اخبار تركيا

في ظل تصاعد تحديات أمن الطاقة وارتفاع كلفة الاستيراد، تمضيتركيافي اتخاذ خطوات عملية لتطويرالمفاعلات النوويةالصغيرة ودمجها ضمن مزيجها الوطني للطاقة، باعتبارها أحد الخيارات الإستراتيجية لتعزيز الاستقلال الطاقي. وفقا لتقرير نشرته شبكة الجزيرة القطرية.

وذكرت الجزيرة أن هذا التوجه لا يقتصر على البحث عن مصدر إضافي للكهرباء، بل يعكس مسعى أوسع لتأمين طاقة نظيفة ومستقرة، وتوطين التكنولوجيا النووية، وتعزيز السيادة في واحد من أكثر القطاعات حساسية وتأثيرا في القرارين الاقتصادي والسياسي.

وتعتمدأنقرة بحسب الجزيرة مقاربة مرحلية واضحة لتوطين تكنولوجيا المفاعلات النووية الصغيرة وبناء قاعدة محلية مستدامة في هذا القطاع، تقوم على الانتقال التدريجي من الإعداد التشريعي والمؤسسي إلى التنفيذ الصناعي الواسع النطاق.

ووفق هذه المقاربة، وضعت الحكومة خريطة طريق تبدأ بمرحلة تحضيرية تمتد بين عامي 2025 و2029، تركز على استكمال الأطر القانونية والتنظيمية، وإنجاز دراسات الجدوى الفنية والاقتصادية، وإرساء شراكات دولية أولية تتيح نقل المعرفة وبناء الخبرات.

وفي المرحلة اللاحقة، الممتدة بين 2030 و2034، تخطط تركيا للانتقال إلى التطبيق العملي عبر إطلاق مشاريع فعلية، واستكمال البنية الرقابية، والبدء ببناء وتشغيل نماذج تجريبية من المفاعلات الصغيرة، بالتوازي مع اختبار نماذج تمويل جديدة، في مقدمتها الشراكات بين القطاعين العام والخاص.

أما بعد عام 2035، فتستهدف أنقرة تسريع وتيرة الانتشار التجاري لهذه المفاعلات، ورفع نسبة المكوّن المحلي في المشاريع إلى ما يتجاوز 50%، بما يتيح لها التحول من دولة مستوردة للتكنولوجيا إلى مركز إقليمي لتصنيع المفاعلات المعيارية الصغيرة وتصديرها.

ويعكس هذا المسار حرص تركيا على ترسيخ السيادة التقنية في المجال النووي وتعظيم القيمة المضافة للصناعة المحلية. فقد شكّل مشروع محطة “آق قويو” النووية، رغم تنفيذه بالشراكة معروسيا، نموذجا أوليا في هذا الاتجاه، بعدما بلغت نسبة المحتوى المحلي فيه نحو 56% من أعمال الإنشاء والخدمات، وهو ما تسعى الحكومة إلى البناء عليه وتوسيعه في مشاريع المفاعلات الصغيرة المقبلة.

وتشير التقديرات الرسمية إلى أن توطين أجزاء أساسية من سلسلة إنتاج المفاعلات المعيارية سيؤدي إلى نشوء سلاسل توريد محلية جديدة، ويوفر فرص عمل عالية المهارة.

وفي هذا الإطار، أُسست هيئة الأبحاثوالطاقة النوويةالتركية عام 2020 لتقود جهود البحث والتطوير وبناء الكوادر الوطنية في مجالات الوقود النووي والتقنيات المتقدمة، ضمن هدف معلن يتمثل في بلوغ قدر متقدم من الاستقلال التقني.

وبالتوازي مع ذلك، تستعد الحكومة لعرض مشروع قانون شامل على البرلمان لتنظيم قطاع المفاعلات النووية الصغيرة، يتضمن حوافز استثمارية على غرار نموذج “مناطق مصادر الطاقة المتجددة”، بهدف استقطاب المستثمرين المحليين والدوليين وتشجيع شراكات القطاع الخاص.

في هذا السياق، ترى الباحثة في شؤون الطاقة جيران بيلتكين أن المفاعلات النووية الصغيرة تمثل فرصة واقعية أمام تركيا لتعزيز أمنها الطاقي، حتى وإن لم تحقق استقلالا كاملا بالمعنى التقني الصارم على المدى القصير.

وتوضح بيلتكين للجزيرة نت أن القيمة الأساسية للمفاعلات النووية الصغيرة لا تكمن فقط في إنتاج الكهرباء، بل في كونها أداة لبناء استقلال وظيفي تدريجي، عبر تعزيز موثوقية الشبكة الكهربائية ودعم انتقال تركيا نحو مزيج طاقة أكثر توازنا واستدامة.

