– عمر علاء الدين
“نحن مثل اللاقط الهوائي، أين إشارة المصلحة السورية سنحوّل عليها”، بهذه الكلمات وصف وزير الخارجية السوري، أسعد الشيباني، السياسة الخارجية السورية.
التوجه السياسي لسوريا الجديدة شهد تحولًا وصفه خبراء بـ”الجذري” نقل سوريا من “محور المقاومة” وقبله المعسكر الشرقي، إلى سياسة لا محاور فيها، تقوم على مصلحة سوريا والسوريين، كما يقول الرئيس السوري في المرحلة الانتقالية، أحمد الشرع، ووزير خارجيته الشيباني.
كما يمكن اعتبار ما حققته سوريا في السياسة الخارجية نجاحًا أكبر من المتوقع، إذ تمكنت من فكّ العزلة، بل واستطاع الشرع أن يفتح علاقة فيها علامات “حب وقرب” مع الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، بحسب وصف الصحافة الإسرائيلية.
وبعد عام من سقوط الأسد، تشكلت ملامح السياسة الخارجية السورية، عبر سلسلة من اللقاءات والزيارات والجولات في الإقليم والعالم، يبدو من خلالها أن التوجه السوري ذاهب إلى الحلف الخليجي- الأوروبي- الأمريكي مع إبقاء على خطوط التواصل مفتوحة مع روسيا والصين.
تستعرض في هذا التقرير أبرز المحطات التي شهدتها السياسة الخارجية السورية منذ 8 من كانون الأول 2024 حتى كانون الأول 2025، وكيف يمكن استثمار الزخم الذي حققته.
انفتاح على العرب والغرب.. وعود بعدم تصدير الثورة
في الأيام التي أعقبت سقوط الأسد، وجه الرئيس السوري في المرحلة الانتقالية، أحمد الشرع، عدة رسائل سياسية إلى العالم والمحيط العربي والإقليمي، تعلقت بملفات شتى كالأسلحة الكيماوية والعقوبات الاقتصادية على سوريا، والمقاتلين الأجانب، لكن ما برز منها في تلك المرحلة كانت رسائل طمأنة للعرب، أن “الثورة انتهت”.
وفي أول لقاء للشرع مع صحيفة عربية كانت مع “الشرق الأوسط” السعودية، ركز فيها على نقاط أساسية هي عدم تصدير الثورة للدول العربية الأخرى، وأن سوريا “لن تكون منصة لمهاجمة أو إثارة قلق أي دولة عربية أو خليجية مهما كان”، وفق تعبير الشرع.
الشرع خرج في أول لقاء تلفزيوني مع قناة سعودية أيضًا، إذ قال لقناة “العربية”، إن “تحرير سوريا يضمن أمن المنطقة والخليج لـ50 سنة مقبلة”، مشيرًا إلى أن للسعودية دورًا كبيرًا في مستقبل سوريا”.
الإدارة الجديدة في دمشق لم تتوقف عند مسألة استقبال الوفود العربية عقب سقوط نظام الأسد بأيام، بل أرسلت أول وفد لها إلى السعودية، في كانون الثاني الماضي، ضم وزير الخارجية أسعد الشيباني، ووزير الدفاع، مرهف أبو قصرة، ورئيس جهاز الاستخبارات السابق، أنس خطاب (أصبح لاحقًا وزيرًا للداخلية).
ولي العهد السعودي محمد بن سلمان خلال استقبال الرئيس السوري للمرحلة الانتقالية أحمد الشرع في العاصمة السعودية – 2 شباط 2025 (الإخبارية السعودية)
انفتاح على الغرب
تزامنًا مع الانفتاح على العرب، كانت هناك رسائل موجهة للولايات المتحدة وأوروبا، حيث زارت وفود أمريكية وأوربية دمشق لأول مرة منذ 12 عامًا.
البداية كانت من وفد أمريكي زار دمشق والتقى الشرع، في 20 من كانون الأول 2024، ضم مساعدة وزير الخارجية الأمريكي، باربرا ليف، وسفير الولايات المتحدة، روجر كارستينز، والسفير دانيال روبنشتاين.
في 3 من كانون الثاني الماضي، أجرى كل من وزيرة الخارجية الألمانية السابقة، أنالينا بيربوك، ووزير الخارجية الفرنسي، جان نويل بارو، زيارتهما الأولى إلى دمشق والتقيا الشرع.
