اللاذقية – شعبان شاميه

عانى مزارعو الحمضيات في الساحل السوري لسنوات مما وصفوه بسياسة “إسقاط مواسمهم”، التي تمثلت باتخاذ الحكومات المتعاقبة قرارات “مجحفة بحقهم” مرتبطة بالتصدير وأخرى تمنح موافقات واسعة باستيراد الموز اللبناني إلى الأسواق المحلية بالتزامن مع ذروة موسم الحمضيات، إضافة إلى ما يتعرض له المزارع من استغلال واحتيال من قبل تجار أسواق “الهال”.

تلك السياسات انعكست سلبًا على واقع هذه الزراعة وجدواها الاقتصادية، وأدت إلى عزوف كثير من الفلاحين والمزارعين عنها والتحول نحو الزراعات الاستوائية، وفق إفادات رصدها مراسل في محافظتي اللاذقية وطرطوس.

كما أن رحلة عمل المزارع التي تبدأ من نيسان حتى تشرين الثاني لحين جني الثمار تكلفه ما ادّخره طيلة العام، هذا إن سَلِمَ الموسم الزراعي من العوامل الجوية التي تسببت لأكثر من مرة بإتلاف المحاصيل أو يباس الشجر.

واليوم، يأمل مزارعو الحمضيات من الحكومة في أول موسم فعلي بعد تسلمها السلطة إنصافهم واتخاذ خطوات فعلة من شأنها إعادة إحياء هذه الزراعة الرئيسة.

مدير مكتب الحمضيات في وزارة الزراعة، حاتم مجر، قال ل، إن تقديرات الإنتاج الأولية لهذا الموسم حوالي 590 ألف طن موزعة على محافظتي اللاذقية وطرطوس، بالإضافة إلى كميات قليلة لا تتعدى 1% موزعة على بقية المحافظات كزراعات منزلية.

موسم الحمضيات في اللاذقية

تقدّر المساحة المزروعة بالحمضيات في اللاذقية بحسب الجولات الإحصائية للموسم الحالي بحوالي 31 ألف هكتار، إذ تتركز 77% من زراعة الحمضيات المحلية فيها، حيث يبلغ العدد الكلي للأشجار 10.2 مليون شجرة، توفر فرص العيش لنحو 44 ألف عائلة، وفق ما قاله مدير زراعة اللاذقية، عبد الفتاح السمر، ل.

وأضاف السمر أن الإنتاج المتوقع لهذا الموسم في اللاذقية يصل إلى ما يقارب 440 ألف طن، بحسب التقديرات الأولية.

وذكر مدير زراعة اللاذقية، أن الأسعار في سوق “الهال” تتراوح لهذا الموسم بين ثلاثة آلاف و13 ألف ليرة للكيلو الواحد (الدولار يقابل 11900 ليرة)، وفق الصنف والنوع والجودة، لافتًا إلى أنه من خلال تتبع الواقع التسويقي كبداية لا توجد مشكلات تسويقية لهذا الموسم، بحسب قوله، واصفًا الأسعار بـ”الجيدة”، إذ إن الكميات قليلة مقارنة بالمواسم السابقة.

ولتجنب العقبات التي تعترض عملية تسويق الحمضيات خلال هذا الموسم، لفت السمر إلى أهمية متابعة العملية التسويقية من بداية الموسم والتركيز عليها خاصة خلال ذروة الإنتاج (تشرين الثاني، كانون الأول، كانون الثاني)، تلافيًا لحدوث اختناقات تسويقية خلالها ورفع الصعوبات والمشكلات إلى الجهات المعنية للعمل على حلها، من خلال تشكيل لجنة تسويق على مستوى المحافظة.

ماذا عن موسم الحمضيات في طرطوس؟

تعد شجرة الحمضيات إحدى أهم الأشجار المثمرة في محافظة طرطوس، وتحتل المرتبة الثانية بعد الزيتون، إذ تبلغ المساحة المزروعة بالحمضيات فيها حوالي 9,200 هكتار، في حين يتجاوز عدد الأشجار المثمرة 3.2 مليون شجرة، بحسب ما قاله مدير زراعة طرطوس، حسن حمدان حماده، ل.

وأضاف حماده أن تقديرات الإنتاج الأولية تبلغ 149,800 طنًا من مختلف أصناف الحمضيات لهذا الموسم، بزيادة قدرها 2000 طن على العام الماضي.

