أعلنت الشركة العامة لصناعة وتسويق الأسمنت ومواد البناء (عمران)، عن استكمال وضع الخارطة الاستثمارية لقطاع الأسمنت في سوريا، التي تعتمد على شراكات مع مستثمرين محليين وإقليميين.

وذكر مدير عام الشركة، محمود فضيلة، في تصريح لوكالة الأنباء السورية (سانا) اليوم، الخميس 4 من كانون الأول، أن شركة “عمران” عملت خلال الفترة الماضية على طرح كل المعامل التابعة لها للاستثمار والتشغيل.

وأضاف أنه تمت دراسة عروض عشرات الشركات المتقدمة لها من داخل وخارج سوريا ليستقر الأمر على “العطاءات” الأكثر جدوى فنيًا وماليًا مع الحفاظ على الأصول التي ستعود إلى الدولة بعد انتهاء فترات الاستثمار المحددة، ما يسهم في تعزيز الاقتصاد الوطني ورفع القدرة التنافسية للمنتج السوري

وكشف فضيلة أنه تم استثمار معمل “طرطوس” من قبل شركة إماراتية، ومعمل “الرستن” من قبل شركة محلية، إضافة إلى استثمار معمل “حماة” من قبل شركة “فيرتكس” العراقية التي ستقوم بتأهيل خط الإنتاج الثالث ليصل إنتاجه إلى عشرة آلاف طن يوميًا خلال خمس سنوات، في حين ما زال معملا “المسلمية” المدمر بحلب و”عدرا” بريف دمشق مطروحين للاستثمار.

وتشهد صناعة الأسمنت في سوريا حراكًا استثماريًا ملحوظًا خلال الأشهر الأخيرة، مع دخول شركات عربية وخليجية على خط تأهيل وتطوير معامل الأسمنت الحكومية والخاصة، وتأهيل الكوادر، في وقت تتزايد فيه الحاجة إلى هذه المادة الأساسية لمرحلة إعادة الإعمار وترميم البنى التحتية والمنازل.

ويأتي طرح معامل الأسمنت للاستثمار ضمن خطة لتعزيز البنية التحتية الصناعية، ورفع كفاءة الإنتاج وتأهيل الكوادر، ونوه فضيلة إلى أهمية تحقيق توازن بين الجدوى الاقتصادية ومتطلبات حماية البيئة، ولا سيما في المناطق التي شهدت سابقًا ارتفاعًا في نسب التلوث.

توفر الخامات والطلب يشجع الاستثمارات العربية في قطاع الأسمنت

تحديات قطاع الأسمنت

تعد صناعة الأسمنت تعد من الصناعات الأساسية في مرحلة إعادة الإعمار في سوريا، خاصة مع الدمار الكبير الذي أصاب البنية التحتية وقطاع البناء، بحسب ما قاله الخبير الاقتصادي الدكتور فادي عياش، في وقت سابق ل.

وواجهت صناعة الأسمنت العديد من المشكلات والعقبات، أهمها ارتفاع تكلفة الوقود التي شكلت نحو 65% من التكاليف الإجمالية، وارتفاع تكاليف الصيانة وصعوبة تأمين قطع التبديل، إضافة إلى معوقات تتعلق بتسويق وتوزيع المادة، وتضارب القرارات المتعلقة بالمخططات التنظيمية وضوابط البناء وتعليماته التي كانت تؤثر على حجم الطلب، بالإضافة إلى مشكلة التلوث والأثر البيئي لهذه الصناعة.

وأضاف عياش أن صناعة الأسمنت في سوريا تتمتع بالعديد من المزايا التنافسية، أهمها توفر المواد الأولية، فوفقًا لبيانات مؤسسة الأسمنت والعمران، توجد في سوريا خامات الأسمنت الرئيسة (الحجر الكلسي، البازلت، اللاتيريت) في مواقع متجاورة ضمن مناطق عديدة، وتكفي احتياطيات هذه الخامات في المواقع المدروسة لصناعة الأسمنت بطاقة خمسة ملايين طن سنويًا، لمدة 75 عامًا.

