– وسيم العدوي
في 20 من تشرين الثاني الماضي، أعلن مصرف سوريا المركزي إرسال أول رسالة إلى مراسليه حول العالم عن طريق نظام المدفوعات الدولي (سويفت)، وأتبع ذلك بالإعلان عن العمل على إعداد إطار تنظيمي ورقابي جديد يهدف إلى إعادة تفعيل علاقات المراسلة المصرفية وتطويرها بين المصارف السورية والأجنبية.
هذه الخطوات المتسارعة من قبل المركزي السوري، جاءت عقب حراك مصرفي دولي رقابي مكثف قادته بعثة صندوق النقد الدولي خلال زيارتها إلى سوريا واجتماعها بالمسؤولين في مصرف سوريا المركزي لأربعة أيام في تشرين الثاني ذاته، اختتمتها ببيان حمل بين سطوره إشارات مزدوجة بين تفاؤل حذر، وخارطة إصلاحات عميقة يجب على القطاع المصرفي السوري تنفيذها، قبل تقديم أي مساعدة من قبل الصندوق.
الزيارة المصرفية الدولية للمركزي السوري (التي لم يفصح عنها المصرف آنذاك) تُوجت بزيارة من نوع آخر للمركزي، أجراها الرئيس السوري في المرحلة الانتقالية، أحمد الشرع، أكد فيها للقائمين على المصرف، ضرورة تطوير القطاع المصرفي لدعم التنمية الاقتصادية، واطلع على مراحل العمل في برنامج التحول المؤسسي والتقني، والخطط الهادفة إلى تطوير البنية المصرفية وتعزيز الاستقرار المالي، وخطط تطوير أنظمة العمل الداخلية ومنظومات الرقابة، وأنظمة الدفع الوطنية.
إعادة بناء مصرف سوريا المركزي
المتحدثة باسم صندوق النقد الدولي، جولي كوزاك، كشفت، في 13 من تشرين الثاني الماضي، أسباب زيارة بعثة الصندوق إلى سوريا، وفق ما نقله عنها موقع “CNBC عربية”، بأن بعثة الخبراء التي التقت السلطات السورية ناقشت معها أولويات الإصلاح الاقتصادي واحتياجات المساعدة الفنية.
وحول فحوى المناقشات التي أجراها الرئيس السوري مع المديرة العامة لصندوق النقد الدولي، كريستالينا غورغييفا، خلال لقائهما في مقر الصندوق بواشنطن، قالت كوزاك، إنها ركزت على التحديات الاقتصادية التي تواجهها سوريا، وكيف يمكن للصندوق مواصلة دعم البلاد من خلال تقديم المشورة السياسية في إطار إعادة بناء مصرفها المركزي ومؤسساتها الاقتصادية الأخرى.
لماذا “سويفت” أولًا؟
إعادة ربط سوريا بمنظومة “سويفت” تعني إنهاء العزلة المالية التي استمرت 14 عامًا على سوريا، وفتح الباب أمام النظام المصرفي السوري للاندماج في النظام المالي العالمي، وهذا الربط، بحسب ما قاله الخبير المالي والمصرفي الدكتور عبد الله قزّاز، ل، غير كافٍ لاستعادة الثقة، فالنظام المصرفي يحتاج إلى إصلاحات هيكلية وتعزيز الشفافية والإفصاح، وهو ما يفتقر إليه الاقتصاد السوري منذ عهد النظام البائد، بحسب تعبيره.
ويرى استاذ الاقتصاد في العلوم المالية والمصرفية، أن المستثمر والمواطن والدول الحليفة الراغبة بالاستثمار في سوريا، يحتاجون إلى الرقم والمؤشر المالي والقيم الاقتصادية حتى تكون لديهم دراية بجدوى الاستثمار من عدمه، وهذا ما يؤكد عليه صندوق النقد الدولي والبنك الدولي أيضًا.
ويضاف إلى ذلك، وفقًا لقزاز، ضرورة “اعتماد سياسة نقدية واضحة وثابتة تؤسس لنظام اقتصادي معاصر قائم على اقتصاد السوق الحر، وتعزيز المنافسة والقضاء على الاحتكار، وتشجيع الاستثمار الأجنبي المباشر ما أمكن”.
نظام “سويفت” والبنوك المراسلة للمركزي
نظام “سويفت” هو شبكة عالمية للتحويلات المالية تأسست عام 1973 في بلجيكا، تربط أكثر من 11 ألف بنك ومؤسسة مالية في أكثر من 200 دولة، تُرسل يوميًا أكثر من 40 مليون رسالة مالية لتبادل المدفوعات بين البنوك والشركات والحكومات.
