اخبار تركيا

أشار مقال للكاتب والبرلماني التركي السابق أيدن أونال، إلى حالة الهدوء اللافتة التي تشهدها تركيا في الأشهر الأخيرة، رغم استمرار التوتر السياسي التقليدي بين الأحزاب. ويرجع هذا الهدوء إلى تفكيك شبكات “عملاء التأثير” التي كانت تغذي الاستقطاب داخل المجتمع عبر حملات إعلامية ومنصات التواصل الاجتماعي، بعضها مموّل من الخارج.

يرى الكاتب في مقاله بصحيفة يني شفق أن الكشف عن الحسابات التي كانت تثير العداء العرقي والمناطقي والديني—والتي ثبت أن كثيرًا منها يُدار من دول مثل الإمارات وإسرائيل والولايات المتحدة—ساهم في خفض مستوى الاحتقان الشعبي.

ويؤكد أن الاستقرار الحالي يمكن تعزيزه عبر مواجهة هذه الهياكل المنظمة التي تستهدف الشباب، معتبرًا أن أمن المجتمع لا يقل أهمية عن الخلاف السياسي، وأن التخلص من هذه التدخلات هو شرط أساسي لمناقشة مشاكل تركيا وحلّها بصفاء ووعي.

وفيما يلي نص المقال:

يسود تركيا هدوء ملحوظ منذ بضعة أشهر، هل لاحظتم ذلك؟

لا تسيئوا فهمي، بالتأكيد هناك اضطرابات ناجمة عن الضائقة الاقتصادية. وهناك توترات تحدث كالعادة في الشوارع والأسواق وحركة المرور. كما أن هناك زيادة طفيفة في معدلات الجريمة بسبب الوضع الاقتصادي. لكننا نستطيع أن نلاحظ أن تأثير التوتر السياسي على المجتمع قد انخفض بشكل ملحوظ. وحتى لا يساء فهم كلامي مجددا: فالمشهد السياسي لا يزال شديد التوتر. والأحزاب المعارضة تنتقد الحكومة بشدة. وتبادل الهجمات مستمر على أعلى مستوى. ولكن رغم ذلك فإن التوتر المستمر على الصعيد السياسي لا يتسرب إلى القاعدة الشعبية ولا ينعكس على الشارع، وقد انخفضت حدة الاستقطاب والانقسام بشكل كبير.

وهذا بالضبط ما ينبغي أن يكون. فلندع السياسيين الذين يمثلوننا يتجادلون ويتصادمون ويتوترون فيما بينهم. على المجتمع أن يتابع السياسة، وينتقد، وينزل إلى الشوارع ويحتج عند الضرورة، ويرفع صوته إذا لزم الأمر، ولكن ينبغي ألا يمتدّ الشجار إلى الأحياء أو المدارس أو أماكن العمل أو المنازل.

لقد ساد الهدوء في تركيا خلال الأشهر القليلة الماضية بفضل تحييد “عملاء النفوذ” الذين كانوا يحرضون المجتمع ويستفزونه ويستقطبونه. فقد تم كشف الهياكل التي كانت تؤجج التوتر قس المجتمع بشكل منظم عبر الفنانين والأكاديميين والصحفيين. كما تم فضح العملاء الذين ينتحلون صفة صحفيين ويتم تمويلهم من خارج تركيا.

والأهم من ذلك، كما ورد في لائحة الاتهام، أن موارد بلدية إسطنبول الكبرى قد استُخدمت في تمويل بعض عصابات التصيد والصحفيين. وقد تم الكشف عن أسماء هؤلاء الأشخاص وحساباتهم على مواقع التواصل الاجتماعي.

كما كشفت التعديلات التي أجرتها منصة “إكس” (تويتر سابقًا) عن صورة مرعبة: فقد تبيّن أن الحسابات التي كانت تحرض المجتمع وتثير الاستقطاب مصدرها خارج البلاد. فعلى سبيل المثال، تبيّن أن الحساب الذي كان يروج للمشاعر المعادية للعرب تحت قناع القومية التركية، يُدار من دبي، وأن الحساب الذي ينشر حول بلدية إسطنبول الكبرى يُدار من الولايات المتحدة، وأن العديد من الحسابات التي تتظاهر بالأتاتوركية تُدار من دول أوروبية، وأن الحسابات المعادية للإسلام تُدار من إسرائيل.

وتذكرون أحداث “ديزي”، كيف اشتبك الشباب مع الشرطة في الشوارع لأيام، وأشعلوا النيران ودمروا المباني، مما أسفر عن وفيات وإصابات. وتضرر الاقتصاد التركي بشدة. وظن اليساريون أن هذا “صحوة، مقاومة، ونهوض لليسار”. واتضح لاحقًا أن أتباع غولن الإرهابي، مستخدمين وسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي، تلاعبوا باليساريين وخدعوهم، في محاولة لخلق حالة من عدم الاستقرار والفوضى في تركيا لصالح الولايات المتحدة وإسرائيل.

فهل تختلف الحركات العنصرية التي انتشرت في السنوات الأخيرة؟ بالطبع لم يُدهشنا على الإطلاق أن تكون المراكز التي تبث العداء للأكراد والعرب، وتستهدف الإسلام والمسلمين تحت اسم “التعريب”، وتغذي انحرافات مثل “التنغرية” تصدر من الإمارات العربية المتحدة وإسرائيل وأوروبا والولايات المتحدة.

بالتأكيد لدى تركيا مشاكل، ولكن الارتفاع الكبير في منسوب اليأس والتشاؤم والتوتر بين الشباب ليس ناتجًا عن أسباب طبيعية فحسب. فهناك عشرات، بل مئات من حسابات وسائل التواصل الاجتماعي، تجري عمليات على الشباب نيابة عن بعض الدول المعادية لتركيا، وللأسف، تنجح في ذلك.

وفي إطار الاحترام المتبادل، يحق للجميع الكتابة والتعبير عما يشاؤون. ولأي شخص أن يمدح من يريد، وينتقد بالقدر الذي يشاء. لكن يجب ألا يقوم أي كان، في الداخل أو الخارج، بإجراء عمليات على تركيا والمجتمع، كعميل تأثير متطوع أو مدفوع الأجر ضمن هياكل منظمة.

وكما نؤكد دائمًا … إن هذا القدر من غياب القواعد والرقابة على وسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي يمثل مشكلة أمن قومي. لا يمكن قبول أن تستغل بعض الجهات من الولايات المتحدة، وإسرائيل، والإمارات العربية المتحدة شبابنا، وأن تستغلهم تحت قناع “المعارضة”، أو “لأتاتوركية”، أو “القومية التركية”، وما إلى ذلك.

نأمل أن يدوم هذا الجو من السلام والهدوء الذي نعيشه منذ فترة. وأن يتم فضح الجماعات التي تنفذ عمليات معادية لتركيا والمجتمع، وخاصة الشباب. إذا تمكن من القضاء على العملاء الذين تسللوا إلينا، يُمكننا مناقشة جميع مشاكل تركيا وحلها بصراحة، والمضي بتركيا نحو الازدهار. وإلا، فإننا سنجد أنفسنا مدفونين تحت الأنقاض التي تسببت فيها حشود “الأغبياء النافعين” الذين يحفرون يضرون بتركيا زاعمين أنهم “قوميون أتراك”.

شاركها.