محمد قدو الأفندي خاص اخبار تركيا

حسب الدستور الأمريكي يعتبر الوزراء ورؤساء الوحدات الإدارية هم مستشارون كبار للرئيس يعينهم الرئيس بموافقة الكونغرس ودورهم هو استشاري أساسي ويمكن أقالتهم في أي وقت كذلك هم يخضعون للمساءلة أمام الكونغرس وفق المادة الثانية من القسم الثاني للدستور الامريكي.

في تركيا بمجرد التحول الى النظام الرئاسي تأججت المعركة الحقيقية بين اردوغان والدولة العميقة وقد بدأها بمجرد وصول حزبه الى السلطة عام 2002 من خلال التعديلات الدستورية التي فصلت موادها على مقياس اركان الدولة من عسكريين وحراس المعبد الاتاتوركي.

الكونغرس الأمريكي ألأن بطابقيه الشيوخ والنواب ذات اغلبية جمهورية وهم بذلك يسيطرون على كامل السلطة التشريعية وهذا يسمى ب( الحكومة الموحدة ) حيث يسيطر الحزب الجمهوري على:

1 البيت الأبيض ( الرئيس ترامب )

2مجلس النواب ( الجمهوريين )

3 مجلس الشيوخ ( الجمهوريين )

وتمنح سيطرة الجمهوريين ميزة كبيرة في تمرير التشريعات الترامبية وتعيناته في المناصب العليا.

لكن ومع كل هذه الصيانة من منع تمرير القرارات التي قد يتخذها الرئيس ترامب في مجلسي الشيوخ والنواب ألا أن الرئيس يتخذ خطوات أكثر أتساعا ويشمل بذلك أفراغ المؤسسات الدستورية من رجالات العهود التي تربعت في صدارة صنع القرار وتوجيه الإدارات السابقة جيلا بعد جيل والذين يعتبرون رجال الدولة العميقة.

“رجال الدولة العميقة” في أمريكا ليسوا أفرادًا محددين بالاسم، بل هم شبكة فضفاضة من المسؤولين غير المنتخبين، والضباط العسكريين، وعناصر الاستخبارات، والقضاة، والبيروقراطيين رفيعي المستوى داخل الحكومة وخارجها، يعملون خلف الكواليس للتأثير على السياسات العامة والمصالح الوطنية أو الحزبية بشكل مستقل عن الإدارة المنتخبة، مستخدمين نفوذهم في مؤسسات الدولة للتحكم بالقرارات وتنفيذ الأجندات وهذا التعريف لدولة الظل في أمريكا يختلف اختلافا كبيرا عن دولة الظل في تركيا والتي نوهنا عليها في مقالة سابقة لدولة الظل أو الدولة العميقة في تركيا ، والجدير بالذكر أن صيغة الدولة العميقة قد نراها في عدة دول تتحكم تماما بأتجاهات الدولة السياسية الداخلية أوالخارجية أو بكلاهما معا.

أما في تركيا رجال الدولة العميقة” ليسوا أصناف أو لوبيات وأسماء محددة وواضحة، بل هم شبكات سرية ونافذة من عناصر رفيعة مؤثرة يعملون خلف الكواليس لحماية الاتاتوركية (الكمالية) ومقاومة التغييرات، كما يُعتقد أنهم يضمون شخصيات سياسية وإعلامية وأكاديمية مؤثرة، ، وتُنسب لهم محاولة زعزعة استقرار البلاد عبر الضغط السري والحفاظ على النظام القديم الذي تشكل في بداية العهد الجمهوري وتضم هذه الدولة العميقة ضباط رفيعوا المستوى في الجيش وأجهزة المخابرات ( الميت ) الحاليون والمتقاعدون وكذلك القضاة وربما من أعضاء المجلس الأعلى للقضاء والمدعين العامين وربما أعضاء من المحكمة الدستورية وكذلك البيروقراطيين وهم المسؤولين الكبار في الدولة التركية وأيضا سياسيون وصحفيون وأساتذة جامعيون يرتدون ثوب الكمالية إضافة الى شخصيات سياسية وأعلامية مؤثرة.

أن المقارنة بين نشوء الدولة العميقة في تركيا والدولة العميقة في الولايات المتحدة هي مقارنة بين أتجاهين مختلفين ففي الدولة الأولى نرى أن هولاء يحافظون فقط على تراث بالي أسسه أتاتورك يتغنون به ويتحصنون به ولم يكن للفكر الاتاتوركي أمتداد حقيقي افقيا وعموديا داخل تركيا بل ولم يكن لفكره مواصلة الاستمرار لبضعة سنوات لولا هولاء الذين تحصنوا بهذه القلعة التي شيدوها لأنفسهم بدليل أن تلك القلعة الكارتونية بدأت تتهاوى مع تهاوي فكرة الحزب الواحد وبداية التعددية الحزبية والانتخابات البرلمانية الحرة ، أما في الولايات المتحدة فأن نشوء عناصر القوة الرئيسية في الولايات المتحدة تركزت في ثلاثة قطاعات هي الصناعة العسكرية وشارع المال ( وول ستريت ) والبنتاغون وهذا مايراه عالم الاجتماع الأمريكي تشارلز رايت ميلز في كتابه بعنوان ( النخبة القوية ) والذي نشر عام 1956 ويرى ان عناصر القوة الرئيسية تركزت في القطاعات الثلاثة في منتصف القرن العشرين.