وتؤكد الباحثة أن الحد الفاصل بين تنويع الشراكات وتعميق التبعية يرتبط بكيفية إدارة العقود ونقل المعرفة، لا بطبيعة الشراكات بحد ذاتها. فكلما نجحت أنقرة في تنويع موردي التكنولوجيا والوقود، وفرض محتوى محلي متزايد، وبناء قدرات تنظيمية وتشغيلية وطنية، تحولت المفاعلات الصغيرة إلى رافعة سيادية تعزز مرونة قطاع الطاقة بدل أن تقيده.

وتخلص بيلتكين إلى أن المسار النووي التركي، بما فيه المفاعلات الصغيرة، يسير ضمن رؤية براغماتية تدرك حدود الواقع، لكنها تراهن على التراكم التدريجي للخبرة والقدرة المحلية. إذ يمكن للمفاعلات النووية الصغيرة أن تشكل عنصرا محوريا في إستراتيجية تركيا الطويلة الأمد لأمن الطاقة، عبر تقليص التبعية الخارجية، وتحويل الشراكات الدولية إلى أدوات لبناء قوة ذاتية مستدامة.

تحركت تركيا مبكرا نحو بناء شبكة واسعة من الشراكات الدولية في مجال المفاعلات النووية المعيارية الصغيرة. ففي مارس/آذار 2020، وقّعت شركة الكهرباء التركية الحكومية مذكرة تفاهم مع شركة “رولز رويس” البريطانية لدراسة الجدوى الفنية والاقتصادية والقانونية لتطبيق مفاعلاتها المعيارية الصغيرة في تركيا، مع بحث إمكانية التصنيع المشترك داخل البلاد.

وتوسع هذا المسار في سبتمبر/أيلول الماضي، حين أُعلن خلال زيارة رسمية للرئيس التركيطيب رجب أردوغانإلىواشنطنعن توقيع مذكرة تفاهم للتعاون الإستراتيجي في مجالالطاقة النوويةالمدنية بين تركياوالولايات المتحدة، تستهدف تطوير تقنيات نووية متقدمة، بما فيها المفاعلات الصغيرة.

وفي نوفمبر/تشرين الثاني من العام نفسه، شهدت أنقرة توقيع مذكرة تفاهم أخرى بين الشركة التركية للطاقة النووية وشركة كهرباءكوريا الجنوبية، بحضور رئيسي البلدين، وتركز على تبادل الخبرات التقنية وتمهيد الطريق لمشاريع نووية مشتركة.

وفق خطة الطاقة الوطنية 2035، تستهدف أنقرة بلوغ قدرة نووية مركبة تقارب 7 غيغاواط و200 ميغاواط بحلول عام 2035، وهو مستوى يعادل عمليا تشغيل محطتين نوويتين كبيرتين إلى جانب عدد محدود من المفاعلات الصغيرة.

ومن شأن هذه القدرة، في حال تحقيقها، أن تغطي نحو 10% من إجمالي إنتاج الكهرباء في البلاد بحلول منتصف العقد المقبل.

وتعتمد هذه المقاربة أساسا على استكمال تشغيل محطة “آق قويو” النووية في ولاية مرسين، بقدرة إجمالية تبلغ 4 غيغاواط و800 ميغاواط موزعة على 4 وحدات، قبل نهاية العقد الحالي، بالتوازي مع بدء تنفيذ المحطة النووية الثانية المخطط لها في سينوب، بحيث تدخل أولى وحداتها الخدمة في النصف الأول من ثلاثينيات القرن الحالي.

وفي هذا الإطار، يُنظر إلى إدخال وحدات من المفاعلات النووية الصغيرة بوصفه عنصرا تكميليا قد يسهم في تسريع بلوغ هدف 2035، في حال نجاح المشاريع التجريبية المزمع إطلاقها خلال السنوات المقبلة.

أما على المدى الأبعد، فتسعى تركيا إلى إحداث قفزة نوعية في قدراتها النووية لتصل إلى نحو 20 غيغاواط بحلول عام 2050، وهو هدف جرى تثبيته ضمن وثيقة “رؤية الطاقة 2053” التي أعلنها الرئيسأردوغان.

وضمن هذا التصور، تخطط أنقرة لبناء 3 محطات نووية كبيرة، في مواقع “آق قويو” وسينوب وتراقيا، تضم ما يقرب من 12 مفاعلا تقليديا من الجيل الثالث المتقدم، إلى جانب نشر شبكة واسعة من المفاعلات النووية الصغيرة قد يصل عددها إلى 15 أو 20 وحدة موزعة جغرافيا، لتوفير نحو 5 غيغاواط من القدرة الكهربائية.

شاركها.