يعزز الجيش الأميركي حضوره العسكري في منطقة الكاريبي، في خطوة تثير تساؤلات حول السيناريوهات المحتملة لأي تحرك عسكري ضد فنزويلا، وسط تصاعد التوترات الإقليمية وتكثيف الرئيس دونالد ترمب حملة الضغط على الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو.
وأشارت صحيفة “وول ستريت جورنال” في تقرير، الجمعة، إلى أنه بعد أسابيع من الضربات المميتة على قوارب يشتبه في نقلها مخدرات في مياه البحر الكاريبي، ومصادرة ناقلة نفط فنزويلية، ترسل وزارة الحرب الأميركية (البنتاجون) أصولاً عسكرية قد تتيح شن ضربات برية، وتعطيل دفاعات فنزويلا، وفرض حظر نفطي، في تهديد مباشر لمادورو وحلفائه الإقليميين مثل كوبا.
وبحسب صور وبيانات تتبع الرحلات، جرى رصد تمركز لمقاتلات الشبح F-35A، وطائرات الحرب الإلكترونية EA-18G Growler، ومروحيات الإنقاذ HH-60W، وطائرات الإنقاذ HC-130J في بورتوريكو.
كما نُقلت في الأيام الماضية طائرات تزود بالوقود جواً إلى جمهورية الدومينيكان. ويقول محللون إن هذه الطائرات قد تؤدي دوراً محورياً في أي هجمات محتملة على أهداف برية.
وتضاف هذه التحركات إلى كم كبير من القوة القتالية التي نقلتها الولايات المتحدة بالفعل إلى المنطقة خلال الأشهر الماضية، بما في ذلك 11 سفينة حربية، وطائرات مسيرة MQ-9 Reaper، ومقاتلات F-35B، وطائرات استطلاع P-8 Poseidon، إلى جانب أسلحة أخرى.
كما أن وصول حاملة الطائرات Gerald R. Ford الشهر الماضي، أدخل عشرات الطائرات إلى المنطقة، والتي يمكن استخدامها في ضربات جوية.
أهداف على الأرض
ولوّح ترمب بتصعيد إضافي عبر مهاجمة أهداف على الأرض، بعد أشهر من قصف قوارب يُشتبه في تهريبها المخدرات قبالة سواحل فنزويلا وخارجها. كما صادرت الإدارة هذا الأسبوع ناقلة نفط محملة بالنفط الخام الفنزويلي، ما يفتح جبهة جديدة في حملة الضغط التي يقودها البيت الأبيض.
وفي أكتوبر الماضي، أفادت صحيفة “نيويورك تايمز” بأن ترمب سمح لوكالة الاستخبارات المركزية الأميركية CIA بإجراء عمليات سرية داخل فنزويلا، في خطوة اعتُبرت تصعيداً جديداً ضمن حملة الضغط التي تقودها واشنطن ضد مادورو.
وفي حديثه عن القوات الأميركية قرب أراضي بلاده، قال وزير الدفاع الفنزويلي فلاديمير بادرينو، الجمعة: “نحن نراقب محاولات ترهيبنا. ونقول بتواضع لا تخطئوا التقدير، نحن مستعدون للدفاع عن هذا البلد، لن ترهبونا”.
ونقلت “وول ستريت جورنال” عن محللين عسكريين قولهم إن التحركات الأخيرة للمعدات تمثل إشارة إضافية إلى نية الإدارة “تنفيذ عمليات قتالية”. كما أن هذا الحشد يعني امتلاك الولايات المتحدة الموارد اللازمة لمصادرة مزيد من ناقلات النفط إذا قرر ترمب ذلك.
وحذر محللون إقليميون ومسؤولون حكوميون سابقون من أن أي عمل عسكري أميركي في فنزويلا قد يتحول إلى أزمة أوسع في أميركا اللاتينية. فكوبا، التي تعاني اقتصاداً هشاً ونقصاً حاداً في الطاقة، تعتمد على فنزويلا في النفط. كما أن أي صراع قد يمتد سريعاً عبر الحدود المفتوحة مع كولومبيا، حيث تسيطر جماعات مسلحة على أجزاء واسعة من الحدود.
