أنفقت كبرى شركات التكنولوجيا الأمريكية أكثر من 350 مليار دولار على البنية التحتية المرتبطة بالذكاء الاصطناعي خلال العام الماضي، مع توقعات بتجاوز حجم الإنفاق 400 مليار دولار بحلول 2026، في مستوى يفوق بكثير استثمارات أي دولة أخرى، وعلى رأسها الصين التي يُقدَّر إنفاقها بنحو 100 مليار دولار فقط.
ويرى مؤيدو هذا التوجه في الغرب أن ضخامة الإنفاق تعكس قوة الشركات الأمريكية وعمق أسواق رأس المال، بما يمنح الولايات المتحدة أفضلية حاسمة في ما يُوصَف بأنه سباق وجودي على مستقبل الذكاء الاصطناعي.
رهان شامل مقابل إستراتيجية أكثر توازنًا
في المقابل، يطرح هذا النهج تساؤلات جوهرية حول إذا كان التركيز المفرط على الذكاء الاصطناعي قد يؤدي إلى الفوز في هذا السباق تحديدًا، مقابل خسارة سباق أوسع في التفوق الاقتصادي الطويل الأمد.
وبينما اختارت الولايات المتحدة المراهنة شبه الكاملة على الذكاء الاصطناعي، تتبع الصين إستراتيجية أكثر تنوعًا، توزّع استثماراتها على مجالات متعددة تشمل السيارات الكهربائية والبطاريات والروبوتات والطاقة الشمسية وطاقة الرياح، إضافةً إلى التصنيع المتقدم. ورغم أن هذه القطاعات أقل بريقًا، فإن عوائدها تُعَد أقل مخاطرة وأكثر قابلية للتنبؤ.
ومع أن بكين تصف الذكاء الاصطناعي بأنه “أولوية إستراتيجية وطنية”، فإن أكبر إنفاقها يتجه نحو تقنيات الطاقة النظيفة والتصنيع. ففي عام 2024 وحده، استثمرت الصين نحو 940 مليار دولار في مشروعات الطاقة المتجددة والشبكات الكهربائية وتخزين الطاقة، وهو رقم يفوق بكثير استثماراتها في الذكاء الاصطناعي.
وادي السيليكون وهوس الذكاء الاصطناعي العام
تتعامل الصين مع الذكاء الاصطناعي بوصفه أداة داعمة للصناعة، لا غاية بحد ذاته لإنشاء “ذكاء فائق”، وهو هدف تضعه كافة الشركات التقنية الرائدة نصب عينها.
وفي المقابل، يبدو وادي السيليكون أكثر افتتانًا بالذكاء الاصطناعي، إذ تتداخل الأهداف التجارية مع تصورات شبه فلسفية حول الذكاء الاصطناعي العام (AGI).
ويؤمن تيار غربي بأن تحقيق الذكاء الاصطناعي المتقدم هو أسمى هدف للبشرية، مع قناعة باستمرار التقدم الأُسِّي للتقنية، مع أن التاريخ التكنولوجي غالبًا ما يشير إلى تباطؤ الابتكار بعد الطفرات الأولى.
ويُحذِّر مراقبون من أن الطبيعة الاحتكارية والمركّزة لقطاع التكنولوجيا الأمريكي تزيد أخطار “تفكير القطيع”، في ظل تمركز قرارات إنفاق ضخمة في أيدي عدد محدود من الشركات، وسط غموض مستمر حول العائد الاقتصادي الحقيقي للذكاء الاصطناعي. ويتزامن هذا التوجه مع تراجع الاستثمار الأمريكي في الطاقة النظيفة والبحث العلمي.
نماذج أقل تكلفة ونهج أكثر براغماتية في الصين
في الصين، تعتمد الشركات والحكومة بدرجة أكبر على نماذج ذكاء اصطناعي أبسط وأقل تكلفة، وغالبًا ما تكون مفتوحة المصدر، مقارنةً بالنماذج الأمريكية المتقدمة والمغلقة. ويُنظر إلى هذا النهج على أنه أكثر مرونةً وأقل كلفةً، مع تركيز على الاستخدامات العملية بدل السعي وراء تحقيق اختراقات نظرية كبرى.
وتشير الأرقام إلى أن هذه المقاربة بدأت تؤتي ثمارها؛ إذ تُنتج الصين نحو 70% من السيارات الكهربائية في العالم، وتسيطر على نسبة تتراوح بين 80% و 85% من تصنيع الألواح الشمسية عالميًا، إضافة إلى أكثر من 75% من إنتاج البطاريات.
ويرى محللون أن خطاب “سباق الذكاء الاصطناعي” يخدم أيضًا مصالح شركات التكنولوجيا في الولايات المتحدة، بوصفه أداة ضغط سياسي واقتصادي لتبرير مستويات إنفاق غير مسبوقة، والتحذير من أن أي تنظيم أو تدخل حكومي قد يُضعِف القدرة التنافسية للولايات المتحدة.
وفي المحصلة، يبقى السؤال مفتوحًا حول كون الذكاء الاصطناعي أهم مسار فعلًا للازدهار الاقتصادي في القرن الحادي والعشرين، أم أن الرهان الأحادي عليه قد يتحول إلى مخاطرة كبرى. وبالطبع ما زالت الإجابة غير معروفة، وقد لا تتضح إلا بعد سنوات، عندما يتبين إذا كان هذا الاستثمار الضخم يحقق رؤية بعيدة المدى أم مجرد هوس تقني مكلف.