من جانبه بين مدير مؤسسة الإسمنت، لوكالة “سانا”، أن أن قطاع الإسمنت يواجه حاليًا تحديات تتعلق بتأمين مادة الفيول اللازمة لتشغيل الأفران، ما دفع المستثمرين إلى إنشاء مجموعات تشغيل تعتمد على الفحم خلال مدة انتقالية تقدر بعام واحد، يتم خلالها استيراد مادة “الكلينكر” من عدة دول مثل السعودية وتركيا والعراق، لضمان توفير الإسمنت في السوق المحلية وفق المواصفة القياسية السورية.

خطوة إيجابية لسد الفجوة

يرى الخبير الاقتصادي، الدكتور مجدي الجاموس، وفق ما ذكره ل، أن توجه أن الحكومة الانتقالية في سوريا اليوم نحو استقطاب بعض الدول العربية والإقليمية، يأتي في إطار تفاهمات سياسية، ما يجعل بعض المعامل ذات الأهمية الاقتصادية تُطرح كجوائز ترضية لهذه التفاهمات.

وأشار إلى أن الحكومة تسعى نحو تكوين اقتصاد استثماري وبيئة جاذبة لرؤوس الأموال الخارجية، بمعزل عن الواقع المتردي للبنية التحتية، أكثر من اعتمادها على الإنتاج المحلي أو ترميم المؤسسات القائمة.

ويعتبر الجاموس أن طرح معامل الأسمنت للاستثمار خطوة إيجابية، حتى لو كانت على حساب القطاع العام المحلي، بالنظر إلى الحاجة الكبيرة لهذه المادة في مرحلة إعادة الإعمار أو ترميم المنازل، إذ يقدّر الطلب على الأسمنت في السوق السورية من 10 إلى 15 مليون طن سنويًا، ولا يغطي الإنتاج المحلي مع المستورد سوى أقل من 50% من هذه الحاجة.

وتتطلب الفجوة الكبيرة تشغيل عدد أكبر من المعامل، وإعادة استثمار المعامل القائمة رغم ضعف بنيتها التحتية ونقص مصادر الطاقة مثل الكهرباء، بما يسمح بخلق منتج تنافسي في مواجهة الأسمنت المستورد منخفض السعر.

وأكد الجاموس أهمية أن تتضمن الاتفاقيات الاستثمارية مع الشركات العربية والأجنبية الحفاظ على الخبرات السورية وإعادة تأهيلها، ودمجها مع الخبرات الأجنبية، لتكون جزءًا فاعلًا في المرحلة المقبلة، والحفاظ على إنتاجية ما تبقى من معامل أسمنت تتبع للقطاع العام الحكومي.

أسعار الأسمنت تتراجع رغم ارتفاع الطلب

تأثير الاستثمارات على السعر

رغم العلاقة الطردية بين ارتفاع الطلب والسعر، بحسب القوانين الاقتصادية، يعتقد الخبير الاقتصادي مجدي الجاموس، أن ارتفاع الطلب على مادة الأسمنت في سوريا، لن يؤثر بشكل كبير على ارتفاع سعره في السوق.

ويرجع ذلك إلى عوامل عديدة، أهمها أن الطلب المتزايد قادر على استيعاب أي تغيرات سعرية، حتى في حال حدوث ارتفاع في الأسعار (وهو أمر غير مرجح برأيه)، ووجود استيراد من دول مجاورة يفرض سقفًا معينًا للأسعار على المستثمر الالتزام بها.

كما أن دخول بعض المعامل إلى الاستثمار سيخلق حالة تنافسية جديدة، ما يساعد على ضبط الأسعار أو حتى خفضها.

ويُعزز ذلك الإجراءات الحكومية المصاحبة، مثل الضوابط الأمنية وخفض أو إلغاء الضرائب على الأسمنت، مما يقلل التكلفة الإجمالية ويجعل السعر أكثر تنافسية. وأي ارتفاع للأسعار، سيكون ضمن حدود معقولة ومتوازنة مع زيادة الطلب على المنتج، وفق الجاموس.

رغم التحديات الكبيرة التي تواجه قطاع الأسمنت في سوريا، من ضعف البنية التحتية إلى نقص مصادر الطاقة وارتفاع تكاليف التشغيل، فإن المرحلة المقبلة قد تكون أكثر استقرارًا وكفاءة، من خلال الاعتماد على شراكات استراتيجية واستثمارات مدروسة، مع التركيز على الكوادر المحلية كركيزة أساسية لاستدامة القطاع ودوره الحيوي في مرحلة إعادة الإعمار وترميم البنية التحتية.

المصدر: عنب بلدي

شاركها.