ضربات جوية وحرب إلكترونية
ولم يستبعد ترمب شن هجمات برية، لكن خبراء عسكريين قالوا إن حجم القوات الموجود في الكاريبي، على ضخامته، لا يزال أقل بكثير مما يلزم للسيطرة على دولة بحجم فنزويلا.
وقالت المتحدثة باسم البيت الأبيض كارولين ليفيت، الخميس، إن “حرباً طويلة الأمد ليست بالتأكيد أمراً يهتم به هذا الرئيس”.
وترجّح التقديرات أن تكون الضربات الجوية المحددة على أهداف برية هي السيناريو الأكثر احتمالاً. ومن المرجح أن تبدأ أي عملية بعمليات سيبرانية وتشويش على الأقمار الاصطناعية لتعطيل قدرة الجيش الفنزويلي على استخدام أنظمة الدفاع الجوي الروسية المتطورة نسبياً.
ويقول محللون إن هذه الجهود قد تكون جارية بالفعل لتهيئة ساحة المعركة.
كما يرى محللون أن تمركز أنظمة الحرب الإلكترونية بالقرب من ساحة المعركة أمر منطقي، إذ يمكن تشغيل هذه المعدات، حتى من السفن، على مسافات أقرب من فنزويلا، بما يسمح بتشويش وصلات الأقمار الاصطناعية، وقطع وصول البلاد إلى الاتصالات وأنظمة الملاحة.
وعقب جهود الحرب الإلكترونية، قد ترسل الولايات المتحدة موجة أولى من مقاتلات الشبح F-35 لتدمير دفاعات فنزويلا، ومنشآت القيادة والسيطرة والبنية التحتية للكهرباء، بحسب محللين.
وستكون طائرات التزوّد بالوقود، مثل تلك التي تمركزت مؤخراً في جمهورية الدومينيكان، ضرورية لإعادة تزويد الطائرات بالوقود في طريقها إلى فنزويلا وعودتها. كما يمكن استخدام صواريخ توماهوك تطلق من سفن حربية في الكاريبي ضمن هذا الهجوم.
وفي مراحل لاحقة، يرجّح أن تدفع الولايات المتحدة بحزمٍ من الطائرات القتالية والذخائر المتنوعة لتنفيذ ضربات مركزة ضد أهداف على الأرض.
وستؤدي طائرات Growler للحرب الإلكترونية دوراً أساسياً في التشويش على دفاعات فنزويلا، مع تحليق مقاتلات أخرى وقاذفات إلى جانبها بحسب طبيعة المهمة.
مسارات دبلوماسية
بالتوازي مع حملة الضغط العسكري، تتكشف مسارات دبلوماسية. ففي الشهر الماضي، أجرى ترمب اتصالاً هاتفياً مع مادورو ناقشا فيه عفواً عاماً عنه وعن عائلته وكبار مساعديه، الذين يواجه كثير منهم عقوبات أميركية، أو لوائح اتهام جنائية..
وحذر ترمب مادورو من أنه إذا لم يغادر فنزويلا طوعاً، فإن الولايات المتحدة ستنظر في خيارات أخرى، بما في ذلك استخدام القوة، وفق “نيويورك تايمز”.
وأكد ترمب، أنه تحدث هاتفياً مع مادورو، بعد تقارير إعلامية، إلا أنه لم يقدم تفاصيل حول ما ناقشه مع مادورو.
ولكن المصادر التي تحدثت إلى صحيفة “ميامي هيرالد” الأميركية كشفت عن تفاصيل المكالمة، وكيف وصلت إلى طريق مسدود سريعاً، بعدما اتضح للجانبين أن مواقفهما متباعدة تماماً.
وجاءت المكالمة وسط مؤشرات متزايدة على أن إدارة ترمب تحضر لعملية عسكرية أوسع تستهدف كارتل مخدرات “دي لوس سوليس”، التي تقول واشنطن إن مادورو وكبار مسؤوليه يرأسونها.