جولة عربية- أوروبية
بعد ثلاثة أيام من إعلان “القيادة العامة” في سوريا تولي أحمد الشرع رئاسة سوريا، توجه الرئيس الشرع إلى المملكة العربية السعودية، في أول زيارة رسمية خارجية له، في 2 من شباط الماضي، حيث التقى ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان.
وكانت هذه الزيارة، بحسب ما قاله الشرع نفسه لاحقًا، هي “مفتاح سوريا إلى العالم”.
وفي اليوم التالي، توجه الشرع إلى أنقرة للقاء الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان.
تركيا هي أحد حلفاء سوريا، حيث عبر المسؤولون الأتراك مرارًا عن دعمهم لسوريا الجديدة، وطالبوا برفع العقوبات عنها.
أما زيارته الثالثة فكانت إلى الأردن، حيث التقى الملك الأردني، عبد الله الثاني، لتتبعها لاحقًا الإمارات وقطر.
في الجامعة العربية
في 4 من آذار الماضي، كان الشرع على موعد مع أول مشاركة له في اجتماعات الجامعة العربية، التي عقدت حينها قمة طارئة من أجل غزة، في العاصمة المصرية القاهرة.
واجتمع الرئيس السوري بكل الرؤساء الذين لم يلتقِهم من قبل، حيث أجرى اجتماعات ولقاءات مع مسؤولين عرب وأجانب، منهم رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني، ورئيس السلطة الفلسطينية، والرئيس اللبناني، والرئيس المصري.
كما أجرى لقاءه الأول مع الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، بحضور وزير الخارجية السوري، أسعد الشيباني، الذي رافق الشرع خلال هذه المشاركة.
وقال الشرع معلقًا على الزيارة حينها، إن “سوريا في مكانها الطبيعي وهي بين إخوانها، وهي جزء من الحضن العربي، ولا أقول عادت إلى الحضن العربي”.

الرئيس السوري للمرحلة الانتقالية أحمد الشرع يلتقي السيسي على هامش قمة فلسطين في القاهرة-
5 آذار 2025 (رئاسة الجمهورية العربية السورية)
شهر التحولات.. ماكرون ثم ترامب
بعد اللقاءات مع الدول العربية، كانت فرنسا أول وجهة أوروبية للرئيس السوري، أحمد الشرع، حيث التقى، في 7 من أيار الماضي، الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون.
واعتبر خبراء ومحللون التقتهم، أن فرنسا قد تكون بوابة الانفتاح الأوروبي على دمشق، كما أعلن الشرع في مؤتمره الصحفي مع ماكرون لأول مرة عن وجود مفاوضات غير مباشرة بين سوريا وإسرائيل تهدف إلى العودة إلى اتفاق 1974.
أيار ذاته كان شهر التحولات الأبرز على مستوى السياسة الخارجية السورية، إذ شهدت العاصمة السعودية الرياض لقاء تاريخيًا، جمع الرئيس السوري، أحمد الشرع، بالرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، في 14 من أيار، حيث يعتبر هذا اللقاء الأول من نوعه على مستوى الرئاسة منذ 25 عامًا.
وأعقب هذا اللقاء عدة نتائج من أبرزها إعلان ترامب رفع العقوبات الأمريكية على سوريا.
مفاوضات مع إسرائيل.. شد وجذب
نأت سوريا بنفسها عما سمي حرب الـ12 يومًا بين إسرائيل وإيران، التي اندلعت في 13 من حزيران الماضي، حيث بقيت دمشق صامتة إزاء هذا التصعيد، رغم مرور الصواريخ الإسرائيلية من فوق أجوائها.
وفي منتصف حزيران، أبدت إسرائيل رغبتها بالتفاوض مع الحكومة السورية، بوساطة أمريكية، للتوصل إلى اتفاقية أمنية مُحدّثة، والعمل على اتفاق سلام شامل، بناء على الزخم الذي أحدثه لقاء الشرع- ترامب في الرياض، وفق ما قاله رئيس الوزراء الإٍسرائيلي، بنيامين نتنياهو.
