اخبار تركيا

قال مقال للكاتب والمحلل الفلسطيني، أحمد الحيلة، إن إسرائيل تستغل البيئة السورية الرخوة لمواجهة الحضور التركي الداعم لدمشق، من خلال إشغال أنقرة سياسيا وأمنيا عبر ملف قوات سوريا الديمقراطية الكردية “قسد” شرق الفرات، والتي تعدها تركيا تهديدا إستراتيجيا لأمنها القومي.

جاء ذلك في مقال له على موقع “الجزيرة نت”، تناول التطورات في سوريا تزامنا مع مرور الذكرى الأولى لإسقاط نظام الأسد.

وقال الكاتب إن التحرر من الاستبداد، واقع أشبه بالحلم الجميل في عقول السوريين الذين ما زالوا يعيشون آثار سياسات النظام البائد الذي دمر البلد ونكل بالشعب، وهجر أكثر من نصفه على مدار 14 عاما توقفت فيها عجلة الحياة.

وأضاف: رغم المعاناة الإنسانية التي ما زالت ماثلة أمام الأعين، فإن الشعب السوري ينظر بعين الرضا لامتلاكه الحرية التي قدم لأجلها وعلى مذبحها أكثر من مليون ضحية ومفقود؛ إيمانا منه بأن غريمتها هي العبودية القاتلة والمتناقضة مع الهوية والحاطة من قيمة الإنسان.

وفيما يلي تتمة المقال:

الحرية قيمة تستحق التضحية والاحتفال بها مرة بعد مرة، فهي الضرورة لاستعادة الذات الأنا، والذات الوطن، والذات الهوية والثقافة والروح الفاعلة المتصلة بالسماء مصدر الوحي والدين المبني على حرية الاختيار لا الإجبار.

إنها لحظة عظيمة بعظم التغيير، فليس سهلا أن تتخلص من الاستبداد، وليس سهلا أن تستعيد النفس المقتولة والأحلام المبعثرة في الضياع والتيه، بفعل السلطة التي تعبد القوة وتحكم باسمها من دون الله.

مر عام على سقوط النظام البائد ونجاح الثورة في فتح أبواب دمشق أمام الشعب السوري. مر عام وسوريا الجديدة تتلمس الطريق للمحافظة على إنجازات الثورة، فالمتضررون في الداخل كثر من أزلام النظام البائد الذين اعتادوا العيش على موائد الاستبداد، وبنوا قصورهم على جماجم الشعب السوري، وكذلك المتربصون في الخارج الذين يكرهون الحرية، ويخشون تحولها إلى عدوى يصعب “الشفاء” منها.

نجحت الحكومة السورية بقيادة الرئيس أحمد الشرع في تبريد العديد من الملفات الساخنة؛ كإخماد تمرد الساحل، ومحاولات دروز محافظة السويداء الانفصال بقيادة الهجري أحد مرجعيات الطائفة، ونزع فتيل الاحتراب مع قوات “قسد” الكردية، وتعليق العقوبات الأميركية لأشهر قادمة، وتعويم سوريا على المستويين؛ الإقليمي، والدولي سياسيا، ومع ذلك فدمشق ما زالت تواجه جملة من التحديات التي تشكل أشواكا قاسية في جنبات سوريا الجديدة الوليدة، ومنها:

العدوان الإسرائيلي

تشكل إسرائيل خطرا داهما على سوريا واستقرارها ووحدة أراضيها؛ فهي تحتل أراضي سورية خلف خط الهدنة لعام 1974 في جبل الشيخ ومحافظة القنيطرة، ولا تنوي الانسحاب منها، كما جاء على لسان رئيس وزرائها بنيامين نتنياهو، وتشترط أن تبقى مناطق جنوب سوريا منزوعة السلاح، بعد أن دمرت مقدرات الدولة السورية العسكرية عبر مئات الغارات الجوية.

تعمل إسرائيل لأن تبقى سوريا دولة ضعيفة عبر تدخلها العسكري المباشر، كما حصل في منطقتي الكسوة، وبيت جن مؤخرا، حيث وقعت اشتباكات مع الأهالي، وعبر نشرها العديد من الحواجز في الجنوب السوري، وقصفها كل ما تراه تهديدا لها على كامل الأراضي السورية، علاوة على دعمها للأقليات الانفصالية كالدروز في محافظة السويداء بقيادة الهجري.

من المرشح أن تستمر السياسة الإسرائيلية الراهنة؛ بهدف حرمان دمشق من القدرة على التحكم في المعادلة الأمنية وصناعة السلم الأهلي، وتعطيل فرص الاستقرار والإعمار والاستثمار، وإبقاء سوريا تحت تأثير ونفوذ إسرائيل ومعادلتها الأمنية؛ حتى تخضع دمشق وتقبل بالتطبيع مع تل أبيب وفق شروط الأخيرة.

في ذات السياق، فإن إسرائيل تستغل البيئة السورية الرخوة لمواجهة الحضور التركي الداعم لدمشق، من خلال إشغال أنقرة سياسيا وأمنيا عبر ملف قوات سوريا الديمقراطية الكردية “قسد” شرق الفرات، والتي تعدها تركيا تهديدا إستراتيجيا لأمنها القومي.

