خلفان الطوقي
وُقِّعَتْ قبل أيام أهم الاتفاقيات التّجارية بين سلطنة عُمان وجمهورية الهند؛ وهي اتفاقية الشراكة الاقتصادية الشاملة، وهي من أعلى مستويات الاتفاقيات التي تُبرم بين الدول، وكانت التصريحات الحكومية الرسمية قد أوضحت المزايا العديدة لهذه الاتفاقية من زوايا مختلفة؛ كجذب رؤوس أموال عديدة من الهند ومن دول أخرى، وزيادة الصادرات، ومضاعفة التجارة البينية بين البلدين، والتنويع في مصادر الدخل الحكومي، وفتح أسواق وفرص تجارية جديدة، وغيرها الكثير من الإيجابيات المُتوقعة، وقد طمأنت التصريحات الحكومية المجتمع، وأزالت عنهم الهواجس المُبالَغ فيها من حيث سياسات التعمين والإغراق التجاري، ولكن رغم ذلك، ما تزال هناك فئة من أفراد المجتمع لديها قناعات مختلفة ومُصرَّة عليها، وهذا شيء طبيعي، ومثل هذه الفئة موجودة في كل الدول والمجتمعات.
الحكومة ومن خلال فريقها التفاوضي، قامت لأكثر من عامين تقريبًا بإجراءات التفاوض من أجل التوقيع على الاتفاقية، وهذا جُهد جبار واستثنائي يُشكرون عليه، لكن هناك عمل أكبر في انتظار الحكومة والقطاع الخاص في قادم الأيام، والعمل القادم لا بُد أن يكون على قدر أهمية هذه الاتفاقية، وأهم هذه الأدوار مجموعة من “التاءات”، وهي أدوار مُهمة تبدأ بحرف التاء؛ وأبرزها:
- ترويج وتسويق كل المزايا والفرص التي يمكن أن يستفيد منها القطاع الخاص بلغة سهلة، فلا يمكن لغير القانونين والمكاتب الاستشارية قراءة بنود ونصوص بحجم كتاب معقد، لذلك فإن تلخيصها للفئة المستهدفة أمر في غاية الأهمية، والقيام بخطوات نوعية مثل فتح مكاتب تجارية في الولايات الهندية المستهدفة.
- تعظيم الفرص الرحبة، فكما هو متوقع لن تكون للشركات العُمانية والهندية فقط، والذكاء هو كيفية تعظيم الفائدة لتشمل كل المستثمرين من كل أنحاء العالم.
- توثيق كل قصص النجاح، ووضعها ضمن سردية تُقال وتُنقَل عند كل لقاء أو اجتماع تجاري أو مؤتمر استثماري.
- تكرار الحديث عن المزايا: بكل تأكيد وبدون أدنى شك سوف تكون هناك قصص نجاح من خلال هذه الاتفاقية، ولا بُد من التركيز عليها، والاستفادة من أي دروس لضمان تكرار هذه النجاحات، وتقليل الإخفاقات قدر الإمكان، ومن المنطق في كل تجربة تجد تجارب ناجحة وجزءا منها يفشل، والذكاء يكمن في تكرار الناجح من التجارب والممارسات، وتفادي دون ذلك.
- توعية: في كل خطوة تُنفَّذ، تجد لغطًا وضوضاء عند البعض، ولتقليلها لا بُد من تنفيذ برامج تعريفية وتوعوية مستمرة، وإلّا تسبب بعض أفراد المجتمع الذين لا ناقة لهم في هذه الاتفاقية في التأثير السلبي على الفئة المستهدفة والمختصة.
- تقييم نجاحات هذه الاتفاقية، والتي لن تتحقق بين ليلة وضحاها؛ لذلك فإنَّ تقييم مكوناتها أمر جوهري، وإيجاد كل الثغرات التي تمكن القطاع الخاص العُماني والهندي للاستفادة القصوى منها.
- تفعيل: العبرة ليست في التوقيع على اتفاقية الشراكة الاقتصادية الشاملة، وإنما التحدي يكمن في ما بعد الاتفاقية؛ فهذه الاتفاقية ليس العُمانيون هم الوحيدون الموقعون على مثل هذه الاتفاقية؛ لذلك التحدي الكبير يتمثل في الحصول على جزء من الكعكة الاستثمارية، وما لا يُدرك كله، لا يترك جُله، ويكون ذلك في صورة من الخطوات والقرارات والسياسات والمبادرات اللاحقة عقب بدء تطبيق بنود الاتفاقية على أرض الواقع، وقد ذكرتُ بعضها أعلاه كخطوط عريضة، ويبقى الباقي والخطط الميدانية التفصيلية عند الأجهزة الحكومية التنفيذية المختصة وشركاءهم في القطاع الخاص.
وأخيرًا.. إنَّ سلطنة عُمان دخلت في هذا المعترك الشرس، وليست وحدها في هذا السباق المحموم؛ سباق الاستثمار وزيادة التبادلات التجارية، وعليها أن تُدرك ذلك، ومن خلال مجهودها القادم يمكن لها إمَّا أن تستفيد بشكل ضئيل أو متوسط أو عظيم، والنتيجة لن تعتمد على الظروف وإنما على حجم وذكاء الجهود المرتقبة.