في 12 من تموز الماضي، نقلت وكالة الأنباء الفرنسية عن مصدر فرنسي لم تسمِّه أن لقاء مباشرًا عُقد في العاصمة الأذربيجانية باكو بين مسؤول سوري وآخر إسرائيلي، وذلك على هامش زيارة أجراها الرئيس السوري، أحمد الشرع، إلى أذربيجان، ومع اندلاع أحداث السويداء، في 14 من تموز، وتدخل إسرائيل عسكريًا، سعت واشنطن إلى احتواء الموقف، وجرى توقيع اتفاق وقف إطلاق نار بين سوريا وإسرائيل برعاية أمريكية.
ما جرى في السويداء لم يوقف مسار التفاوض بين سوريا وإسرائيل، بل استمر في جولات امتدت من باريس إلى لندن برعاية المبعوث الأمريكي، توم براك، لكنها تعثرت بسبب تمسك إسرائيل بالممر الإنساني إلى السويداء، وفق ما نقلته وكالة “رويترز” عن أربعة مصادر، في 26 من أيلول الماضي.

الرئيس السوري في المرحلة الانتقالية أحمد الشرع يصافح الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في اجتماع على هامش قمة مؤتمر المناخ في البرازيل – 7 تشرين الثاني 2025 (رئاسة الجمهورية العربية السورية/ إكس)
الأمم المتحدة تفتح الباب إلى نيويورك
كانت المحطة السورية التالية هي إلى اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة، بدورتها الـ80 في نيويورك، حيث ألقى الرئيس السوري، أحمد الشرع، خطابه الأول في الجمعية، بعد انقطاع رسمي سوري منذ 1967، والتقى خلال الزيارة الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، للمرة الثانية، ووزير الخارجية الأمريكي، ماركو روبيو، ومسؤولين أمريكيين، ومسؤولين ورؤساء من مختلف دول العالم.
كما شارك الشرع في قمة “كونكورديا” في نيويورك، وفعالية لمعهد “الشرق الأوسط” حيث تحدث عن السياسة الخارجية السورية ودعا مرارًا إلى رفع العقوبات.
وشهدت نيويورك كذلك توقيع بيان مشترك لاستعادة العلاقات الدبلوماسية بين سوريا وأوكرانيا خلال لقاء جمع الرئيس السوري، أحمد الشرع، ونظيره الأوكراني، فولوديمير زيلينسكي، حيث جرت مناقشة العديد من القطاعات لتطوير التعاون، والتهديدات الأمنية التي تواجه البلدين.
من الكرملين إلى البيت الأبيض
شهدت السياسة السورية زخمًا كبيرًا في شهري تشرين الأول وتشرين الثاني 2025، حيث التقى الرئيس السوري خلالهما كلًا من الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، في موسكو، والرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، في واشنطن، كما زار وزير الخارجية السوري، أسعد الشيباني، كلًا من بريطانيا والصين، في مسعى وطّد العلاقات مع الدول الخمس ذات العضوية الدائمة في مجلس الأمن، ووازن بين المحاور المتنافسة.
في منتصف تشرين الأول، حط الشرع رحاله في موسكو، وصافح بوتين عدو الأمس وحليف الأسد السابق، حملت الزيارة الكثير من الملفات والدلالات، وواجهت انتقادات قابلتها الإشادات، لكنها شكّلت لحظة مفصلية في علاقة الدولتين.
وأثيرت العديد من القضايا بين البلدين، بداية من تسليم الرئيس المخلوع إلى القضاء، سواء المحلي أو الدولي، مرورًا بالقواعد الروسية في سوريا، وعلى رأسها قاعدتا “حميميم” الجوية في اللاذقية، ومرفأ “طرطوس”، إلى جانب قضايا أمنية واقتصادية وعسكرية وإقليمية.
وكان الشرع أيضًا أول رئيس سوري يدخل البيت الأبيض، حيث عقد لقاء ثالثًا مع الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، وصف بـ”التاريخي”.
وترتب على اللقاء بين ترامب والشرع انضمام سوريا إلى التحالف الدولي ضد تنظيم “الدولة الإسلامية”، وبحث ملفات “قسد” والاتفاق الأمني مع إسرائيل، وضرورة رفع العقوبات عن سوريا.
الباحث في “المركز العربي للدراسات بواشنطن” رضوان زيادة، وصف زيارة الرئيس الشرع إلى واشنطن بـ”التغير الكبير” في طبيعة العلاقات السورية- الأمريكية، بعد أن كانت سوريا على لائحة الدول الداعمة للإرهاب.