ازدواجية المواقف الأميركية

أبدت واشنطن مواقف متباينة ومتعارضة بشأن سوريا الجديدة؛ فالرئيس ترامب استقبل الرئيس الشرع في البيت الأبيض، وقد علق العقوبات الأميركية حينها حتى تصويت مجلس النواب على رفع العقوبات بشروط في 11 ديسمبر/كانون الأول الجاري، مع تكرار “حرص” واشنطن على استقرار سوريا ووحدة أراضيها.

في ذات الوقت، ما زالت واشنطن تدعم قوات سوريا الديمقراطية الكردية “قسد” شرق الفرات، ولم تلزمها وهي تستطيع بتنفيذ استحقاقات الاندماج في الدولة السورية المركزية، وفق الاتفاق الموقع بين الرئيس الشرع وقائد “قسد” مظلوم عبدي في مارس/آذار 2025، ما يشكل تهديدا واستنزافا للدولة السورية، حيث تسيطر “قسد” على الأراضي الزراعية وآبار النفط شرق الفرات.

فوق ذلك، لم تأخذ الولايات المتحدة مواقف رادعة للسلوك الإسرائيلي العدواني تجاه سوريا، وهي تكتفي بلعب دور “الوسيط” المنحاز إلى تل أبيب، والمبرد لاحتقان دمشق والحكومة السورية التي تحاول جاهدة عدم الانجرار إلى صدام عسكري يُفقدها زمام التحكم في مسار الدولة السورية الوليدة، وهذا ما تعيه إسرائيل وتعمل على استغلاله أبشع استغلال بغطاء أميركي.

السلوك الأميركي ينسجم عمليا مع ما ورد في إستراتيجية الإدارة الأميركية بقيادة ترامب، حيث دعم إسرائيل أحد أهم محددات السياسة الخارجية الأميركية في الشرق الأوسط، ناهيك عن سعي واشنطن لإبقاء القيادة السورية تحت الضغط وسياسة العصا والجزرة؛ لضمان سلوك دمشق بما يتواءم مع المعايير الأميركية في المنطقة.

السلم الأهلي والأقليات الانفصالية

أحد أهم التحديات الداخلية هي إرساء سفينة السلم الأهلي على بر الأمان؛ باستعادة فكرة المواطنة، وأن سوريا وطن للجميع؛ عبر التغلب على التشظي المذهبي أو الطائفي أو العرقي الذي تتغذى عليه عوالق المتضررين من انهيار النظام السابق، وتُغذيه قوى خارجية متربصة بسوريا وبحرية الشعب السوري.

هذا يحتاج إلى تفكيك أفكار الانفصال وقواه الفاعلة، إن كان في الساحل السوري، أو شرق الفرات، أو في محافظة السويداء عبر سياسة الإدماج والشراكة في مؤسسات الدولة، ومن خلال عقد اجتماعي يُثري الحياة السياسية بالأحزاب الوطنية العابرة لحدود الأقليات والطوائف.

سوريا الثورة رغم التحديات الكبيرة، أنجزت بالتخلص من الاستبداد وأدواته الأمنية القمعية، وأنجزت بعودة الدولة السورية إلى حواضنها العربية والدولية، وأنجزت بتعزيز صداقتها مع قطر، وتركيا الداعمتين لثورتها ولاستقرارها ووحدة أراضيها، وأنجزت بتمتين علاقتها مع السعودية التي لعبت دورا كبيرا مع قطر، وتركيا في تعليق العقوبات الأميركية.

هذا التقدم يشكل حصانة نسبية لدمشق، وهي تحتاج لاستثمار تلك العلاقات خاصة مع تركيا، وقطر، والسعودية لإقناع الإدارة الأميركية والرئيس ترامب بضرورة تفكيك ملف قوات “قسد”، بإلزام الأخيرة باتفاق الاندماج في الدولة السورية ومؤسساتها الوطنية.

معالجة هذا الملف ربما تحظى بالأولوية لما له من تأثير سياسي وأمني واقتصادي على سوريا واستقرارها، ولما له من تأثير على تفكيك التحديات الداخلية الأخرى، ما يستدعي استنفاد كافة الوسائل السياسية لتحقيق ذلك الهدف، حتى لا تجد دمشق نفسها كما تركيا مضطرة إلى التدخل العسكري الجراحي شرق الفرات في مواجهة قوات “قسد”، مع ما يحمله ذلك من تداعيات عسكرية وأمنية قد تفتح بابا واسعا للتدخلات الخارجية وفي مقدمتها إسرائيل؛ العدو الأبرز لاستقرار سوريا ووحدة أراضيها، والتحدي الأكبر لأمن تركيا القومي أيضا.

تبقى الحصانة الداخلية هي العنوان والرهان الأبرز أمام الشعب السوري، فالتاريخ أثبت أن حصان طروادة لا ينجح بالدخول إلى بلادنا إلا عبر الشقوق الطائفية أو المذهبية أو العرقية التي يبرع الأعداء في استثارتها لتحقيق أهدافهم الاستعمارية على حساب شعوب المنطقة ومصالحها.. فهل تنجو سوريا من هذا المرض وتنجح بسد الثغرات أمام أعدائها المتربصين بما أنجزته الثورة من حرية مستحقة؟

شاركها.