ويمكن القول بأن رجال الدولة العميقة في الولايات المتحدة يشكلون الأصناف الاتية فمنهم الموظفون بدرجات خاصة وفي مناصب دائمة في البنتاغون وكذلك الموظفون في مناصب دائمة في وكالات الاستخبارات أضافة الى مسؤولون حكوميون رفيعو المستوى أضافة الى شخصيات ذات نفوذ في الجيش منهم القادة العسكريون والضباط بمواقع خاصة ، ومنهم أيضا قضاة ومستشارون قانونيون يحتفظون بنفوذ كبير وفي نفس الأهمية والتأثير هناك أصحاب المصالح واللوبيات ومالكي الشركات الكبرى ، أضافة الى بعض الشخصيات المؤثرة في المؤسسات الإعلامية ونجوم الفن والرياضة والذين يساهمون في تشكيل الرأي العام الأمريكي.

كيف يعملون؟

• التأثير البيروقراطي: استخدام الإجراءات الروتينية والمراسيم لتمرير القرارات التي تخدم مصالحهم أو تعطيل قرارات لا تتفق معها.

• الخبرة والمؤسسية: استغلال المعرفة العميقة بالملفات والسياسات لتوجيه الرؤساء والإدارات الجديدة.

• الشبكات غير الرسمية: علاقات وتفاهمات بين هذه العناصر لضمان استمرارية أجندات معينة.

• هناك تصريحين يحتم علينا الوقوف لأجراءات ترامب في محاربة الدولة العميقة فترامب كان قد أتهم وزارة العدل الأمريكية عام 2017 بأنها جزء من الدولة العميقة ، كما أن مساعدي ورجال ترامب اتهموا سابقا الرئيس أوباما بأنه ينسق مقاومة الدولة العميقة لترامب.

أما الإجراءات التي تعهد باتخاذها وقد تمت تنفيذ قسم منها ، بهدف مواجهة ما يسميه بـ “الدولة العميقة” والبيروقراطية الفيدرالية تشمل ما يلي :

تعهد وأنشأ مجموعة أستشارية سميت بوزراء كفاءة الحكومة بقيادة شخصيات مهمة لها ثقل سياسي وشعبي مثل أيلون ماسك والذي يعني انه يخطط لألغاء وكالات اتحادية بأكملها او خفض كبير في عدد الوظائف الحكومية .

اختيار مبعوثين خاصين له الى دول العالم بدلا من الوزراء ووالموظفين الكبار في الدولة او وزارة الخارجية مثل مارك سافايا و ستيف ويتكوف وتوم باراك وغيرهم .

أصلاح الخدمة المدنية وأصدار أوامر تنفيذية تهدف الى إعادة تصنيف الالاف من الموظفين الفيدراليين وبذلك يسهل على الرئيس فصلهم وأستبدالهم ……

• أماالاجراءات التي اتخذها أردوغان فمرت بمرحلتين:

المرحلة الأولى:

• إضعاف النخب العلمانية التقليدية

• محاكمات “إرغينيكون” ” (20082013):

• أدت هذه المحاكمات إلى اعتقال ومحاكمة مئات الضباط والمسؤولين، مما أضعف بشكل كبير النفوذ السياسي والتقليدي للجيش في تركيا.

• الإصلاحات الدستورية والقانونية:

• تم إدخال تعديلات تسمح بمحاكمة العسكريين أمام المحاكم المدنية، وهو ما لم يكن مسموحًا به سابقاً، مما قلل من الحصانة القضائية للمؤسسة العسكرية.

• مراقبة نفقات المؤسسة العسكرية من قبل البرلمان ووزارة المالية.

المرحلة الثانية:

• حملة التطهير بعد محاولة الانقلاب

• بعد محاولة الانقلاب الفاشلة في يوليو 2016، والتي اتهمت الحكومة جماعة “الكيان الموازي” (FETÖ) التابعة لفتح الله غولن بالوقوف وراءها، اتخذ أردوغان إجراءات واسعة النطاق للقضاء على نفوذ الجماعة، التي كانت تمثل “دولة عميقة” جديدة داخل أجهزة الدولة وهذه الإجراءات كانت في عمليات تطهير واسعة في الجيش والشرطة والقضاء والتعليم والوزارات بتهمة الانتماء او الارتباط بالجماعة كما تم أغلاق الاف المدارس والجامعات والجمعيات والمؤسسات التابعة لجماعة غولن.

• التحول الى النظام الرئاسي:

• في استفتاء عام 2017 وبه تم منح الرئيس سلطات تنفيذية كثيرة وواسعة مما سمح له بتعين كبار المسؤولين وتحديد مسار السياسات بشكل مباشر وأدى ذلك الى اضعاف مراكز القوة التقليدية داخل الجيش.

عن الكاتب


شاركها.