وتعتمد مديرية زراعة طرطوس أسلوب المكافحة الحيوية للقضاء على الآفات، قال حماده، إذ تقوم بتربية الأعداء الحيوية في مركز بحوث الحمضيات ونشرها في حقول الحمضيات بعيدًا عن المكافحة الكيماوية، وبالتالي إنتاج ثمار عضوية بامتياز دون أي أثر متبقٍّ للمبيدات.

أصناف الحمضيات المحلية

يتوزع إنتاج الحمضيات في الساحل السوري على أربع مجموعات:
• مجموعة الحامض (حامض ماير، حامض عادي).
• مجموعة البرتقال الحلو (يافاوي، أبو صرة، فالنسيا، بلدي، دموي).
• مجموعة اليوسفي (كلمنتاين، ساتزوما، هجين).
• مجموعة الهندي (كريفون عادي، كريفون دموي، بوميلو).

وأوضح مدير مكتب الحمضيات في وزارة الزراعة، حاتم مجر، أن موسم الأصناف ضمن هذه المجموعات يستمر من شهر أيلول (الأصناف المبكرة) وصولًا حتى نهاية نيسان بالنسبة للأصناف المتأخرة.

انخفاض الإنتاج 38.2% خلال عشر سنوات

لفت مجر إلى أنه بمقارنة التقديرات الأولية للإنتاج الحالي مع متوسط الإنتاج للسنوات العشر الأخيرة يُلحظ انخفاض الإنتاج بنسبة 38.2%، إذ تراجع الإنتاج خلال هذه السنوات بشكل تدريجي.

وتعرضت سوريا هذا العام لموجة حر بالتزامن مع فترة إزهار الحمضيات، ما أدى إلى جفاف البتلات وانخفاض نسبة العقد وبالتالي تراجع الإنتاج.

وعزا مدير مكتب الحمضيات في وزارة الزراعة هذا التراجع إلى أسباب اقتصادية بشكل رئيس، إذ انخفضت أسعار الحمضيات كثيرًا خلال الفترة السابقة بحيث أصبحت لا تغطي تكاليف الإنتاج، مما نتج عنه استبدال بعض المساحات بزراعات أخرى أكثر ربحية.

كما انعكس ذلك أيضًا على خدمة المزارعين للحقول من حيث تقديم الأسمدة اللازمة، أضاف مجر، ما أدى إلى انخفاض حاد في إنتاجية الشجرة.

ولفت مجر إلى أن العوامل المناخية والجفاف الذي أصاب المنطقة أدى إلى تدهور الإنتاج بشكل كبير أيضًا، إذ إن قسمًا كبيرًا من البساتين تُروى من السدود التي انخفضت مناسيبها خلال الصيف الماضي نتيجة انحباس الأمطار.

تحسن الأسعار وصل إلى 120%

اعتبر مدير مكتب الحمضيات أن الوضع الحالي للمزارعين جيد من حيث تحسن الأسعار، بالرغم من انخفاض الإنتاج، إذ وصل إلى نسبة 120% بالنسبة لصنف “اليوسفي” مقارنة مع الموسم الماضي، مما انعكس إيجابًا على عدد كبير منهم، مشيرًا إلى عودة المزارعين تدريجيًا للاعتناء بمزارعهم، إضافة إلى وجود إقبال عالٍ على شراء غراس الحمضيات، بحسب ما أوضحته الجولات الميدانية.

كما يرى مجر أن زوال النظام السابق مع المعوقات التي واجهت مصدّري الحمضيات أدى إلى تحسن التسويق وزيادة الكميات المصدّرة إلى الأسواق العراقية والخليجية بشكل رئيس.

مساعٍ لتحقيق ديمومة الإنتاج

بحسب مجر، تعمل وزارة الزراعة بالتعاون مع الجهات الحكومية المعنية على منع استيراد الحمضيات بأنواعها خلال فترة الإنتاج منعًا لانخفاض الأسعار وللحفاظ على استقرارها.

كما أشار إلى قيام الوزارة من خلال مكتب الحمضيات ومديريات الزراعة في المحافظات بتوجيه المزارعين إلى زراعة أصناف الحمضيات التي تناسب مناطقهم، بما يضمن توزيع الإنتاج على مدار العام، وبالتالي استقرار الأسعار وتلافي وجود ذروة تسويقية على المدى الطويل.

