– موفق الخوجة

لم ينم السوريون ليلة 8 من كانون الأول 2024، إذ كانوا على موعد تاريخي، مع بزوغ فجر جديد، وواقع سياسي مختلف، يعلن انتهاء خمسة عقود لنظام حكم سوريا بالقمع والشمولية والدكتاتورية، لتبدأ بعد ذلك صفحة جديدة لم تخلُ من اضطرابات وأزمات أمنية وعسكرية، بفعل السقوط المفاجئ، وانهيار المنظومة الأمنية، يضاف إليها عقود من هشاشة المجتمعات، وبذور الطائفية التي طفت على السطح، خلال عام من سقوط النظام.

ما بعد 8 من كانون الأول 2024 ليس كما قبله، فأزيز الرصاص خفت في الجبهات، وتحولت فوهات البنادق لتزغرد في الساحات العامة، ابتهاجًا بسقوط النظام، وبدا الوضع العسكري هادئًا في الأيام الأولى، حتى في معاقل ضباط الجيش (المنحل) باستثناء بعض الحالات المحدودة، مع ما يطلق عليهم اسم “الفلول” في عدة مناطق سورية، من ضمنها العاصمة دمشق.

وسبق هذا التاريخ، 11 يومًا من عملية عسكرية ديناميكية، افتتحت في 27 من تشرين الثاني 2024، بشمال غربي سوريا، تحت مسمى أوحى بأن الهدف استعادة بعض المناطق التي سيطر عليها النظام خلال عامي 2018 و2020، أو كان ما يُعرف بمناطق “خفض التصعيد”، إلا أن الهدف كان أبعد من ذلك.

فجر الأربعاء 27 من تشرين الثاني 2024، ظهر المقدم (عقيد حاليًا) حسن عبد الغني، في تسجيل للإعلان عن معركة “ردع العدوان” لتصبح كلماته أيقونة المرحلة في سوريا، وتطلق الرصاصات الأولى بعدها، في ريف حلب الغربي، وكانت الرصاصة الأخيرة في دمشق، بعد المرور بحلب وحماة وحمص، والمدن والبلدات التي كانت على طريق “إدارة العمليات العسكرية” نحو قصر “الشعب”.

الجنوب السوري

لم تشهد محافظات السويداء ودرعا والقنيطرة في جنوبي سوريا الاشتباكات والمقاومة المتوقعة، وخرجت من سلطة النظام سريعًا، بفعل ظهور تشكيلات عسكرية، نشأت حينها، وبعضها نسق مع “إدارة العمليات العسكرية”، وكانت من أول الواصلين إلى العاصمة، إلى جانب مقاتلين من “غرفة فتح دمشق” التي تشكلت حينها أيضًا.

درعا كانت أولى المناطق التي أخرجت النظام في المنطقة الجنوبية، ثم لحقتها السويداء، حيث تنشط فصائل بعضها يوالي الثورة السورية، والآخر شُكّل على أساس طائفي، إلا أنها لم تكن على وفاق مع النظام.

وشهدت القنيطرة، من جانبها، انسحابات متوالية، قبل سقوط النظام، دون أي مقاومة، بما فيها جبهات المواجهة أمام إسرائيل التي لا تزال تتوغل داخل الأراضي السورية.

وبعد سقوط النظام، سيطر “اللواء الثامن” على المشهد الأمني في محافظة درعا، ما أخر دخول الجهات الحكومية إلى المحافظة، وتسلم زمام الأمن هناك.

وانضم عناصر “اللواء الثامن” بشكل تدريجي إلى صفوف وزارتي الداخلية والدفاع، ليعلن عن حل نفسه في 13 من نيسان الماضي، وتسليم مقدراته إلى الحكومة السورية، بعد توترات محدودة في مدينة بصرى الشام، معقل “اللواء”، مع وزارة الدفاع.

“اللواء الثامن”، هو تشكيل عسكري أنشأته روسيا مما يُعرف بـ”عناصر التسويات”، وكان بقيادة أحمد العودة، الذي غاب عن المشهد السوري بعد حل “اللواء”.

من جانب آخر، شهدت المحافظة مواجهات مع عناصر محسن الهيمد، الذي كان مرتبطًا مع النظام السوري، في بداية آذار الماضي، والذي أُنهي وجوده بالمنطقة أيضًا.

السويداء.. بدءًا من ريف دمشق

لم تدخل “إدارة العمليات العسكرية” إلى مدينة السويداء منذ سقوط النظام، بالرغم من تنسيقها مع بعض الفصائل، وحاول رتل من “الإدارة” الدخول مطلع كانون الثاني الماضي، إلا أن فصائل محلية منعت دخوله بذريعة عدم التنسيق وتوقيت دخوله (ليلًا).

منع دخول الرتل أشار إلى أن العلاقة بين أطراف عديدة في السويداء والحكومة في دمشق كانت متوترة منذ بداية دخول “إدارة العمليات العسكرية” إلى العاصمة، وتسلم الحكم.

وغذّت هذا التباعد أحداث كان لها بعد طائفي، بدأت في آذار الماضي، مع الاشتباكات التي شهدتها مدن الساحل السوري، وتعمقت مع توترات في مدن وبلدات صحنايا وأشرفية صحنايا وجرمانا، الواقعة في ريف دمشق، والتي تسكنها أغلبية درزية.

