اخبار تركيا
رسّخت تركيا مكانتها كإحدى أبرز الوجهات العالمية في السياحة الملائمة للمسلمين، متقدمة في تقارير ومؤشرات دولية متخصصة، بفضل مزيج يجمع بين البنية التحتية السياحية المتطورة، والخصوصية العائلية، والخدمات المتوافقة مع المعايير الحلال، خاصة في منطقة الريفيرا التركية التي تحولت إلى مركز عالمي لهذا النوع من السياحة.
على مدى السنوات الـ15 الماضية، أصبحت تركيا رائدة عالميا في السياحة الملائمة للمعايير الحلال، وكانت الريفيرا التركية على وجه الخصوص في قلب هذا النمو، وتمتد منطقة الريفيرا التركية من أنطاليا إلى ألانيا، وفتحية، مرمريس وبودروم، وتقدم هذه المنطقة بعضا من أجمل السواحل التركية على البحر الأبيض المتوسط، حيث الشواطئ الخلابة، والغابات الوارفة، كل هذه العوامل تجذب العائلات، وليس من المبالغة وصف مدينة ألانيا (136 كيلومترا شرق أنطاليا) بأنها الوجهة الرائدة عالميا لقضاء العطلات الشاطئية الملائمة للحلال.
فما العوامل التي جعلت تركيا، لا سيما منطقة الريفيرا، مكانا مناسبا لتطوير قطاع السياحة الحلال، خاصة من خلال إقامة منشآت سياحية توفر خدمات ومرافق تحافظ على خصوصية العائلات المسلمة والنساء المسلمات؟
يقول الرئيس التنفيذي للتسويق في منصة “حلال بوكينج” أفق سجكين، وهي منصة متخصصة في حجز الفنادق والفلل للمسافرين المسلمين، إن ثمة 3 عوامل رئيسية أتاحت بيئة مناسبة في تركيا لازدهار قطاع السياحة الحلال أو الصديقة للعائلات المسلمة، على رأسها عامل ثقافي وديمغرافي، منذ منتصف تسعينيات القرن الماضية، شهدت تركيا تحولا اقتصاديا وسياسيا حيث اكتسبت الطبقة الوسطى التقليدية المسلمة قوة اقتصادية أكبر وحريات أوسع، مما أدى لخلق طلب محلي قوي على العطلات التي تحترم القيم الإسلامية، بحسب تقرير لـ “الجزيرة نت”.
الجمع بين الاحتشام والفخامة
وثاني العوامل حسب سجكين هو عنصر الابتكار لدى بعض رواد المشاريع في القطاع السياحي، إذ كان عدد من أصحاب الفنادق الأتراك من أوائل من أدركوا أن الخصوصية والاحتشام يمكن أن يتعايشا مع توفير الفخامة والترفيه، مما أدى إلى إنشاء منتجعات مصممة خصيصا للجمع بين الأمرين، وتضمنت مناطق منفصلة للنساء والرجال في المسابح والشواطئ ومرافق خدمات السبا، مع مطاعم خالية تماما من المشروبات الكحولية.
كما أن تطور البنية التحتية السياحية في تركيا، وخاصة بمنطقة أنطاليا، حيث المنطقة ة بدول العالم بخطوط طيران كثيرة، فضلا عن الأسعار التنافسية للخدمات السياحية، كل ذلك جعل من السهل على العديد من العائلات المسلمة من مختلف أنحاء العالم اختيار الريفيرا التركية كوجهة مفضلة.
وحسب مسؤول التسويق في منصة حلال بوكينج فإن جمع الريفيرا التركية بين الجمال الطبيعي والمرافق السياحية المخصصة للنساء والبنية التحتية والخدمات الملائمة للحلال، والأنشطة الترفيهية للعائلات والأطفال التي تستهدف العائلات المسلمة من مختلف أرجاء العالم، جعل من الريفيرا مركزا عالميا للعطلات الشاطئية الملائمة للباحثين عن السياحة الحلال خصوصا في صفوف العائلات المسلمة.
