المنامة (موفدة اخبار عمان) مدرين المكتومية

في خطوة تاريخية، يُشارك حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم حفظه الله ورعاه في أعمال الدورة السادسة والأربعين للمجلس الأعلى لمجلس التعاون لدُول الخليج العربية، والمقرر عقدها في العاصمة البحرينية المنامة، وقد ذكر بيانٌ صادرٌ عن ديوان البلاط السُلطاني أنه: “تلبيةً للدعوة الكريمة الموجهة لحضرةِ صاحبِ الجلالةِ السلطان هيثم بن طارق المُعظم من أخيه حضرةِ صاحبِ الجلالةِ الملك حمد بن عيسى آل خليفة ملكِ مملكة البحرين الشقيقة؛ سيقومُ جلالةُ السلطان المُعظم حفظهُ اللهُ ورعاهُ بزيارةٍ لمملكة البحرين للمُشاركة في الدورة السادسة والأربعين للمجلس الأعلى لمجلس التعاون لدُول الخليج العربية المُقرر عقدُها في المنامة يوم الأربعاء الموافق 3/ 12/ 2025”.

وأكد البيان أن المُشاركة السامية، تأتي حرصًا من لدن عاهل البلاد المُفدى أبقاهُ اللهُ على الالتقاء بإخوانه أصحاب الجلالةِ والسمو لتعزيز مسيرة المجلس والدفع بها نحو آفاق أكثر إشراقًا ونماءً وازدهارًا، وبحث الموضوعات التي تجسد العمل الخليجي وتُعزز مسيرته في ضوء المستجدات الإقليمية والدولية.

ووفق قراءة تحليلية لهذه المشاركة التاريخية للمقام السامي في أعمال القمة، فإنها تترجم مدى الحرص السامي من لدن جلالته على ترسيخ منظومة التعاون التي تأسست قبل 4 عقود ونيف، عندما اجتمع القادة المؤسسون في ذلك الحين، للاتفاق على تأسيس كيان إقليمي لتعزيز التعاون والشراكة والتكامل في جميع المجالات، وهو المجلس الذي بات يمثل رمانة ميزان الإقليم، في مواجهة التحديات التي تعصف به بين الحين والآخر. وقد شهدت مسيرة مجلس التعاون الخليجي ازدهارًا ورخاءً خلال العقود المنصرمة، وعكست الحرص الشديد من قادة دوله على تعزيز المواطنة الخليجية، وترسيخ قيم التآخي والتعاضد والوحدة والتكامل، وتلبية متطلبات المواطن الخليجي؛ الأمر الذي أسهم في بناء نموذج تنموي متطور يُنافس كبرى الدول المتقدمة في العالم.

وهذه المُشاركة الأولى لصاحب الجلالة في القمة الخليجية، تبرهن على التزام عُمان الراسخ تجاه الشأن الخليجي البيني، والحرص على مناقشة مختلف القضايا الإقليمية وغيرها من الملفات في إطار من المشاورات الأخوية الصادقة، التي تستهدف الصالح العام.

وتنعقد “قمة المنامة” في توقيت بالغ الحساسية، وتحديدًا في مرحلة “ما بعد حرب غزة”، والتطورات التي شهدها إقليمنا، وبصفة خاصة الاعتداءات الخارجية على دولة قطر الشقيقة؛ الأمر الذي هدَّد منظومة الأمن الخليجي، واستنفر القوى الإقليمية. كما تنعقد القمة وسط تطلعات بمزيد من التكامل الاقتصادي بين دول المجلس، واستكمال السوق الخليجية المشتركة، وغيرها من الملفات الاقتصادية والتنموية المُهمة.

عُمان والخليج

ولطالما حرصت سلطنة عُمان على تطوير أواصر العلاقات مع كل دول مجلس التعاون الخليجي، وتجلّى ذلك في الزيارات الرسمية المتبادلة على أعلى مستوى، وليس أدل على ذلك من الزيارات السامية الكريمة لجلالة السلطان المعظم أيده الله إلى العواصم الخليجية؛ إذ أولى جلالته حرصًا شديدًا على أن تكون أولى الزيارات الخارجية بعد تولي مقاليد الحكم في عام 2020، إلى دول الخليج، والبداية كانت من المملكة العربية السعودية، في زيارة حملت رسالة واضحة ومعبرة عن عمق العلاقة والروابط التي تجمع البلدين الشقيقين، وأهمية الشراكة الاستراتيجية بينهما؛ حيث شهدت الزيارة مباحثات موسعة بين جلالة السلطان المعظم وأخيه خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز حفظهما الله ورعاهما تناولت تعزيز التعاون السياسي والاقتصادي والامني والعسكري، والعمل على فتح آفاق أرحب للعمل. وشهدت تلك الزيارة التوقيع على مذكرة تفاهم لإنشاء مجلس تنسيق عُماني سعودي يعنى بدفع العلاقات الثنائية إلى مستويات أكثر تكامل.