وبينما يرى زيادة، في حديث إلى، أن من الضروري أن تغير سوريا تحالفاتها الاستراتيجية، لا يعتقد الصحفي السوري المقيم في الولايات المتحدة محمد عبد الرحيم، أن سوريا ستنتقل من المعسكر الشرقي إلى المعسكر الغربي، قائلًا، “نحن لسنا في زمن الحرب الباردة”.
وأضاف، “قدر سوريا أن تناور بين الكبار وألا تلتحق بأحدهم، وليس من الحكمة الالتحاق بمعسكر لم يعد موجودًا وليس لديه شيء ليقدمه”.
الباحث الروسي ديمتري بريجع، يعتقد أن روسيا تدرك جيدًا الأهمية الجيوسياسية لسوريا في الحفاظ على توازن علاقاتها في الشرق الأوسط، ولذلك فهي تنظر إلى زيارة الرئيس السوري إلى واشنطن بـ”برودة محسوبة لا تخلو من المتابعة الدقيقة”.
بريجع قال في حديث إلى، إن روسيا ترى أن انفتاح سوريا على الغرب، “لا يمكن أن يكون على حساب التحالف الاستراتيجي الذي تأسس بين البلدين منذ عقود”.
وزير الخارجية السوري، أسعد الشيباني، قال في حوار مع مجلة “المجلة”، نشر في 19 من تشرين الثاني الماضي، “نحن لا نؤمن بمصطلح المحاور (…) نحن نحب أن يكون هناك توازن قدر الإمكان لأن لدينا كارثة في سوريا”.

الرئيس السوري أحمد الشرع يلتقي نظيره الروسي فلاديمير بوتين في الكرملين – 15 تشرين الأول 2025 (رئاسة الجمهورية العربية السورية)
من لندن إلى بكين.. كل العلاقات مهمة
الشيباني طار إلى المملكة المتحدة في أول زيارة رسمية، مستهلًا زيارته بلقاء الجالية السورية في بريطانيا، بحسب ما ذكرته وزارة الخارجية.
والتقى وزير الخارجية السوري وزيرة الخارجية البريطانية، إيفيت كوبر، في العاصمة لندن، ووزير الدولة لشؤون الشرق الأوسط البريطاني، هامش فولكنر، حيث بحثت اللقاءات آفاق تطوير العلاقات السورية- البريطانية وسبل تعزيز التعاون في المجالات المختلفة بما يخدم المصالح المشتركة.
خلال حوار في معهد “تشاتام هاوس”، ذكر الشيباني أن هناك ملفات مهمة جدًا مع بريطانيا، “ونسعى للاستفادة من الفرصة التاريخية لترسيخ العلاقات، فسوريا لم تعد دولة هامشية بل مهمة لكل دول العالم”.
وعند حديثه عن زيارته إلى الصين، في حوار مع “المجلة”، قال الشيباني إن سوريا لا تزهد بأي علاقة مع أي دولة، مع أي طرف، مع أي حدث معين، مع أي فعالية يمكن أن تخدم سوريا.
الشيباني زار الصين في أول زيارة رسمية، في 17 من تشرين الثاني، واصفًا إياها بـ”الخطوة المهمة في دفع مسار الشراكة بين البلدين”، قائلًا إن المباحثات كانت بنّاءة وفتحت آفاقًا واسعة لدعم جهود إعادة الإعمار في سوريا.
وسبق الزيارة امتناع الصين عن التصويت على مشروع القرار المقدم إلى مجلس الأمن لشطب اسم الرئيس السوري في المرحلة الانتقالية، أحمد الشرع، من قوائم العقوبات، في 6 من تشرين الثاني.
ويعتقد المحلل السياسي حسام طالب أن العلاقة السورية- الصينية تُبنى من جديد، خصوصًا أن الصين تعد من حلفاء النظام السابق، وقد استخدمت “الفيتو” أكثر من مرة في مجلس الأمن لمصلحة النظام، لذلك تحتاج العلاقة بين البلدين إلى بعض الوقت.
لكن المحلل السياسي السوري لم يستبعد تطور الدور الصيني في سوريا مستقبلًا، خاصة في مجال البنية التحتية ومشاريع إعادة الإعمار.