ويعرف المصرف المراسل (Correspondent Bank)، وفقًا لدليل “Harvard Business Review”، بأنه بنك أو مؤسسة مالية تقدم خدمات مصرفية نيابةً عن بنك آخر، غالبًا في بلد مختلف، يقوم بدور الوسيط بين البنوك المحلية والأجنبية، مما يتيح للبنك المحلي التعامل مع الأسواق الدولية دون الحاجة إلى وجود مادي في الخارج.
ويقدم خدمات مثل:
-
التحويلات المالية الدولية.
-
إدارة النقد الأجنبي والاستثمارات.
-
إصدار وتأكيد الاعتمادات المستندية.
-
تحصيل الشيكات والودائع.
-
تسهيل التجارة الخارجية.
وحول هوية مراسلي مصرف سوريا المركزي، أوضح الدكتور قزاز أنهم البنوك الأجنبية المراسلة (correspondent banks) التي تتعامل مع المصارف السورية العامة والخاصة والمركزي لتسهيل التحويلات الدولية عبر “سويفت”، وهي بنوك إيطالية وقطرية وأردنية وأمريكية مثل الاحتياطي الفيدرالي بنيويورك، ودورها الرئيس معالجة الصفقات التجارية وإتمامها وإجراء التحويلات بعد إتمام الصفقات بتكاليف منخفضة.
وبالتالي فإن مهمة البنوك المراسلة في نظام “سويفت”، حسب الأستاذ الأكاديمي قزاز، هي تسهيل المعاملات المالية الدولية بين البنوك التي لا توجد بينها علاقة مباشرة، حيث تعمل كوكلاء لإجراء المدفوعات والخدمات المصرفية نيابة عن بنوك أخرى، مما يسمح بتحويل الأموال والبيانات عبر الحدود بسلاسة وأمان، خاصة في الدول التي لا تملك فيها البنوك فروعًا أو وصولًا مباشرًا لأنظمة الدفع العالمية.
“سويفت” وأموال سوريا المجمدة
توفر عودة “سويفت”، بحسب قزاز، تحويلات سريعة وآمنة، مما يجذب الاستثمارات الأجنبية عبر تقليل التكاليف غير الرسمية ويسهل تمويل الإعمار، أما المودعون فيشعرون بثقة أكبر عبر استقرار الليرة وتدفق التحويلات من الخارج، مع تقليل الاعتماد على صرف العملات غير الرسمي.
وأكد الدكتور قزاز أن عودة “سويفت” ترتبط مباشرة باستعادة الأصول المجمدة، إذ تسمح بمفاوضات وتحويلات رسمية بعد رفع عقوبات “قيصر”، مشيرًا إلى أن حاكم مصرف سوريا المركزي سبق أن أكد وجود مفاوضات لاسترداد الأموال المجمدة عبر الشبكة.
أما دون “سويفت” فقد كانت الطرق غير الرسمية مكلفة ومحفوفة بالمخاطر، وحتى غير مقبولة من قبل الدول المحتجزة لتلك الأموال المجمدة، بحسب الخبير المالي والمصرفي.
القطاع المصرفي السوري بحاجة للتدريب والتكنولوجيا
أشار قزاز إلى أن العودة لنظام “سويفت” العالمي تحتاج إلى تدريب كوادر فنية وتحديث بنية تحتية تكنولوجية لضمان الامتثال لمعايير النظام الدولية وتجنب الأعطال، ويتطلب ذلك ترقية الأنظمة بعد 14 عامًا من التوقف، لدعم معاملات آمنة وفعالة.
ومع موافقة مجلس النواب الأمريكي على إلغاء قانون “قيصر” ضمن ميزانية الدفاع، سيسهم القرار مع “سويفت” في تسهيل التحويلات بين سوريا وأمريكا، مما يربط النظام المالي السوري عالميًا، ويعزز التجارة والاستثمار.
وتوجد مخاطر لارتفاع حالات غسل الأموال وتمويل الإرهاب، بحسب قزاز، وذلك إذا لم تُطبق ضوابط صارمة، ويتطلب الأمر امتثالًا لمعايير “FATF” (مجموعة العمل المالي) لتجنب إعادة العزلة.
ما معايير “FATF”؟
هي مجموعة من التوصيات الدولية التي تُعد المعيار العالمي لمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب وتمويل انتشار أسلحة الدمار الشامل.
وتوفر هذه المعايير إطارًا شاملًا من الإجراءات القانونية والتنظيمية والتشغيلية للدول لحماية النظام المالي العالمي من الجرائم المالية، وتشمل مجالات مثل سياسات مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب.