من المستهدف بالسياحة الحلال؟
كثيرا ما يثار السؤال التالي: هل الجمهور المستهدف بشكل أساسي من السياحة الحلال في تركيا هي العائلات المسلمة داخل وخارج البلاد أم إن الجمهور أوسع؟
يرى سجكين أنه في الوقت الذي يظل الجمهور الأساسي لقطاع السياحة الحلال هو العائلات المسلمة المحافظة من داخل تركيا وخارجها، فإن الملاحظ أن القطاع يستقطب أيضا شريحة أوسع، وتتمثل في الجيل الجديد من الأزواج الشباب المسلمين، والباحثين عن الخصوصية والهدوء.
وتحرص المؤسسات الفندقية العاملة في قطاع السياحة الحلال إلى توفير بيئة خالية من أي جوانب تقلق راحة الأسرة، حيث يمكن للنزلاء الاستمتاع بجميع وسائل الراحة والرفاهية دون المساس بمعتقداتهم الدينية أو بخصوصية هذه الأسر، كما أن العديد من المنتجعات في تركيا تعمل وفق مفهوم الخدمة الشاملة كليا (Allinclusive) مؤطر بمفهوم السياحة الحلال.
ويقصد بهذا المفهوم أن جميع أنواع الطعام في المؤسسة الفندقية حلال، ولا تقدم أي مشروبات كحولية، ويضم الفندق أماكن للصلاة، وثمة مرافق منفصلة للنساء والرجال، سواء تعلق الأمر بالشواطئ أوالمسابح أوالسبا أومراكز اللياقة البدنية، فضلا عن وجود مناطق عائلية للسباحة (مختلطة)، شريطة الالتزام بملابس سباحة محتشمة للنساء والرجال، كما توفر هذه المؤسسات أنشطة ترفيهية للأطفال.
ويشدد سجكين على أن السياحة الصديقة للأسرة المسلمة ليست مقيدة، بل هي خدمة شاملة توفر الراحة لكل من يبحث عن مؤسسات فندقية تراعي الأسرة والاحتشام والخصوصية.
من أي يأتي نزلاء منتجعات تركيا؟
إلى جانب النزلاء من داخل تركيا، فإن أكبر الأسواق الدولية المصدرة للعائلات المسلمة التي تقصد المنتجعات الشاطئية التي تخدم السياحة الحلال في الريفيرا التركية تبقى أوروبا، وخصوصا من ألمانيا وبريطانيا وفرنسا وبلجيكا وهولندا، حيث توجد أعداد كبيرة ومتنامية من الجاليات المسلمة، خصوصا من الجيل الثاني والثالث من المهاجرين، الذين يبحثون عن أماكن عطلات تتوافق مع قيمهم الدينية.
كما تستقطب منتجعات السياحة الحلال في تركيا نزلاء من منطقة آسيا الوسطى، خاصة من أوزبكستان وكازاخستان وأذربيجان.
ورغم أن ثمة فئة من نزلاء هذه المنتجعات تأتي من دول مجلس التعاون الخليجي نتيجة القرب الثقافي والجغرافي وخطوط الطيران المباشرة بينها وبين تركيا، فإن هذا المنتج السياحي لا يزال غير معروف كثيرا لدى المسافرين في المنطقة الخليجية حسب ما يوضح الرئيس التنفيذي للتسويق في منصة حلال بوكينغ.
الفوارق بين المناطق التركية
مع أن منطقة الريفيرا تبقى في صدارة وجهات تركيا بالنسبة لسياحة العائلات المسلمة، فإن مناطق أخرى مثل إسطنبول وبورصة وكابادوكيا وقونيا وطرابزون تقدم الخدمة نفسها، ولكن بتجربة مختلفة تتناسب وطبيعة المكان.
إسطنبول: تضم مزيج من التراث الإسلامي ونمط العيش الغربي، وفيها خيارات الأكل الحلال متوفرة في كل مكان، إذ توجد مطاعم خالية من الكحول تطل على مشاهد خلابة لمضيق البوسفور. ورغم أن العديد من الفنادق تقدم المشروبات الكحولية، فإنها تؤمن إقامة خالية من الكحول عند طلب العميل.