الاشتباكات التي بدأت في مطلع آذار الماضي مع فصائل محلية، بقيت في المناطق ذات الأغلبية الدرزية، أبرزها جرمانا، والتي رفضت الدخول تحت عباءة الحكومة بوزارتيها، الداخلية والدفاع.

وتطورت هذه التوترات، في أواخر نيسان الماضي، على خلفية تسجيل صوتي منسوب إلى أحد مشايخ العقل الدروز، وهو ما نفته الحكومة، إلا أن نفيها لم يطفئ النار الطائفية التي اشتعلت بين فصائل موالية للحكومة وفصائل محلية.

وبعد مساعٍ من جهات حكومية، وشخصيات درزية، توصل الطرفان إلى اتفاق يقضي بضم العناصر إلى وزارة الداخلية، والانضمام إلى جهاز الأمن العام، بعد انتشار الحكومة في بلدات ومدن جرمانا وصحنايا وأشرفية صحنايا.

القطيعة

في 13 من تموز الماضي، جاء التدخل الحكومي بمثابة الشعرة التي قصمت ظهر العلاقة بين الفصائل والجهات الفاعلة على الميدان في محافظة السويداء من جانب، والحكومة السورية من جانب آخر، بعد أن نشبت اشتباكات بين عشائر البدو، وفصائل محلية.

الاشتباكات استدعت تدخل الحكومة السورية، بدعوى فض الاشتباكات، إلا أن انتهاكات متبادلة وفزعات عشائرية دفعت فصائل بعضها كان على وفاق مع دمشق إلى إعلان الحرب، ومن ثم القطيعة النهائية.

وشكّل دخول إسرائيل إلى جانب فصائل محلية في السويداء فارقًا في المشهد، حتى الوصول إلى هدنة بين الطرفين، إلا أنها تشهد بعض الانتهاكات أحيانًا.

بالمقابل، فإن أمريكا والأردن لعبتا دورًا وسيطًا نتجت عنه خارطة طريق للحل، إلا أن الجهات التي تسيطر على السويداء رفضته.

انقلاب الساحل

لم تشهد مدن الساحل السوري أي مقاومة تُذكر، بل استسلمت للأمر الواقع مذعنة لسقوط النظام وهروب رئيسه إلى موسكو، وبقي الأمر على هذا النحو حتى أحداث شهر آذار، الذي كان فاصلًا في المنطقة.

وفي 6 من آذار الماضي، بدأت تحركات من ضباط وعناصر من الجيش السابق، وصفها البعض بـ”الانقلاب” واستطاعت السيطرة على أجزاء واسعة من مدن وبلدات في الساحل السوري، خلال ساعات قليلة.

ومع دخول فجر 7 من آذار الماضي، استعادت الحكومة معظم المناطق، إلا أن السيطرة السريعة لـ”فلول” النظام، استدعت أرتالًا من مدنيين وفصائل “غير منضبطة”، بحسب توصيفات أممية، ما أدى إلى وقوع قتلى وجرحى على أساس طائفي.

ووفق تقديرات أممية وحقوقية، وصل عدد قتلى أحداث الساحل إلى نحو 1500 قتيل، ما بين مدنيين من الطائفة العلوية، وعناصر من الأمن العام، إضافة إلى مدنيين قتلهم عناصر من النظام السابق، في حين جاءت نتائج اللجنة التي عينتها الحكومة للتحقيق في الأحداث مقاربة.

وهدأت الأحداث بشكل ملحوظ منذ ذلك الحين، باستثناء عمليات استهداف محدودة لعناصر من جهاز الأمن العام، خاصة في مدينتي اللاذقية وطرطوس.

“قسد” ما زالت في الشرق

في الشرق، ما زالت تسيطر “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد) على نحو ثلث سوريا، إذ تقع مدينتا الرقة والحسكة تحت سيطرتها، باستثناء مناطق قليلة، بالإضافة إلى أجزاء من ريف حلب الشرقي، والقسم الغربي من نهر الفرات في محافظة دير الزور.

وتأخر دخول “إدارة العمليات العسكرية” إلى محافظة دير الزور حتى 11 من كانون الأول 2024، بعد أن انسحبت “قسد” إلى غربي النهر.

وكانت “قسد” انسحبت من مناطق قد سيطرت عليها في أرياف حلب، بعد أن أطلقت فصائل ضمن “الجيش الوطني السوري” الذي دعمته تركيا، عملية “فجر الحرية”، في 30 من تشرين الثاني 2024.

وفي 10 من آذار الماضي، وقع الرئيس السوري في المرحلة الانتقالية، أحمد الشرع، اتفاقية مع قائد “قسد” تقضي بدمج مؤسسات الأخيرة، العسكرية والمدنية، ضمن الدولة السورية.

ومنذ ذلك الحين، تسير المفاوضات بخط متعرج، تعترضه اشتباكات متبادلة بشكل محدود، في حين لا تلوح بالأفق أي مؤشرات إلى حل قريب، بالرغم من أن الاتفاقية قضت بتنفيذها حتى نهاية شهر كانون الأول الحالي.

المصدر: عنب بلدي

شاركها.