قال تقرير مشترك أصدرته 12 منظمة حقوقية إسرائيلية إن العامين الماضيين كانا “الأكثر دموية وتدميراً” للفلسطينيين في قطاع غزة، والضفة الغربية، والقدس الشرقية منذ عام 1967، وفق ما نقلته صحيفة “هآرتس”. 

وأشار إلى ارتفاع عدد الضحايا، والنزوح الجماعي، وتوسع الاستيطان، وسياسات عسكرية قاسية، وقال التقرير إن الحكومة الإسرائيلية حوّلت ما كان يُعد سابقاً “ممارسات متطرفة إلى ممارسات تشغيلية ومعايير معتمدة في السياسات”.

وذكرت الصحيفة أن التقرير، الذي أعدّته منظمات حقوقية تُعرف باسم The Platform (المنصة)، خلص إلى أن التدهور الأكثر حدة وقع في عام 2025، حيث سُجّل ارتفاع حاد في عدد الضحايا الفلسطينيين، بما في ذلك الوفيات الناتجة عن التجويع، إلى جانب اتساع سياسات التهجير، وتطبيع انتهاكات حقوق الإنسان التي كانت تُعد استثنائية في بدايات الحرب.

وبحسب التقرير المكتوب بالعبرية، فإن الأذى اللاحق بالفلسطينيين نجم عن تغيّر طبيعة العمليات العسكرية في غزة من جهة، ومن جهة أخرى عن الطريقة التي مارست بها الحكومة الإسرائيلية سيطرتها على القطاع. 

وتابع التقرير موضحاً أن ذلك ترافق مع تفكك منظومة القيادة والانضباط العسكري، وتصاعد “خطاب حكومي متطرف”، وازدياد القسوة في التعامل مع الفلسطينيين في غزة والضفة، بالإضافة إلى إجراءات حكومية تستهدف إضعاف الهيئات القانونية والرقابية. 

90% من سكان غزة نازحون

وذكرت الصحيفة أن التقرير وثّق قتل 67 ألف فلسطيني حتى أكتوبر 2025، بينهم نحو 20 ألف طفل، و10 آلاف امرأة، إضافة إلى 10 آلاف شخص ما زالوا تحت الأنقاض. كما ارتفع عدد الجرحى بشكل كبير من أقل من 100 ألف في 2024 إلى 170 ألفاً في 2025. 

وأضاف التقرير أن عدد النازحين في غزة بلغ 1.9 مليون شخص، أي نحو 90% من سكان القطاع، في ظل انهيار البنى التحتية الحيوية من مياه وكهرباء وصحة وزراعة. 

وبحسب بيانات وزارة الصحة الفلسطينية في غزة، أشار التقرير إلى أنه بين أغسطس 2024، حين أعلنت الأمم المتحدة أعلى مستوى من المجاعة، وحتى أكتوبر 2025، قتل 461 فلسطينياً بسبب التجويع، بينهم 157 طفلاً. كما لفت إلى أن 13 ألف طفل كانوا يعانون من “سوء تغذية حاد” حتى يوليو الماضي. 

وفي حين لم تُسجل أي وفيات خلال توزيع الغذاء في عام 2024، ذكر التقرير أن 2306 فلسطينيين لقوا حتفهم و16 ألفاً و929 جُرحوا قرب مراكز التوزيع في عام 2025.

وشددت المنظمات على أن محاولة الحصول على الغذاء أصبحت “جهداً يهدد الحياة”، وسط فوضى ميدانية وإطلاق نار حي من قوات الجيش الإسرائيلي وعناصر الأمن التابعة لـ”مؤسسة غزة الإنسانية”، في مشاهد وصفها عاملون إغاثيون في تقارير سابقة لـ”هآرتس” بـ”أولمبياد غزة”. 