بورصة:مدينة ثقافية ودينية بارزة في تركيا، فقد كانت العاصمة الأولى للإمبراطورية العثمانية، وهي معروفة بمنتجعاتها التي توفر خدمات الاستشفاء بالمياه الكبريتية، كما أن سكان بورصة معروفون بطابعهم المحافظ، مما يجعل الوجهة مثالية للعائلات المسلمة التقليدية.
كابادوكيا:المنطقة مشهورة بتشكيلاتها الصخرية الفريدة والفنادق الكهفية وركوب المناطيد الهوائية، تقدم كابادوكيا تجربة لا مثيل لها. ورغم أنها ليست متخصصة في منتجعات السياحة الحلال، فإن عددا من منصات الحجز تعرض أماكن تقدم طعاما حلالا.
أفيون:مشهورة بينابيعها الحرارية وسياحة العافية، وقد أصبحت المنطقة وجهة سياحية داخلية بارزة في مجال المنتجعات الصحية والحرارية المناسبة للباحثين عن السياحة الحلال. وتجمع أفيون بين التراث العثماني والفنادق الحرارية الحديثة الخالية من الكحول، مع مناطق منتجعات صحية معزولة بالكامل، وحمامات عائلية ومسابح خاصة.
قونيا:وجهة روحية ة بالصوفي الكبير جلال الدين الرومي، وة أيضا بالتراث السلجوقي، وتجذب المدينة المسافرين الباحثين عن الغنى الديني والثقافي.
منطقة البحر الأسود (طرابزون وريزا):معروفة بأوديتها الخضراء وشلالاتها وتلالها المزروعة بالشاي، تقدم محافظتا طرابزون وريزا بيئة مثالية للسياحة الطبيعية والعائلية. مناخ الصيف المعتدل والثقافة المحلية المحافظة يجعلانها وجهة مفضلة للعائلات القادمة من الشرق الأوسط الباحثة عن ملاذ هادئ
تركيا في التقارير الدولية
تحتل تركيا المرتبة الخامسة عالميا في تصنيف السفر الملائم للمسلمين ضمن تقرير حالة الاقتصاد الإسلامي في العالم 2024/2025، وتسبقها في هذا المجال كل من ماليزيا ثم إندونيسيا فالسعودية ثم الإمارات.
وبحسب تقرير حالة الاقتصاد الإسلامي العالمي 2024/2025 بلغ إنفاق المستهلكين على السفر المناسب لمتطلبات الأسر المسلمة 217 مليار دولار في عام 2023، ومن المتوقع أن يرتفع إلى 384 مليار دولار بحلول عام 2028.
ووفق للمؤشر العالمي لسفر المسلمين للعام 2025 فإن تركيا تحتل إلى جانب السعودية والإمارات المرتبة الثانية، خلف ماليزيا، وقد أحرزت تركيا تقدما بدرجتين مقارنة بتصنيف المؤشر للعام 2024، ويقول التقرير الصادر عن شركتي “ماستركارد” و”حلال تريب” إن تركيا تستفيد من إرثها الثقافي الغني في استقطاب السياح المسلمين من مختلف أرجاء العالم.
وضمن المؤشر العام ثمة مستويات فرعية للتصنيف، ومنها الوصول إلى الوجهة، وفيها 3 عناصر هي الربط الجوي ومتطلبات نيل التأشيرة والبنية التحتية للنقل، وفي هذا المؤشر الفرعي احتلت تركيا المرتبة الرابعة عالميا بعد الإمارات وقطر وسلطنة عمان.
في المؤشر الفرعي الخاص بمدى جذب المسافرات المسلمات، احتلت تركيا المرتبة الثانية عالميا خلف ماليزيا، وجاءت بعدها قطر ثم إندونيسيا فالإمارات، ويقيس هذا المؤشر ما يتعلق بعناصر جذب الوجهة السياحية للمرأة المسلمة، بما في ذلك من خدمات ومرافق مناسبة للنساء (الأمن والشمولية والتوافق مع المعتقدات الدينية).
