نزوح كبيرة”، داعية مجلس الأمن الدولي والأمم المتحدة وجامعة الدول العربية إلى التحرك العاجل لـ”وضع حد لسياسة العدوان والانتهاكات المتكررة التي يقوم بها الاحتلال الإسرائيلي بحق الشعب السوري، واتخاذ إجراءات رادعة تضمن احترام القانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة وسيادة الجمهورية السورية ووحدة أراضيها”.
وأودت الاشتباكات بحياة 13 سورياً بينهم نساء وأطفال، فيما لا يزال آخرون تحت الأنقاض، حسبما أشارت وسائل إعلام سورية رسمية، بينما أعلن الجيش الإسرائيلي في بيان، إصابة 6 من جنوده خلال تلك الاشتباكات بجروح بالغة إلى متوسطة.
وحسبما نقلت قناة “الإخبارية” السورية الرسمية، فإن المواجهات بين القوات الإسرائيلية، وسكان محليين، شملت تبادلاً لإطلاق النار، وقصفاً مدفعياً، إلى جانب تحليق مروحيات قتالية.
واعتقلت القوات الإسرائيلية ثلاثة من أبناء البلدة قبل انسحابها، وحاصر سكان البلدة، القوات الإسرائيلية التي “حاولت خطف أحد الأهالي”، وطلبوا دعماً من القرى المجاورة.
وانسحبت القوات الإسرائيلية، في أعقاب المواجهات، من داخل بلدة “بيت جن”، وتمركزت في “تلة باط الوردة” على أطراف البلدة.
إصابة 6 جنود إسرائيليين في “بيت جن”
من جانبه زعم الجيش الإسرائيلي أن مسلحين أطلقوا النار باتجاه قواته التي قال إنها خرجت “لاعتقال مطلوبين”، فردت القوات بإطلاق النار عليهم تحت دعم جوي في المنطقة، مشيراً إلى إصابة 6 من جنوده خلال تلك الاشتباكات بجروح بالغة إلى متوسطة.
الجيش الإسرائيلي قال في بيانه، عقب الاشتباكات، إن قوات من اللواء الاحتياطي 55 بقيادة الفرقة 210، شنت عمليةً توغل لاعتقال عدد من السوريين، يتهمهم بتنفيذ هجمات ضد إسرائيليين.
كما زعم الجيش الإسرائيلي، أن عدداً من المسلحين، بحسب البيان، بادروا بإطلاق النار على القوات الإسرائيلية، التي طلبت دعماً جوياً في الاشتباكات، إذ استدعت القوات الإسرائيلية خلال توغلها طائرات مقاتلة، ودبابات وطائرات مسيّرة هاجمت عدة نقاط في القرية.
وأفادت تقارير إسرائيلية بأن الهجوم كان مباغتاً للقوات المتوغلة التي لم تكن تتوقع حدوث أي اشتباك.
إدانات سعودية وخليجية وبريطانية
بدوره، أدان الأمين العام لمجلس التعاون الخليجي جاسم البديوي، الجمعة، القصف الإسرائيلي على بلدة “بيت جن”، محذراً من أن استمرار “الانتهاكات” الإسرائيلية على أراضي سوريا يفاقم التوتر، ويقوض جهود إرساء الاستقرار والأمن في المنطقة.
وأكد البديوي، في بيان، على أهمية الحفاظ على وحدة أراضي سوريا وحماية سيادتها واستقرارها وضرورة تعزيز الأمن والاستقرار في المنطقة، بما يتوافق مع مبادئ القانون الدولي وأحكام ميثاق الأمم المتحدة.
ودعا الأمين العام لمجلس التعاون الخليجي المجتمع الدولي إلى “تحرك فوري ومسؤول لوقف الاعتداءات الإسرائيلية المتكررة، لمنع الانزلاق نحو مزيد من التوتر الذي يهدد السلم الإقليمي والدولي”.
وأعربت وزارة الخارجية السعودية عن إدانة واستنكار المملكة للاعتداء السافر الذي قامت به قوات الاحتلال الإسرائيلي على بلدة بيت جن في ريف دمشق، مؤكدةً رفضها التام لكافة الانتهاكات الإسرائيلية على الأراضي السورية، ومحاولة زعزعة أمن واستقرار سوريا.
وجددت السعودية مطالبتها المجتمع الدولي وخاصة الدول دائمة العضوية في مجلس الأمن بالتصدي للانتهاكات الإسرائيلية المتكررة على سيادة سوريا والممارسات الإسرائيلية الإجرامية بحق السكان في القرى والمناطق الحدودية السورية، مطالبة بتطبيق كافة القرارات والقوانين الدولية ذات الصلة بما يكفل سيادة ووحدة وأمن سوريا وشعبها.
كما قالت المبعوثة البريطانية إلى سوريا آن سنو، الجمعة، إن استمرار التوغلات الإسرائيلية في سوريا “أمر غير مقبول”.
وأضاف المبعوثة في حسابها على منصة “إكس”: “نحث إسرائيل على احترام سيادة سوريا وسلامة أراضيها، والوفاء بالتزاماتها تجاه السلام والاستقرار والأمن”.
سلسلة توغلات إسرائيلية في سوريا
ويأتي هذا التصعيد بعد سلسلة توغلات إسرائيلية سابقة في المنطقة خلال الأشهر الأخيرة، ففي أواخر أغسطس الماضي، تمركزت قوات إسرائيلية على “تل باط” عند سفح جبل الشيخ قرب “بيت جن”، بعد دخول رتل من الجيش الإسرائيلي يضم 11 عربة وأكثر من 50 جندياً.
كما توغلت قوات الجيش الإسرائيلي في يونيو الماضي، إلى البلدة وشنت هجوماً أودى بحياة شاب سوري.
ووسعت إسرائيل وجودها العسكري في جنوب سوريا بعد الإطاحة بنظام الرئيس السابق بشار الأسد في ديسمبر الماضي، وسيطرت على مواقع إلى الشرق من المنطقة العازلة التي تراقبها الأمم المتحدة، وتفصل هضبة الجولان المحتلة عن الأراضي السورية.
وشنت إسرائيل منذ الإطاحة بنظام الأسد، غارات غير مسبوقة على أصول عسكرية سورية من بينها وزارة الدفاع، وأرسلت قوات إلى جنوب سوريا.
وتجري سوريا منذ أشهر، محادثات مع إسرائيل بوساطة أميركية للتوصل إلى اتفاق أمني، تأمل دمشق أن يؤدي إلى تخلي إسرائيل عن الأراضي التي استولت عليها في الآونة الأخيرة، لكن ذلك لا يرقى إلى أن يكون معاهدة سلام كاملة.
