خطيب بدلة

الشعب السوري لا يحب التغيير، يمكننا أن نغامر، فنقول إن الأمة التي ننتمي إليها، أعني الأمة العربية، هي أمة الثوابت.. ومن أقوالنا المتداولة: الله محيي الثابت.

المشكلة الأساسية، أننا لا نجد في الثبات بأسًا، العكس هو الصحيح، نعتبره ميزة، بل مفخرة، بدليل أن إعلام نظام الأسد كان يردد، في النشرات الإخبارية، والتحليلات السياسية، أن القيادة السورية لا تحيد عن الثوابت القومية، والوطنية، وإذا أنت دققت في الخطاب البعثي جيدًا، ستجد أن الثوابت التي كانوا يقصدونها، مشتقة من أهدافهم المعلنة: الوحدة، والحرية، والاشتراكية، وهنا لا بد لمن كان يتفرج عليهم أن يضحك، لأن البلاد، أو الأقطار العربية، التي كانوا يسعون إلى توحيدها، أخذت تتجزأ، وحرية المواطن وصلت إلى مستوى نقعه في سجن “تدمر”، حتى يتخ، لمجرد أن يتبرع مخبر متعيش بكتابة تقرير كاذب بحقه، إلى حد إلقاء البراميل عليه، من طائرات الهليكوبتر، وأما “ثابت” الاشتراكية، فقد نجم عنه تركز مليارات الدولارات في جيوب مجموعة صغيرة من الشعب، ونصيب بقية الشعب: الاشتراك في صفة الفقر.

أنا أرى أن فكرة الثوابت القومية والوطنية ليست سوى لعبة سلطوية خبيثة، الهدف منها تكريس الاستبداد، وإقناع الشعب بأن الرضوخ للأمر الواقع ضروري، تطبيقًا للمقولة الشائعة “العدو على الأبواب”، وبكل صفاقة، ووقاحة، استعار النظام البعثي من الأنظمة الدكتاتورية التي سبقته فكرة “الخط الأحمر”.

هل تعلم، صديقي العزيز، ما هو الخط الأحمر؟ دعني أقربه من ذهنك بمثال من عالم السيارات المستعملة. فلقد درجت، في مكاتب بيع السيارات، عبارة “كومة حديد”، وفيها يكون من حق الزبون أن يتفرج على السيارة، ويفتح محركها، ويفحصه ببصره، ويأخذ المفتاح، ويسوق السيارة لمسافة قصيرة، ليجربها، وحينما يجلس الطرفان على “البازار”، يقول البائع: أنت ما عم تشتري سيارة، هاي كومة حديد، بعدما تطلع من هون إذا بتلاقي فيها خمسين عطل، أنا ما إلي علاقة! وخلال سنوات الحرب الأهلية، صارت السيارات المستعملة تباع دون أوراق ثبوتية، وتسمى عملية البيع “لَفّة رَسَنْ”، وكأن السيارة دابة داشرة، رسنُها ملفوف على رقبتها.. وأما وجه الشبه بين الحالتين، فتراه في أن البائع يستبد على المشتري، ويشترط عليه السكوت عن أي خلل، أو عطل يظهر معه، والخط الأحمر يمنع المواطنين من مناقشة قضاياهم الكبرى، فإذا قال لك: المقاومة خط أحمر، مثلًا، لا يعود في وسعك أن تسأل: مقاومة مين؟ وليش؟ وأنا، كمواطن سوري، شو جابرني أسير في فلك المشروع التوسعي الإيراني، وتدمر بلدي بحرب تخوضها سوريا، بالنيابة عن إيران، ضد إسرائيل؟ ومَن هو العدو الذي تخيفني بأنه “على الأبواب”؟ ومن الذي قرر أن هذا عدوي؟ أو أنه عدوي “الوحيد”؟

نفس الشعارات، تقريبًا، ونفس الخطوط الحمراء، تجدها عند السلطة التي حلت محل سلطة الأسد. فقبل أن تصل فصائل “هيئة تحرير الشام” إلى السلطة، كان السير في فلك أمريكا خط أحمر، ومهادنة العدو الصهيوني شرحه، والتعامل مع العدو الروسي شرحه. تعال تفرج، عليهم اليوم، كيف يتصرفون بعكس ثوابتهم، وخطوطهم الحمراء!

المصدر: عنب بلدي

شاركها.