– وسيم العدوي

عمر خريبين وعمر السومة وفراس الخطيب، أسماء ارتبطت بذاكرة السوريين في الملاعب، وارتبطت أيضًا بجدل سياسي واجتماعي لم ينقطع منذ سنوات الثورة السورية، هؤلاء النجوم صنعوا تاريخًا غير مسبوق للكرة السورية، ورفعوا اسم المنتخب في المحافل الدولية، لكنهم وجدوا أنفسهم في مواجهة انتقادات تتعلق بمواقفهم أو ما قيل إنها “ارتباطات بالنظام السابق”، مما جعل شعبيتهم تتأرجح بين الإشادة والاتهام.

في بلد مسيّس بطبيعته، لم يعد الفصل بين الرياضة والسياسة أمرًا ممكنًا، ولا سيما عبر منصات التواصل الاجتماعي، فبينما يرى كثيرون أن الإنجازات الرياضية تكفي للحكم على قيمة اللاعب، يصر آخرون على محاكمته سياسيًا، ليبقى السؤال حاضرًا: هل يمكن أن يكون اللاعب سفيرًا للرياضة فقط، أم أن عليه أن يتحمل عبء الموقف السياسي أيضًا؟

لا شك أن بعض الانتقادات التي وُجهت لخريبين والسومة والخطيب بسبب الموقف السياسي، أثرت على صورتهم لدى جزء من الجمهور، حيث تحولت النقاشات من التركيز على الأداء الرياضي إلى مساءلة الولاء السياسي، ما خلق انقسامًا في جماهيريتهم رغم استمرار قيمتهم الكروية العالية.

أرقام وإنجازات غير مسبوقة

الأمين العام السابق للاتحاد السوري لكرة القدم، قتيبة الرفاعي، يرى أن تقييم هؤلاء اللاعبين لا يحتاج إلى جدل، فالأرقام تتحدث عنهم:

  • عمر السومة هو الهداف التاريخي لأقوى دوري في القارة.
  • خريبين أول سوري يُتوج بجائزة أفضل لاعب في آسيا.
  • ويكفي استعراض مسيرة الخطيب الاحترافية في أندية المنطقة لإدراك حجم إنجازاته.

وإلى جانب ذلك، شكّل الثلاثي نقلة نوعية للمنتخب السوري، خصوصًا في تصفيات كأس العالم 2018، حيث قادوا الفريق لمقارعة أقوى منتخبات آسيا، وأعادوا الأمل للجماهير بأن المنتخب السوري قادر على المنافسة على أعلى المستويات.

وبرأي الرفاعي، يتربع هؤلاء النجوم على “عرش الكرة السورية”، ولا يزاحمهم سوى أسماء قليلة جدًا في تاريخ هذه اللعبة، كما أن مسألة تقييم اللاعب بصفته لاعبًا لا تخرج من إطار حدود المستطيل الأخضر، أما مسألة التعاطف والدعم على أساس الموقف فهي أمر آخر.

ذاكرة قصيرة وقلب متسامح

قال الرفاعي، إن الإنسان السوري هو كائن مُسيّس بحكم عوامل عديدة، والحياة الاجتماعية في سوريا (خصوصًا منذ اندلاع الثورة السورية) باتت متداخلة بشكل معقّد جدًا مع السياسة حتى يومنا هذا (أي بعدَ سقوط نظام الأسد).

لكن السوريين أيضًا، بحسب الرفاعي، ذاكرتهم قصيرة، وقلبهم “طيّب” والتسامح والعفو سمتهم، وهم يجنحون بشكل كبير نحو الفرح والاستمتاع بلعبتهم الساحرة كرة القدم، فجأة ينصبون أنفسهم قضاة وقيّمين على الوطنية، وتوزيع شهاداتها، قبل أن تغلب طيبة قلوبهم في نهاية المطاف، “أجل، اللعّيب لعّيب، سواء وافق هوانا السياسي أم خالفه، لن تجد مشجعًا متعصبًا لريال مدريد ينكر نجومية ميسي واستثنائيته”.