وزير الخارجية والمغتربين أسعد حسن الشيباني يصافح نظيره الصيني وانغ يي في العاصمة الصيني بكين – 17 تشرين الثاني 2025 (وزارة الخارجية والمغتربين السورية/ إكس)
تصحيح العلاقات مع الإقليم.. لا دعم للميليشيات
طوال ستة عقود، حمّل حكم نظام الأسد (الأب والابن بين 1970 و2024) سوريا، كدولة وكشعب، أدوارًا إقليمية أو “قومية” (بمصطلحات “البعث”) أكبر بكثير من قدراتها الاقتصادية والعسكرية والبشرية، إذ اضطلعت طوال تلك الفترة بأدوار خارجية ثقيلة وصعبة ومكلفة، بدعوى الوحدة والحرية والاشتراكية ومقاومة إسرائيل ومصارعة الإمبريالية، وفق ما يرى الكاتب الفلسطيني- السوري ماجد كيالي.
سوريا الجديدة قطعت علاقتها بشكل تام مع كل المفرزات السابقة من دعم للميليشيات المرتبطة بإيران، أو الدخول فيما كان يسمى “محور المقاومة”.
وعمدت إلى عدة أمور لتصحيح علاقاتها مع الإقليم والعالم العربي، فبالنسبة للعلاقات مع لبنان و”حزب الله” اللبناني، الذي كان ذراع الأسد في لبنان ولاحقًا في حربه على الثورة السورية، قطعت دمشق عمليات تهريب السلاح إلى “حزب الله” التي كانت تتم عبر الأراضي السورية، كما أعلنت مرارًا أنها تريد علاقات دبلوماسية مع لبنان، تقوم على احترام السيادة وعدم التدخل في الشؤون الداخلية.
أما بالنسبة للفصائل الفلسطينية، وإرثها الطويل الموجود في سوريا حيث كان عددها قرابة الـ20، فيرى الباحث والمدير التنفيذي في مركز “جسور للدراسات”، وائل علوان، أنه لن يُسمح للفصائل الفلسطينية العمل في سوريا، على الصعيد الأمني والعسكري، لأن ذلك سيؤثر على علاقات سوريا الجديدة مع الأطراف الإقليمية والدولية.
واعتقلت السلطات السورية قيادات فلسطينية، من أبرزهم قياديان في حركة “الجهاد الإسلامي” الفلسطينية، كما جمدت أعمال معظم الحركات الفلسطينية باستثناء ما هو إغاثي وإنساني.
كما عملت سوريا على طرد جماعة” الحوثيين” اليمنية، من سوريا وتسليم مقر السفارة اليمنية لحكومة عدن المعترف بها دوليًا، في نيسان الماضي.
ويعتقد الدبلوماسي السوري السابق بشار الحاج علي، أن هذه الخطوة تؤكد استعداد الإدارة السورية الجديدة للانسجام مع أولويات الأمن العربي، بما في ذلك الابتعاد عن دعم الميليشيات العابرة للحدود.
وإلى المغرب العربي حيث قطعت سوريا الرسمية علاقاتها مع جبهة “البوليساريو” المدعومة من الجزائر ضد المغرب والتي تطالب باستقلال “الصحراء الغربية”.
بعد سقوط النظام في 8 من كانون الأول 2024، تبادلت دمشق والرباط الرسائل واللقاءات لتثمر المساعي الدبلوماسية بافتتاح السفارة المغربية في سوريا، في 9 من تموز الماضي، بعد إغلاق دام 13 عامًا.
وتحاول سياسة سوريا الخارجية في المنطقة العربية (التي تعاني من إرث مثقل بالنزاعات)، العمل على خفض التوتر وإرساء السلام وصولًا لأن تقود سوريا دورًا فاعلًا في ذلك المسعى، وفق ما قاله وزير الخارجية السوري، أسعد الشيباني، في مؤتمر “النصر” في كانون الماضي.
وأشار إلى أن “سوريا تولي أهمية خاصة لروابطها العربية، وتستمر في تعزيز علاقاتها مع الدول المجاورة، وتواصل مسيرتها بحزم وإصرار، وترسم صورة قوية تزداد فاعليتها في السياسة الخارجية عبر شراكات جديدة”.
ورغم المساعي المستمرة لتبريد كل الجبهات، بقيت العلاقات مع مصر والعراق متوترة لعدة عوامل مختلفة.