وفي العلاقات مع دولة قطر، تفضل جلالة عاهل البلاد المُفدى نصره الله وزار دولة قطر الشقيقة والتقى بصاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني أمير دولة قطر؛ حيث عُقدت مباحثات ثنائية موسعة استعرضت العلاقات بين البلدين الشقيقين، وسبل تعزيزها وتطويرها في كافة المجالات، وشملت تبادل وجهات النظر حول عدد من القضايا الإقليمية والدولية. وقد عكست هذه المباحثات عمق العلاقات الثنائية، وتطابق مواقف البلدين بشأن القضايا الإقليمية والدولية لا سيما أهمية الحوار والدبلوماسية في معالجة كافة قضايا المنطقة.

وشملت الزيارات الخليجية لجلالة السلطان المعظم كذلك، مملكة البحرين، فكانت الزيارة الأولى لجلالته في 2022، وهدفت لتعزيز العلاقات الثنائية بين البلدين؛ حيث جرى توقيع 6 اتفاقيات و18 مذكرة تفاهم في مجالات متعددة منها تأسيس الشركة البحرينية العُمانية للاستثمار القابضة. وبحث الجانبان مسيرة العمل الخليجي المشترك والجهود التي تبذلها دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية لترسيخ التعاون والتكامل الخليجي المشترك، حيث أكدا أعزهما الله على ضرورة العمل على تماسك مجلس التعاون وتأكيد تضامن دوله وشعوبه لمواجهة كافة التحديات الحالية، ومواصلة الجهود لتحقيق تطلعات الدول الأعضاء وشعوبها نحو مزيد من التعاضد والتكامل والعمل المشترك لتحقيق الوحدة الاقتصادية الخليجية.

وفي أبريل 2024، زار جلالة السلطان دولة الإمارات العربية المتحدة الشقيقة، في خطوة استهدفت ترسيخ أواصر الأخوة وتوطيد الوشائج التاريخية الحميمة بين البلدين، وهي الزيارة التي عكست علاقات التعاون الزاهرة التي تجمع البلدين وشعبيهما الشقيقين. وتناول القائدان التطورات الإقليمية والدولية ذات الاهتمام المشترك وتبادلا وجهات النظر حولها، وأكدا على تعزيز التنسيق في مواقفهما بما يخدم المصالح المشتركة ويقوي دعائم الاستقرار والأمن في المنطقة، علاوة على تأكيد مواقفهما الداعية للاستقرار والأمن والازدهار والنماء لجميع دول وشعوب المنطقة والعالم أجمع.

كما قام جلالة السلطان المعظم أيده الله بزيارة في 2024 إلى دولة الكويت الشقيقة، ما عكس متانة العلاقات العُمانية الكويتية التي تضرب بجذورها في التاريخ؛ سواء فيما يتعلق بالعلاقات التجارية البحرية التي جمعت بين تجار البلدين طوال القرون الماضية، أو العلاقات السياسية والاقتصادية والتجارية والثقافية والعلمية التي تشهد على مدى عقود تطورًا مستمرًا بفضل توجيهات القيادتين الحكيمتين في البلدين الشقيقين وحرصهما على تعزيزها في شتى المجالات.

أما فيما يتعلق بالملفات المُتوقع التباحث حولها خلال القمة، فإن ملف الأمن والاستقرار يبدو أنه يستحوذ على نصيب الأسد، في ضوء التطورات الإقليمية والدولية الراهنة. وهنا نشير بوضوح إلى الدور الذي تؤديه منظومة الأمن الخليجي المشترك من كفاءة في التعامل مع التحديات، خاصة في ظل قوة درع الجزيرة التي تأسست عام 1982، في خطوة سعت منذ ذلك التاريخ إلى ترسيخ مفهوم الأمن الجماعي للدفاع عن دول المجلس واستقرارها والحفاظ عليها وعلى مكتسباتها. وشكَّلت القوة رمزًا للتعاون العسكري المشترك بين دول الخليج.

وأخيرًا.. يمثل الحضور السامي لجلالة السلطان المعظم حفظه الله ورعاه في القمة الخليجية السادسة والأربعين، منعطفًا تاريخيًا في مسيرة القمم الخليجية، بفضل ثقل الدور العُماني المشهود في جميع القضايا الإقليمية والدولية، علاوة على المكانة الشخصية لجلالة عاهل البلاد المُفدى أيده الله بين إخوانه من قادة دول المجلس؛ الأمر الذي يؤكد أن مخرجات القمة المرتقبة ستُفصح عن قرارات واعدة تخدم مسيرة العمل الخليجي المشترك.

شاركها.