وحتى مع محاولات محاكمة اللاعبين سياسيًا، يبقى الميل من قبل السوريين إلى الاستمتاع باللعبة أقوى، وتعكس هذه المقاربة ميل الجمهور السوري إلى الفصل بين الأداء الرياضي والموقف السياسي، رغم أن السياسة تظل حاضرة في خلفية المشهد.

سفراء للكرة السورية

من خلال مستوياتهم الاستثنائية، سلّط الثلاثي الضوء على اللاعب السوري، وجعلوا منه مطلوبًا في المنطقة والقارة، وكانوا خير سفراء لسوريا خارجها، وبات اللاعب السوري حاضرًا في أسواق الانتقالات، وارتفعت قيمته الفنية، وهو ما اعتُبر انعكاسًا مباشرًا لنجاحات السومة وخريبين والخطيب.

وأكد الرفاعي أن النجوم الثلاثة لعبوا دورًا بارزًا في رفع مستوى المنتخب السوري، ليصبح قادرًا على مقارعة أقوى المنتخبات، خصوصًا في أوج عطائهم خلال تصفيات كأس العالم 2018، حيث كانت سوريا على بعد خطوة من تحقيق حلم طال انتظاره.

السياسة تقتحم الملعب

النجومية لم تكن كافية لحماية هؤلاء النجوم من الجدل السياسي، فمع انتشار الأخبار المضللة على وسائل التواصل الاجتماعي، صار موقف النجم الرياضي مادة للنقاش والانتقاد، ويرى الرفاعي أن اللاعبين تعاملوا بدرجات متفاوتة من الحكمة، لكن النتيجة النهائية عكست انتماءهم للشعب لا للسلطة.

وبرأيه، فإن المنتخب السوري كان دائمًا “منتخب البلد”، لا منتخب “بيت الأسد”، وهو ما جسده الهتاف الشهير: “سوريا لنا وما هي لبيت الأسد”، وقال، “لقد أرانا كل واحد منهم بطريقته الخاصة ودون ما وصفها بـ(فذلكات نخبوية)، أن المنتخب السوري هو حقًا منتخب البلد”.

ولا شك أن الوعي السياسي السوري قد ارتقى إلى درجات غير مسبوقة خلال سنوات الثورة، قال الرفاعي، وباتت السياسة في سنوات الثورة مرتبطة بمفاصل الحياة كلها، ولم تكن الرياضة استثناء، خصوصًا مع الدور المتعاظم الذي لعبته وسائل التواصل الاجتماعي، وفي الوقت ذاته الذي صارت فيه حياة النجوم مكشوفة للجميع.

وتابع أن الفرد السوري أصبح منخرطًا في “الحياة السياسية” بشكل أكبر من أقرانه في بلدان أخرى، “نحن شعب مسيّس منذ الاستقلال على أقل تقدير”، ولكنه أكد أن أغلب العوامل المؤثرة التي تدفع نحو الحديث عن الموقف السياسي، وتداخل الرياضة مع الحدث السياسي، خاصة في السنوات الأخيرة تتعلق بـ:

  • غياب الحقيقة.
  • بروز التضليل الإعلامي.
  • انتشار الأخبار المزيفة على مواقع التواصل الاجتماعي.

فاللاعب- النجم، قال الرفاعي، قبل أن يكون شخصية عامة مؤثرة في الحياة الاجتماعية، وصاحب قاعدة شعبية وجمهور عريض، هو فرد في المجتمع، له موقفه السياسي، وله بيئته وخلفيته الاجتماعية التي نشأ فيها وخرج منها.

لذلك فإن عليه التحلي بدرجة عالية من الحذر والوعي عند التعاطي مع وسائل الإعلام، وعند تناول مسألة التصريح والإفصاح عن الموقف السياسي.

