فشل الاتحاد الأوروبي الجمعة، في التوصل إلى اتفاق بشأن استخدام الأصول الروسية المجمدة لتمويل أوكرانيا، بعد قمة استمرت 16 ساعة في بروكسل، في انتكاسة كبيرة للمستشار الألماني فريدريش ميرتس ورئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين، فيما رحبت روسيا بالخطوة؛ معتبرة أن “القانون وصوت العقل انتصرا”.

واضطرت دول التكتل بدلاً من ذلك إلى الاتفاق على خطة طوارئ بديلة تقوم على الاقتراض المشترك للاتحاد الأوروبي، وهي الخطة التي دفع باتجاهها منذ أسابيع رئيس الوزراء البلجيكي بارت دي ويفر، وكانت تُعد احتمالاً ضعيفاً حتى ساعات قليلة قبل إبرام الاتفاق.

وقال ميرتس إن ​قادة الاتحاد الأوروبي قرروا بالإجماع تقديم ‌قرض لأوكرانيا بدون فوائد قيمته 90 مليار يورو (‍105.53 مليار دولار) لتغطية احتياجاتها التمويلية للجيش والميزانية ⁠للعامين المقبلين.

وفي ضربة إضافية لوحدة الاتحاد الأوروبي، لن تشارك ثلاث دول، المجر وسلوفاكيا وجمهورية التشيك، في الخطة، وفق بوليتيكو”.

في المقابل، قال كيريل دميترييف ‍المبعوث الخاص للرئيس الروسي فلاديمير بوتين لشؤون الاستثمار والتعاون الاقتصادي الجمعة ‌إن “القانون وصوت العقل” انتصرا، بعد أن قرر ‍قادة الاتحاد الأوروبي الاقتراض بدلاً من استخدام ‌الأصول الروسية المجمدة.

وكتب دميترييف على “إكس”، في إشارة إلى رئيسة مفوضية ‌الاتحاد الأوروبي أورسولا فون دير لاين “ضربة كبيرة لدعاة الحرب في الاتحاد الأوروبي بقيادة أورسولا الفاشلة – أصوات العقل في الاتحاد الأوروبي منعت الاستخدام غير القانوني للاحتياطيات الروسية لتمويل أوكرانيا”.

“دعمنا لأوكرانيا مضمون”

وقالت رئيسة الوزراء الدنماركية مِته فريدريكسن مع اختتام القمة عند الساعة الثالثة فجراً بتوقيت بروكسل: “الخلاصة بعد اليوم هي أن دعمنا لأوكرانيا مضمون”.

ويوفر هذا الاتفاق شريان حياة حاسماً لاقتصاد أوكرانيا المنهك بالحرب، في وقت تواجه فيه خطر أزمة سيولة وشيكة قد تبدأ في الربيع المقبل، مع استمرار صراعها مع روسيا للعام الرابع على التوالي.

ورغم أن الاتفاق يتيح للجميع الادعاء بتحقيق نصر، فإنه لم يكن الحل الذي كانت ألمانيا والمفوضية الأوروبية تدفعان باتجاهه قبل هذه القمة.

وقال رئيس الوزراء البلجيكي بارت دي ويفر: “بالطبع لم يعجب ذلك بعض الناس… فهم يريدون معاقبة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بأخذ أمواله”. لكنه أضاف أن “السياسة ليست عملًا عاطفياً”، وأن “العقلانية هي التي انتصرت”.

ضغوط أوروبية

على مدى أسابيع، كانت السلطة التنفيذية في الاتحاد الأوروبي وبرلين تضغطان على الدول الأعضاء لوضع اللمسات الأخيرة على خطة مثيرة للجدل لاستخدام ما يصل إلى 210 مليارات يورو من الأصول الروسية المجمدة لتمويل أوكرانيا. ونجح دي ويفر مرة أخرى في منع حدوث ذلك، بعد أن عرقل بالفعل خطة الأصول الروسية خلال قمة سابقة في أكتوبر.

وبدلاً من ذلك، اتفق القادة على الاقتراض المشترك بمبلغ 90 مليار يورو لتمويل قرض لأوكرانيا على مدى عامين، على أن يكون مضموناً من ميزانية الاتحاد الأوروبي المشتركة.

ورغم أن هذا الخيار لاقى قبولاً لدى دول جنوب أوروبا، فإنه لم يكن مفضلاً لدى ألمانيا وحلفائها من دول شمال أوروبا، الذين عارضوا تقليدياً تحمل ديون مشتركة لصالح شركائهم ذوي المديونية المرتفعة.