فالعلاقات مع مصر دخلت حالة من التردد والتأرجح تحكمها الهواجس والتخوفات، لكن إكراهات الواقع تحفظ حدًا أدنى وتمنعها من القطيعة الكاملة، دون أن تصل بها إلى ما يقتضيه الظرف من علاقات طبيعية فضلًا عن استحقاقات العلاقات المتميزة.
أما العلاقات مع العراق فتشهد في مرحلة ما بعد الأسد تداخلًا معقدًا بين إرث من المظالم وهواجس أمنية من جهة، وفرص التعاون الاقتصادي والتحديات الجيوسياسية من جهة أخرى.
تصحيح.. دبلوماسية صادقة
مما لا شك فيه أنه منذ اللحظة الأولى لتولي الإدارة الجديدة زمام الحكم في سوريا، كان العنوان الأبرز لسياسة العلاقات الدولية هو تصحيح “اعوجاجات السياسة الإقليمية السورية في عهد النظام البائد عبر نهج الانفتاح المدروس على كل الخطوط”، وفق ما قاله مدير الأبحاث والسياسات في مركز “عمران للدراسات الاستراتيجية”، معن طلاع، ل.
الشيباني رفض وصف هذا الزخم الدبلوماسي الذي جرى في عام واحد بـ”المعجزة”، مشيرًا إلى أن رؤية الدولة السورية ومستقبلها ومفاتيحها، كانت حاضرة في ذهنه قبل سقوط النظام.
هذا الوعي المبكر بأهمية بناء “مفاتيح” خارجية للمشروع السوري الجديد، هو ما سمح، وفق قوله، بألا تتحول سوريا بعد التحرير إلى جزيرة معزولة، بل إلى نموذج يسعى الآخرون إلى فهمه والتواصل معه.
وأضاف، “لا يمكن أن تتكلم عن مشروع يقود دولة ولا تكون له علاقات خارجية (…) الخارج أحيانًا لديه مسلّمات معلّبة على الفرد أن يتعامل معها. إذا كان أسيرًا لهذه المسلّمات أعتقد أنه سيفشل بشكل كبير جدًا”.
هذه “الدبلوماسية الصادقة”، كما يسميها، لم تبقَ مجرد خطاب، بل تُرجمت سريعًا في سلوك العواصم. دول كانت تنظر إلى الملف السوري من زاوية أمنية بحتة، وجدت نفسها أمام قيادة جديدة “تفي بما تعد به”، قال وزير الخارجية، “فالدول بدأت ترى أن هناك مصداقية كبيرة جدًا، فما كان يحدثنا عنه الشيباني يحصل (…) رأوا أن هناك جدية، هناك كلام رجال، هناك التزام، هناك رؤية واضحة، وهذا أعطانا أولًا ثقة بالنفس، وثانيًا أكد للطرف الآخر أننا طرف موثوق”.
كيف يمكن استثمار الزخم؟
شهدت الدبلوماسية السورية خلال عام 2025 زخمًا ملحوظًا تجلى في رفع جزء من العقوبات الأحادية والدولية وتعليق قانون “قيصر”، إضافة إلى إعادة فتح سفارات عدد من الدول العربية والأوروبية.
يستدعي هذا الزخم، وفق ما قاله الباحث في مركز “جسور للدراسات” محمد سليمان ل، استثمارًا فعليًا على مستويات عدة منها:
- المستوى الاقتصادي: ينبغي البناء على التفاهمات مع الولايات المتحدة والصين وروسيا لجذب استثمارات في قطاع الطاقة ومشاريع تسهم في إعادة الإعمار.
- المستوى الأمني: يتطلب تعزيز التحالفات مع الدول الإقليمية بهدف مكافحة الإرهاب ومنع عودة الفوضى إلى البلاد.
- المستوى السياسي: يفترض توظيف هذه المرحلة لبناء شرعية داخلية حقيقية والسعي نحو إجراء انتخابات حرة وشفافة ونزيهة بعد انتهاء المرحلة الانتقالية.
ويمكن القول، بحسب الباحث في مركز “جسور للدراسات”، إن سوريا نجحت في بناء علاقات “قوية نسبيًا” مع الولايات المتحدة وروسيا والصين وفرنسا وبريطانيا (الدول دائمة العضوية في مجلس الأمن)، وهي دول لم تكن خلال السنوات السابقة مشجعة بشكل كبير على تغيير النظام السابق، بحسب تعبيره.
مرتبط
المصدر: عنب بلدي