كذلك تسهم وزارة الزراعة في الحفاظ على نوعية الحمضيات السورية التي تشتهر بخلوها من الأثر المتبقي للمبيدات نتيجة تطبيق برامج المكافحة الحيوية، تابع مجر، إذ تقوم بتوزيع الأعداء الحيوية بأسعار رمزية لترسيخ مبدأ المكافحة الحيوية مما يؤهل الحمضيات المحلية لحيازة شهادات جودة دولية (ICM على سبيل المثال)، في حال دخول أي جهة مانحة لهذه الشهادات إلى سوريا، مما يضاعف القيمة التسويقية لها.

وأكد مجر أن انتشار بعض الزراعات المدارية وشبه المدارية والاستوائية لا يشكل بديلًا عن الحمضيات في الساحل السوري كونها معرّضة لخطر الصقيع، كأضرار الصقيع التي طالت حقول القشطة والموز خلال الشتاء الماضي، معتبرًا أن هذه الزراعات “تكميلية” تساعد في تغطية حاجة السوق المحلية عوضًا عن الاستيراد وتشكل مصدر دخل إضافيًا للمزارعين.

استراتيجيات ومقترحات ترسم مسارًا للحل

يتطلب الحفاظ على استقرار سوق الحمضيات في المنطقة الساحلية وجود مستثمرين من القطاع الخاص (مشاغل فرز وتوضيب، معامل تصنيع) لأن القطاع الخاص أكثر مرونة، كما أن تسويق الحمضيات يحتاج إلى السرعة والمرونة في التسعير والشحن، قال مدير مكتب الحمضيات ل.

وأضاف أن هناك عددًا من مشاغل الفرز والتوضيب تستطيع حاليًا مواكبة السوق العراقية وبعض الأسواق الخليجية، إلا أن هذه المنظومة تحتاج إلى رفع كفاءتها وجودة عملها لتنافس الحمضيات المنتجة في دول الجوار.

بدوره، تحدث مدير زراعة اللاذقية، عبد الفتاح السمر، ل، عن إجراءات من شأنها تسهيل عملية تسويق الحمضيات وتشجيع المزارعين على الاهتمام بهذه الشجرة وعدم استبدالها، تشمل:

  • متابعة واقع العملية التصديرية والتنسيق مع حكومات الدول التي تم تصدير الحمضيات إليها لتذليل جميع الصعوبات والمعوقات، وإيجاد أسواق تصريف خارجية جديدة للتصدير وخاصة بعد التحرير.
  • الاستثمار الأمثل والكامل للحمضيات من خلال إنشاء معمل متعدد الاستعمالات يقوم على استخلاص “البيتاكاروتين” والزيوت العطرية و”البيكتات” بالدرجة الأولى، كونها أكثر قيمة اقتصادية من العصائر والمربيات، ثم إنتاج العصائر والمركزات والمربيات بالدرجة الثانية في محافظة اللاذقية.
  • الحد من دور الوسطاء والسماسرة في العملية التسويقية للإنتاج، من خلال تشكيل جمعيات تسويقية بحيث يتم نقل الإنتاج مباشرة إلى المستهلك وتخفيض قيمة العمولة في أسواق “الهال”.
  • تنظيم وتطوير عمل أسواق “الهال” وخاصة فيما يتعلق بنظام الفوترة وإصدار فواتير واضحة وموثوقة إلكترونيًا، والسعي لإقامة أسواق جديدة وبمواصفات قياسية من حيث المكان والتوزيع وآلية العمل وأولوياته.
  • تأمين خط شحن بحري منتظم ما بين المواني السورية ومواني الأسواق المراد استهدافها.
  • قيام هيئة دعم الإنتاج المحلي وتنمية الصادرات بالتعاون مع وزارة الزراعة بالترويج للحمضيات السورية من خلال برنامج الاعتمادية لتسويق المنتجات الزراعية.
  • التواصل مع رجال الأعمال والشركات المتخصصة بتجارة الحمضيات (استيراد، تصدير) في الدول المستهدفة ودعوتهم لزيارة سوريا، والانفراج على الدول من خلال القيام بجولات ميدانية على المزارع المعتمدة.

المصدر: عنب بلدي

شاركها.