أكدت لجنة الخدمات بمجلس الشورى، في تقريرها حول مشروع قانون بتعديل المادة (4) من القانون رقم (19) لسنة 2006 بشأن تنظيم سوق العمل، أن مشروع القانون «رغم اقتصاره على تعديل كلمة واحدة» يحمل أثراً جوهرياً على سياسات إصدار تصاريح العمل، كونه يلزم هيئة تنظيم سوق العمل بوضع حدٍ أقصى سنوي لإصدار التصاريح، بما قد يغيّر بنية السوق، ويؤثر على آليات استقدام العمالة غير البحرينية، وبالتالي يحد من نمو المشروعات البحرينية ويجمد السوق.وأوضحت اللجنة أن مشروع القانون يهدف إلى تهيئة الأجواء اللازمة في سوق العمل للحد من تدفق تصاريح العمل للأجانب وزيادة فرص البحرينيين، إلا أن الصيغة المقترحة تحمل تداعيات واسعة قد تمس جوهر المرونة التشريعية التي يقوم عليها قانون تنظيم سوق العمل، والذي بُني على إطار مرن يسمح للهيئة باتخاذ قرارات سريعة تستجيب للمتغيرات الاقتصادية والأزمات الطارئة دون الحاجة لتعديلات تشريعية تستغرق وقتاً طويلاً.
وبيّنت لجنة الخدمات أن فرض سقف عددي صارم على تصاريح العمل يتعارض مع واقع الخطة الوطنية لسوق العمل التي يتم إعدادها كل أربع سنوات، وهي مدة تتبدل خلالها احتياجات السوق ومعادلات العرض والطلب بصورة لا يمكن ضبطها مسبقاً، مؤكدة أن الإلزام بوضع حد أقصى ثابت سيقود إلى حالة من الجمود التشريعي، وقد يعيق تلبية الاحتياجات العاجلة للقطاعات الحيوية عند ظهور موجات استثمار جديدة أو متطلبات طارئة خلال سنوات الخطة.
ولفتت اللجنة إلى أن النص المقترح لا يحقق بالضرورة الهدف المعلن بشأن تقليص عدد تصاريح العمل، مشددةً على أن الجهات الحكومية قد تلجأ إلى رفع السقف العددي في بداية كل خطة احتياطاً لأي طارئ، الأمر الذي يُحوّل
التقييد التشريعي إلى التزامٍ شكليٍ دون أثر فعلي.
كما أوضحت أن عدداً من تصاريح العمل الصادرة لا يتعلق باستقدام عمالة جديدة من الخارج، بل يرتبط بانتقال العمال الأجانب المقيمين أصلاً بين أصحاب الأعمال، وبالتالي فإن فرض سقف صارم قد يضر باستقرار المؤسسات، ويقيّد حركة السوق عوضا عن إصلاحها.
وأكدت اللجنة أن تعزيز فرص العمالة الوطنية لا يتحقق فقط بخفض تصاريح العمل الأجنبية، بل يعتمد أساسًا على التدريب المهني المتخصص، وبرامج التأهيل، واكتساب المهارات المطلوبة في سوق العمل، إلى جانب دعم الأجور وتوفير الحوافز. وأشارت إلى أن سياسات الإحلال الفعّالة تستلزم منظومة متكاملة لا يختزلها مجرد تقييد على التصاريح.
وشددت لجنة الخدمات على أن تقييد إصدار تصاريح العمل قد ينعكس سلبًا على أصحاب الأعمال البحرينيين الذين تعتمد أعمالهم ومشاريعهم على توفير العمالة المناسبة، مؤكدةً أن فرض سقف عددي صارم سيمسّ حق أصحاب المؤسسات في التوسع والنمو، وقد يؤثر في تنافسية بيئة الأعمال في المملكة مقارنة بالدول الأخرى التي تقدم تسهيلات أكبر لجذب الاستثمارات.
واعتبرت اللجنة أن أي إجراءات تحدّ من قدرة السوق على جذب العمالة الماهرة قد تؤثر على جاذبية الاستثمار، وتضعف تنافسية الاقتصاد الوطني، بما قد ينعكس على تحقيق أهداف التنمية المستدامة وتوفير مزيد من الفرص للمواطنين.
وفي ختام تقريرها، خلصت اللجنة إلى التوصية بعدم الموافقة من حيث المبدأ على مشروع قانون بتعديل المادة (4) من القانون رقم (19) لسنة 2006 بشأن تنظيم سوق العمل (المعد بناءً على الاقتراح بقانون المقدّم من مجلس النواب)، مؤكدةً أن الإبقاء على الصياغة الحالية يضمن استمرار مرونة السوق وقدرته على التكيف مع المتغيرات الاقتصادية.
