تصعّد أوكرانيا من تحركاتها في البحر الأسود، معلنة للمرة الأولى هذا العام استهداف ناقلات نفط تابعة لـ”أسطول الظل” الروسي قرب السواحل التركية، في خطوة تراها تقارير غربية محاولة مباشرة لضرب مصادر تمويل موسكو في حربها ضد كييف، بحسب “وول ستريت جورنال”.
وخلال الأيام الأخيرة، اعترفت كييف بشن هجمات بمُسيرات على ناقلتي نفط مرتبطتين بروسيا وخاضعتين للعقوبات، قرب الساحل التركي في البحر الأسود.
وتعد هذه المرة الأولى هذا العام التي تعلن فيها أوكرانيا مسؤوليتها عن هجمات من هذا النوع، التي يُقدر عددها بحوالي 6 حوادث منذ يناير الماضي.
توعد روسي وتدابير تركية
وفي المقابل، توعد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، الثلاثاء، بتوسيع دائرة الضربات على الموانئ الأوكرانية والسفن المتجهة إليها، وقال إن “الخيار الأكثر تطرفاً هو عزل أوكرانيا عن البحر، عندها ستصبح القرصنة مستحيلة”.
والأربعاء، قال وزير الخارجية التركي هاكان فيدان إن هجمات تعرضت لها ناقلات نفط مرتبطة بروسيا داخل المنطقة الاقتصادية الخالصة لتركيا بالبحر الأسود في الآونة الأخيرة كانت “مخيفة للغاية” وأثرت على سلامة الملاحة والتجارة في المنطقة.
وأضاف لوسائل إعلام تركية بعد اجتماع لحلف شمال الأطلسي في بروكسل أن الدول الواقعة على البحر الأسود مثل تركيا، ورومانيا، وبلغاريا تدرس اتخاذ تدابير لتجنب وقوع حوادث مماثلة.
حملة أوكرانية ضد البنية التحتية للطاقة
وكانت الشمس تغرب فوق البحر الأسود، مساء الجمعة، عندما اندفع زورق بحري مُسير نحو ناقلة نفط في طريقها إلى أحد الموانئ الروسية.
واصطدمت طائرة “Sea Baby” المُسيرة، التي طورتها أجهزة الأمن الأوكرانية، بهيكل السفينة بعد لحظات، مما أدى إلى كرة نارية أضاءت السماء بلون وردي.
وأظهرت لقطات فيديو منخفضة الجودة، تقول الاستخبارات الأوكرانية إنها لتفجير يستهدف ناقلة نفط مرتبطة بروسيا، لمحة عن حملة كييف المتصاعدة ضد البنية التحتية للطاقة الروسية، بحسب “وول ستريت جورنال”.
كما استهدفت كييف، الأسبوع الماضي، محطة نفطية رئيسية على الساحل الروسي للبحر الأسود يتدفق من خلالها أكثر من 1% من شحنات النفط العالمية.
وتأتي هذه الهجمات استكمالاً لحملة أوكرانية مستمرة منذ أشهر ضد المصافي الروسية، بهدف رفع كلفة الحرب على الكرملين، والممتدة منذ نحو 4 سنوات.
ويأتي الهجوم الأوكراني ضد “أسطول الظل” الروسي في فترة تشهد جهوداً دبلوماسية مكثفة، إذ زار المبعوثان الأميركيان ستيف ويتكوف وجاريد كوشنر، موسكو، للتفاوض حول إطار محتمل للسلام مع روسيا.
وتأتي هذه المحادثات بعد اجتماع ضم ويتكوف وكوشنر مع مسؤولين أوكرانيين، بمشاركة وزير الخارجية ماركو روبيو.
ورغم أن الضربات الأوكرانية الأخيرة تستهدف صميم الاقتصاد الروسي، وهو قدرته على تصدير النفط، فإن نجاح كييف النهائي ما يزال “غير مضمون”، كما أن هذه الاستراتيجية “تنطوي على مخاطر دبلوماسية”، لأنها توسع نطاق الصراع، وتطال أراضي وممتلكات بحرية تابعة لدول أخرى، بحسب “وول ستريت جورنال”.
تهديد للملاحة في البحر الأسود
وشدد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، الاثنين الماضي، على أن “النزاع بين روسيا وأوكرانيا بات يهدد بوضوح سلامة الملاحة في البحر الأسود”.
وأصدر أردوغان تحذيراً “لجميع الأطراف المعنية” دون الخوض في التفاصيل.
ويعتمد “أسطول الظل” الروسي على شبكة مجزأة من سجلات السفن الوطنية، ما يسمح له بنقل النفط الخاضع للعقوبات عبر سفن قديمة غالباً تغير أعلامها لتفادي العقوبات الدولية المتعلقة بنقل النفط الروسي.
وكانت موسكو نفت سابقاً استخدامها “أسطولاً خفياً”، ووصفت العقوبات الغربية بأنها “غير شرعية”.
وأثبتت موسكو قدرتها على الصمود في وجه الهجمات التي تطال بنيتها التحتية وشبكة صادراتها، وتمكنت من إصلاح المصافي المتضررة، وتأمين المزيد من السفن للحفاظ على تدفق النفط إلى المشترين الدوليين.
ومع ذلك، ترفع الهجمات الأوكرانية تكلفة نقل النفط الروسي، لأنها تزيد أقساط التأمين على السفن، وتؤثر تدريجياً على الإيرادات الممولة لحرب بوتين.
قد دفعت الهجمات الأوكرانية على المصافي روسيا إلى سحب بعض منظومات الدفاع الجوي من الجبهة، وتسببت في نقص الوقود في عدة مناطق روسية، مما نقل آثار الحرب إلى منازل وأماكن عمل المواطنين.