لكن في نهاية المطاف، فإن إلحاح احتياجات أوكرانيا التمويلية ويأس قادة الاتحاد الأوروبي من الحصول على الدعم الأميركي في وقت يتذبذب فيه موقف الرئيس دونالد ترمب ويتحدث فيه بوتين عن النصر، حسما الأمر، وفق “بوليتيكو”.

وكتنازل لألمانيا، فتح القادة الباب أمام استخدام الأصول الروسية المجمدة لسداد القرض الممنوح لأوكرانيا، على أن يُبحث ذلك في وقت لاحق.

تكتيكات بلجيكا

ومع معارضة بلجيكا الشديدة لخطة استخدام الأصول الروسية لتمويل القرض منذ طرحها لأول مرة، أمضى دبلوماسيون في الاتحاد الأوروبي وخبراء ماليون ليالي طويلة قبيل القمة لصياغة لغة قانونية دقيقة وتقديم ضمانات مالية إضافية لطمأنة رئيس الوزراء البلجيكي بارت دي ويفر.

وكانت المخاطر مرتفعة للغاية بالنسبة لرئيس الوزراء البلجيكي، نظراً لأن الجزء الأكبر من الأصول الروسية المجمدة في أوروبا محتجز لدى شركة الخدمات المالية “يوروكلير”، المسجلة في بلجيكا.

وطالب دي ويفر مراراً بأنه مقابل دعمه لهذه الخطة، ينبغي على دول الاتحاد الأوروبي تقديم مبالغ غير محدودة من الأموال لحماية بلجيكا في حال حاول الكرملين استعادة تلك الأموال.

ورغم أن تكتيكات دي ويفر التعطيلية لاقت شعبية داخل بلاده، فإنها جعلته منبوذاً داخل المجلس الأوروبي، حيث تلاعب قادة آخرون بفكرة متطرفة تتمثل في التصويت ضد بلجيكا كملاذ أخير لتمرير الاتفاق. غير أن ذلك لم يكن ضرورياً في النهاية.

وبينما كانت المفوضية تحاول يائسة إنقاذ خطة الأصول الروسية، كانت مجموعة منفصلة من الدول بقيادة بلجيكا وإيطاليا تخطط سراً لإحياء خيارها المفضل، وهو “الدين المشترك” للاتحاد الأوروبي.

وقال الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون للصحافيين: “لقد تبين أنه الحل الأكثر واقعية والأكثر عملية”.

وأكد ماكرون أن فرنسا لم تكن عائقاً أمام استخدام الأصول المجمدة الرورسية، مشيراً إلى أنه “من المفيد استئناف الحوار مع بوتين، وأن على الأوروبيين والأوكرانيين إيجاد الصيغة المناسبة”.

ميزانية الاتحاد الأوروبي

وبدأ يوم كامل من الحراك الدبلوماسي المحموم بدفع قادة الاتحاد الأوروبي قضية تمويل أوكرانيا الشائكة إلى أسفل جدول الأعمال، قبل أن يعودوا إليها لاحقاً في المساء بعد أن أعد مساعدوهم اتفاقاً خلف الأبواب المغلقة.

وقال دبلوماسي في الاتحاد الأوروبي: “هناك تداخل بين القضايا الثلاث المطروحة في القمة: اتفاقية ميركوسور، والأصول الروسية، وميزانية الاتحاد الأوروبي المقبلة”.

وكان واضحاً منذ البداية أن ميرتس، الذي يواجه تحدياً جدياً في الداخل من حزب البديل من أجل ألمانيا اليميني المتطرف، لا يستطيع تحمل العودة إلى برلين دون إنجاز.

وإلى جانب دعمه لخطة الأصول الروسية، يُعد المستشار الألماني مؤيداً لاتفاق التجارة مع دول أميركا الجنوبية (ميركوسور)، الذي ظل معلقاً لعقود وكان من المفترض توقيعه هذا الأسبوع.

لكن سرعان ما اتضح أن رئيسة الوزراء الإيطالية جورجيا ميلوني، ستحاول إفشال مشروعي ميرتس المفضلين. فقد نجحت في تأجيل اتفاق ميركوسور إلى يناير، وعملت بتنسيق مع دي ويفر على تفكيك خطة الأصول الروسية خطوة بخطوة.

وقالت ميلوني: “لقد انتصر المنطق السليم”.

شاركها.