وأضافت “المنصة” أنها جمعت عشرات الشهادات التي توثّق الاستخدام الممنهج للفلسطينيين كدروع بشرية، بما في ذلك الأطفال وكبار السن، إذ أُجبروا على المشاركة في مهام خطرة داخل المباني والأنفاق للكشف عن وجود متفجرات قبل دخول الجنود.

وذكرت الشهادات أن المحتجزين كانوا يُقيدون ويُعصبون، وأحياناً يُلبَّسون زي الجيش الإسرائيلي، ويتعرضون للضرب والإذلال.

سياسات مؤيدة للاستيطان

وأكدت المنظمات الحقوقية أن إسرائيل غيّرت سياستها في الضفة الغربية، خلال الحرب، باتجاه تعزيز الضم وتوسيع السيطرة على المناطق الفلسطينية “أ” و”ب”.

وكشفت منظمة Peace Now عن ارتفاع حاد في عدد البؤر الاستيطانية، التي أُقيم بعضها بموافقة الحكومة الإسرائيلية، إذ أُقيمت 32 بؤرة في 2023، و61 بؤرة في 2024، ثم 68 بؤرة إضافية بحلول سبتمبر 2025. 

وذكر التقرير أن وزير المالية الإسرائيلي، بتسلئيل سموتريتش، وجّه في عام 2024 بتقديم خدمات مدنية لـ68 بؤرة استيطانية، بعضها لم يكن له أي فرصة للتقنين. وفي وقت سابق من العام نفسه، مُنحت تصاريح لبناء 1165 وحدة سكنية استيطانية، مقابل ثلاثة تصاريح فقط للفلسطينيين من بين أكثر من ألف طلب. 

وأشار التقرير إلى أن المجلس الوزاري الأمني الإسرائيلي سمح، في مايو الماضي، بتسجيل الأراضي في الضفة الغربية لأول مرة منذ عام 1968. وبالإضافة إلى 5 آلاف و994 فداناً أُعلنت كأراضي “تابعة” في 2024، وتسمح هذه السياسة غير المسبوقة بتحويل مساحات واسعة من الأراضي غير المسجلة إلى أراضي دولة تُخصص لاحقاً لمستوطنات لليهود فقط. 

وخلال العامين الماضيين، بحسب التقرير، خصصت إسرائيل مناطق خاضعة للسيطرة الفلسطينية كمواقع أثرية إسرائيلية، بهدف نزع ملكية الفلسطينيين. ففي عام 2025، أصدرت السلطات 60 إعلاناً عن مواقع أثرية جديدة، معظمها قرب نابلس، وشمل ذلك منطقة سبسطية، بمساحة 450 فداناً من أراضٍ خاصة في شمال الضفة، في أكبر عملية مصادرة أثرية في الضفة منذ عام 1967.

“أداة للسيطرة”

وأوضحت الصحيفة أن النهج نفسه يتوسع في القدس الشرقية، حيث يُستخدم تسريع تسجيل الأراضي كأداة للسيطرة، إلى جانب إقامة الحواجز، والخدمات البلدية غير الكافية، وارتفاع معدلات التسرب المدرسي، والتوسع الاستيطاني غير المسبوق. 

وفي أغسطس 2025، وافق “الكنيست” على بناء مشاريع إسكان إسرائيلية في منطقة E1 للمرة الأولى، وهو ما يهدف، وفق التقرير، إلى فصل شمال الضفة الغربية عن جنوبها، مما يقوّض حل الدولتين. وفي مارس، أُقر شق طريق منفصل للفلسطينيين جنوب E1 لتمكين خطط البناء والضم المستقبلي لمستوطنة معاليه أدوميم. 

وعلى الصعيد العسكري، تسببت عمليات الجيش الإسرائيلي المكثفة في شمال الضفة، ضمن عملية “الجدار الحديدي”، في دمار واسع وتهجير عشرات الآلاف من منازلهم في جنين وطولكرم ونور شمس. 