وقال آدي إمشيروفيتش، المحاضر في الطاقة بجامعة أوكسفورد والرئيس السابق لشركة “جازبروم للتسويق والتجارة” بلندن: “هذه أفضل استراتيجية لدى أوكرانيا، فهي تستطيع ضرب الاقتصاد للضغط على روسيا في المفاوضات”.
هجوم بالمُسيرات
واستخدمت البحرية الأوكرانية وجهاز الأمن مسيرات “Sea Baby” في هجوم، الجمعة، على ناقلتين خاضعتين للعقوبات لنقلهما نفطاً روسياً، بحسب مسؤول أوكراني.
وطُورت هذه المُسيرات من قبل جهاز الأمن، وتحمل رؤوساً متفجرة.
وتعرضت الناقلة “كايروس” التي يبلغ طولها 900 قدم، وناقلة “فيرات” بطول 820 قدماً، لهجمات المُسيرات أثناء توجههما إلى ميناء نوفوروسيسك الروسي على الساحل التركي للبحر الأسود.
وكانت الناقلتان، اللتان تقدر سعتهما بنقل نفط بقيمة تصل إلى 70 مليون دولار، فارغتين من النفط آنذاك.
وأبحرت السفينتان، وهي تحملان علم جامبيا، وتنتميان إلى شبكة النقل البحري الروسية المعقدة التي يُعتقد أنها تضم مئات السفن، كثير منها يعاني من سجل سلامة متفاوتة.
وتخضع “كايروس” لعقوبات الاتحاد الأوروبي وبريطانيا، بينما أدرجت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي “فيرات” على القائمة السوداء.
ووقعت انفجارات على الأقل في 6 سفن أخرى مرتبطة بروسيا هذا العام، وتحمل هذه الحوادث، بحسب خبراء الأمن والمحللين البحريين ومصادر الاستخبارات المفتوحة، بصمات العمليات الأوكرانية.
وفي حادث منفصل، تعرضت ناقلة نفط لأربع “انفجارات خارجية” قبالة ساحل السنغال الأسبوع الماضي، وفقاً لشركة “بيشكتاش شيبنج” التركية المشغلة للسفينة. وكانت السفينة، غير الخاضعة للعقوبات، قد زارت عدة موانئ روسية هذا العام.
كما تعرضت، هذا الأسبوع، ناقلة روسية ترفع العلم الروسي، وتنقل زيت دوار الشمس من روسيا إلى جورجيا لهجوم في البحر الأسود، بحسب السلطات التركية، التي لم تحدد الجهة المسؤولة.
ولم تطلب السفينة المساعدة، ولم يُصب أفراد طاقمها الـ13، فيما نفت وزارة الخارجية الأوكرانية أي صلة لكييف بالحادث.
وأرى خبراء أن بعض هذه الانفجارات قد يكون ناجماً أيضاً عن اصطدام بألغام بحرية طافية في البحر الأسود أو هجمات من أطراف أخرى.
وفي هجوم يُشتبه بأنه وقع في يوليو، أدى انفجار استهدف ناقلة “إيكو ويزارد” إلى تسرب الأمونيا.
وبعد انفجار وقع في يونيو على ناقلة “فيلامورا”، التي كانت تحمل مليون برميل من النفط الخام، أشارت الاستخبارات العسكرية الأوكرانية إلى الحادث على موقعها الإلكتروني دون تقديم تفاصيل إضافية.
تكلفة كبيرة لصادرات النفط الروسية
وطورت أوكرانيا أسطولاً فعالاً من المُسيرات البحرية والجوية طويلة المدى القادرة على ضرب السفن الحربية الروسية والموانئ والبنى التحتية في عمق البحر الأسود، ما يعوض افتقارها للقوة البحرية التقليدية.
وإلى جانب تدمير بعض السفن، تزيد ضربات كييف التكلفة والتعقيدات اللوجستية لصادرات النفط الروسية، فإذا أصبح الشحن عبر البحر الأسود محفوفاً بالمخاطر، فقد تضطر موسكو إلى تحويل مزيد من الصادرات نحو بحر البلطيق، ما سيطيل مسارها، ويرفع كلفة وصولها إلى الأسواق.
ورغم أن موسكو تفادت التعامل مع شركات التأمين الغربية عبر “أسطول الظل”، فإنها ما تزال تشتري وثائق تأمين من شركات صينية أو روسية، وقد أدت هذه الهجمات إلى ارتفاع تكلفة تلك الوثائق.
ويأتي ذلك، بينما يُباع النفط الروسي بخصم كبير مقارنة بالدرجات العالمية بسبب العقوبات الأميركية، ما يقلص عائدات الكرملين.
وبعد ساعات من الهجمات التي استهدفت ناقلتي “كايروس” و”فيرات”، ضربت مُسيرات أوكرانية طويلة المدى ميناء نوفوروسيسك نفسه، الذي يضم أيضاً قاعدة لأسطول البحر الأسود الروسي.
وذكر المسؤول الأوكراني أن قوات كييف أصابت منشآت نفطية، وأنظمة دفاع جوي روسية في المنطقة.
وألحق الهجوم ضرراً بأحد مراسي محطة “كاسبيان بايبلاين كونسورتيوم”، التي تضم بين مساهميها روسيا وكازاخستان، إلى جانب عملاقي النفط الأميركيين “شيفرون” و”إكسون موبيل”.
وارتفعت أسعار خام برنت بنحو 1%، الاثنين، عقب الهجوم، بفعل مخاوف من انخفاض الصادرات.