وبرأي الأمين العام السابق لاتحاد الكرة، فإن الثلاثة تعاملوا بدرجات متفاوتة ومختلفة من الحكمة طيلة سنوات الثورة، لكن النتيجة النهائية لكل موقف من تلك المواقف، عكست حقيقة انتمائهم للشعب، فالنجم، وخصوصًا في كرة القدم، هو ملك لعامة الشعب، كما هي شعبية كرة القدم.

شعبية متأرجحة

شعبية خريبين والسومة والخطيب تذبذبت خلال سنوات الثورة، وهو أمر طبيعي، كما قال الرفاعي، لأن اللاعب ابن بيئته وليس سياسيًا محترفًا، ورغم ذلك، فإن تلبية دعوات المنتخب كانت إعلانًا صريحًا بالانتماء للشعب، في مقابل محاولات النظام السابق استغلال نجاحات المنتخب سياسيًا.

الرفاعي شدد على أن تحميل اللاعبين عبء الموقف السياسي الكامل أمر غير عادل، فهم مواطنون مثل غيرهم، يعيشون الظروف نفسها، ولا يملكون أدوات السياسي أو المثقف النخبوي.

شعبية هؤلاء اللاعبين كانت تتراوح طيلة سنوات الثورة، بحسب الأمين العام السابق لاتحاد الكرة، “أجل، وهذا أمر مبرر ولا يجب أن يكون مستهجنًا أو مستغربًا، فلاعب كرة القدم في نهاية المطاف هو إنسان ملتصق بالشارع التصاق مهنته وهو ليس سياسيًا ولا مثقفًا نخبويًا، ولا يملك مستشارين ولا ناطقين إعلاميين باسمه”.

وكل واحد من هؤلاء الثلاثة هو ابن بيئة سورية فطرية، عانت ما عاناه الشعب السوري طيلة فترة حكم النظام السابق، فليس من العدل والإنصاف مطالبتهم باتخاذ موقف سياسي والإعلان عنه بمنتهى الصراحة والبساطة.

ولكن، يجدد الرفاعي التأكيد على أن التاريخ قد سجل لاحقًا أن كل واحد منهم لم يغب عن تلبية دعوة منتخب بلاده، وكان بذلك يعلنها صراحة بأنه يقف إلى جانب الشعب لا السلطة الحاكمة، وبأنه ينتمي للبلد والشعب.

عقد المواطنة هو الفيصل

في النهاية، يبقى اللاعب مواطنًا له ما له وعليه ما عليه، وعندما تتحقق معادلة دولة المواطنة والقانون، لن يكون الموقف السياسي معيارًا للحكم على الرياضي أو غيره، بل سيصبح الانتماء للوطن هو البوصلة الجامعة.

وهذا العقد الوطني والاجتماعي، كما وصفه الرفاعي، هو ما سيحسم الجدل مستقبلًا، ويجعل الهوية السورية واضحة لا يشوبها موقف سياسي أو اصطفاف، بل تستند إلى وطن واحد وقانون يحمي الجميع، ويسري على الجميع، وهذا يمتد تطبيقه على كافة قطاعات المجتمع السوري، وليس حكرًا على القطاع الرياضي وحده.

وبين السياسة والرياضة، تكشف القضية عن إشكالية أعمق في الرياضة السورية وهي: هل يمكن للاعب أن يمثل بلاده في الخارج بمعزل عن موقفه السياسي؟ وهذا السؤال يعكس واقعًا معقدًا حيث تتحول الرياضة إلى ساحة صراع رمزي بين مؤيدين ومعارضين، ويصبح اللاعبون أنفسهم رهائن لهذا الانقسام.

ويتضح أكثر أن الانتقادات الموجهة لعمر خريبين وعمر السومة وفراس الخطيب لم تكن مجرد تعليقات عابرة، بل شكلت اختبارًا لشعبيتهم في مجتمع منقسم سياسيًا، وبينما يستمر الجدل حول ولاءاتهم، يبقى السؤال مفتوحًا: هل يمكن أن تعود كرة القدم السورية لتكون مساحة جامعة بعيدًا عن الاصطفافات السياسية؟

المصدر: عنب بلدي

شاركها.