وأشار التقرير إلى أن ممارسات الجيش الإسرائيلي في غزة امتدت إلى الضفة الغربية، بما في ذلك توسيع قواعد إطلاق النار، مما تسبب في ارتفاع أعداد الضحايا المدنيين. 

وبحسب بيانات الأمم المتحدة، لقي 1001 فلسطيني حتفهم في الضفة والقدس الشرقية منذ 7 أكتوبر 2023، بينهم 210 أطفال و20 امرأة و7 من ذوي الإعاقة، وهي أرقام أعلى بكثير مقارنة بالسنوات السابقة.

وأضاف التقرير أن 70% من قضايا الأذى الذي ألحقه جنود إسرائيليون بفلسطينيين أو ممتلكاتهم لم تُفتح فيها أي تحقيقات جنائية، ومن بين التحقيقات القليلة التي فُتحت، انتهت 5% فقط بمحاكمات للجنود. كما تُظهر البيانات المسجلة بين 2018 و2022 أن احتمال محاكمة جندي قتل فلسطينياً لا يتجاوز 0.4%. 

زيادة عنف المستوطنين

وذكر التقرير أن عنف المستوطنين ازداد خلال فترة الحرب، بالتوازي مع زيادة التمويل الحكومي لتوسيع المستوطنات. وبحسب بيانات الأمم المتحدة، فقد سُجل 2660 هجوماً نفذه مستوطنون بين مطلع 2024 وسبتمبر 2025، ما أسفر عن إصابات وأضرار في الممتلكات. 

وأكد التقرير أن هذا العنف يجري وسط إفلات شبه كامل من العقاب، إذ أن 94% من القضايا المسجلة بين 2005 و2024 لم تُفضِ إلى لوائح اتهام.

كما لفتت “المنصة” إلى تعبئة آلاف المستوطنين خلال الحرب لخدمة “فرق تأمين المستوطنات”، وتزويدهم بالسلاح، مؤكدة أن كثيراً من الهجمات العنيفة ضد الفلسطينيين شارك فيها مستوطنون مسلحون يرتدون الزي العسكري الإسرائيلي.

وأوضح التقرير أن السياسات الإسرائيلية ساهمت في خلق أزمة اقتصادية خطيرة في الضفة، إذ مُنع عشرات الآلاف من المزارعين من الوصول إلى أراضيهم، وخسر أكثر من 100 ألف فلسطيني وظائفهم، بسبب القيود المفروضة على الدخول إلى إسرائيل. كما أدى انتشار الحواجز وتقييد الحركة إلى تعميق الأزمة الاقتصادية التي تطال مئات آلاف الفلسطينيين وتهدد استقرار المجتمع ككل. 

وذكر التقرير أن الأسرى الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية يُحتجزون في ظروف “غير إنسانية”، دون شفافية أو احترام للقوانين الإسرائيلية والدولية. وأوضح أن 98 أسيراً على الأقل توفوا خلال الحرب، وتعود العديد من هذه الوفيات إلى الحرمان من تلقي العلاج أو سوء المعاملة أو انتهاكات خطيرة أخرى. كما ارتفع عدد المعتقلين إدارياً إلى 3 آلاف و577 أسيراً، أي أكثر بثلاث مرات من معدل ما قبل الحرب.

وأوضحت المنظمات أن الاعتقال الإداري يقوم على “الاحتجاز الوقائي”، حيث يُعتقل الفرد دون محاكمة ودون الكشف عن الأدلة أو المعلومات الاستخباراتية التي تستند إليها أوامر الاعتقال، ولا يطّلع محاميه إلا على “ملخص موجز” للاشتباه ضد موكله. 

وأشارت المنظمات الحقوقية إلى تقارير تدقيق صادرة عن “هيئة الدفاع العام” بشأن مرافق الاحتجاز، والتي خضعت للرقابة خلال الحرب بدعوى أن نشرها “قد يعرّض الرهائن الإسرائيليين في غزة للخطر”. 

شاركها.