فوائد “سويفت”
قال الدكتور قزاز إن نظام “سويفت”:
- يسهل التحويلات المالية الدولية بطريقة آمنة وسريعة.
- يمكّن الشركات السورية من استيراد المواد الخام والآلات اللازمة للإنتاج بكفاءة أعلى.
- يسهل تصدير المنتجات السورية للأسواق العالمية.
- يقلّل الحاجة للوسائل غير الرسمية ذات التكلفة المرتفعة، مما يحرك عجلة الاقتصاد وينعش حركة التجارة والاستثمار المحلي والأجنبي.
- يجذب المستثمرين الأجانب ويوفر بيئة استثمارية أكثر أمانًا وشفافية، ويحفز دخول الشركات الأجنبية والمغتربين وتوجيه رؤوس أموالهم عبر القنوات الرسمية.
- سهم بنقل الخبرات والتكنولوجيا الحديثة وتدريب اليد العاملة في سوريا.
- يتوقع أن يؤدي إلى انتعاش حركة إعادة الإعمار من خلال تسهيل التمويل وتحويلات الأموال، ما يعزز فرص العمل وينشط قطاع العقارات، وينهي حالة الجمود في ملف إعادة الإعمار.
الدول المرتبطة بـ”سويفت”
وفق الموقع الإلكتروني لنظام “سويفت” (The SWIFT Codes)، فإن أبرز المجموعات الإقليمية المرتبطة بهذا النظام هي:
- أوروبا: جميع دول الاتحاد الأوروبي (فرنسا، ألمانيا، إيطاليا، إسبانيا…) إضافة إلى سويسرا، المملكة المتحدة، النرويج، وروسيا (مع استثناءات جزئية بسبب العقوبات) وغيرها.
- الشرق الأوسط وشمال إفريقيا: السعودية، الإمارات، قطر، مصر، المغرب، تونس، لبنان، الأردن، فلسطين، سوريا، وغيرها.
- آسيا: الصين، اليابان، الهند، كوريا الجنوبية، سنغافورة، ماليزيا، باكستان، إندونيسيا، إلخ.
- الأمريكيتان: الولايات المتحدة، كندا، المكسيك، البرازيل، الأرجنتين، تشيلي، إلخ.
- إفريقيا: جنوب إفريقيا، نيجيريا، كينيا، المغرب، الجزائر، مصر، وغيرها.
- أوقيانوسيا: أستراليا، نيوزيلندا، جزر المحيط الهادئ.
ويخضع “سويفت” لإشراف البنوك المركزية الكبرى، وهذا يعني أن أي خرق للمعايير من قبل سوريا قد يؤدي إلى تعليق جديد، وذلك يتطلب التزام سوريا بالمعايير الدولية والشفافية.
انعكاس “سويفت” على الليرة والأسعار
بالنسبة لأثر عودة سوريا إلى نظام “سويفت” على تكلفة المنتجات والأسعار والتجارة الخارجية والاستيراد والتصدير، أوضح الخبير قزاز أن ذلك سيسهم في:
- رفع العقبات أمام الاستيراد، وخفض التكاليف المصرفية عبر النظام يقلل من تكاليف الحصول على المواد الخام والسلع المنتجة محليًا، وهو ما قد ينعكس بانخفاض في أسعار المنتجات على المستهلك.
- تخفيض الاعتماد على السوق السوداء للصرافة، والطرق غير الرسمية، مما يوفر استقرارًا في أسعار الصرف، ويقلل الفوارق في تحويل العملات، ما ينعكس إيجابًا على تكاليف الإنتاج والتوزيع.
- بالرغم من التحديات التي تواجه الاقتصاد السوري، فإن العودة لنظام “سويفت” تسهم في تقليل النفقات المالية والتكاليف الإضافية التي كانت تثقل كاهل الشركات المستوردة والمصدّرة.
ورغم اشتراطات صندوق النقد الدولي والتلميح إلى ربط إصلاح القطاع المصرفي السوري بالدعم الدولي، فإنه يمكن اعتبار عودة سوريا إلى نظام “سويفت” حدثًا مفصليًا في تاريخ سوريا، تم السماح به بضوء أخضر من الصندوق ذاته، بشرط إعادة بناء المركزي السوري والمصارف العاملة، وهذا من شأنه تعزيز قدرة قطاع الأعمال على العمل في سوريا بفعالية أكبر، وتخفيض تكلفة المنتجات، ومن المتوقع أن يدعم استقرار الأسعار، مع تحسن بيئة الأعمال والاستثمار.
مرتبط
المصدر: عنب بلدي
