سالم بن نجيم البادي

 

عاد الحديث مرةً أخرى عن حوادث نسيان الطلبة في الحافلات المدرسية، بعد أن انتشر مقطعٌ مصوَّر لمُواطنة وهي تنقذ طفلًا داخل حافلة مُتوقفة، وقد نجا هذا الطفل بلطفٍ من الله ثم بمرور هذه المرأة.

لكنَّ الحادثة أثارت ذكرياتٍ أليمة لحوادث سابقة توفي فيها أطفال أبرياء في عمر الزهور نتيجة نسيانهم في الحافلات.

إنَّ ما حدث لهذا الطفل الذي أنقذته تلك المرأة مُؤشرٌ يعني أنَّ شيئًا لم يتغير، وأن حوادث نسيان الطلبة يمكن أن تتكرر، وأن الإجراءات التي اتخذتها الجهات المختصة لعدم تكرار نسيان الطلبة في الحافلات غير كافية وغير مجدية، وأن الإرشادات والتنبيهات على سائقي الحافلات، وحتى العقوبات التي طُبِّقت على السائقين الذين تم نسيان طلبة في حافلاتهم، لم تردع بعض السائقين حتى الآن.

سائق الحافلة يتحمل المسؤولية الكبرى؛ فهو لا يحمل في حافلته بضاعةً حتى نعذره إن نسي غرضًا ما، لكنه يحمل أمانةً غالية: إنسانًا صغيرًا لا يجيد التصرف السليم، وقد يغلبه النوم أو ينشغل باللعب أو السرحان والتحليق مع أحلامه الصغيرة. والغريب أن يغفل السائق عن تفقد حافلته حتى يتأكد من أن جميع الأطفال قد غادروا الحافلة.

وللأسرة دورٌ رئيسي كذلك؛ فلا يُعقل أن يتأخر الطفل عن العودة إلى المنزل في الموعد المُعتاد دون أن يفتقده أحد من أفراد الأسرة.

وتتحمل إدارة المدرسة والمعلمون وكل العاملين في المدرسة جزءًا من المسؤولية من خلال المتابعة اليومية والتأكيد المستمر على سائقي الحافلات بضرورة التأكد من نزول الطلبة من الحافلة، وتفعيل المناوبة اليومية للمُعلمين، وعلى المعلم المناوب التواصل مع السائق عبر الهاتف منذ ركوب الطلبة في الحافلة وحتى وصولهم إلى منازلهم وفي حالة غياب الطالب عن المدرسة يتم التواصل مع ولي أمره لمعرفة أسباب الغياب والتأكد من أن ولي الأمر على علم بأن ابنه غير موجود في المدرسة في ذلك اليوم.

ولا تُعفى الجهة التي وظفت السائق من المسؤولية، ويمكن توظيف مشرف في كل حافلة بأجرٍ يومي، حتى لو كان زهيدًا، تكون مهمته التأكد من ركوب الطلبة من منازلهم ونزولهم في المدرسة، ثم ركوبهم من المدرسة ونزولهم في منازلهم بعد نهاية الدوام. كما يمكن الاستعانة بوسائل التقنية الحديثة والاستفادة من تجارب بعض المدارس الخاصة في هذا المجال.

وقد اطلعت على تجربة مدرسة سوار العلم في ولاية عبري، وهي تجربة رائدة، حدثني عنها صاحب المدرسة الفاضل يوسف بن يعقوب الحاتمي؛ حيث إنَّ المدرسة بدأت في استخدام تطبيق «سمارت باص» منذ ثلاث سنوات، وهو التطبيق الذي يُتيح تتبع الطلبة منذ ركوبهم الحافلة من البيت وحتى نزولهم إلى المدرسة، ثم ركوبهم من المدرسة وحتى نزولهم في المنزل. وكل ذلك يصل في تقريرٍ مفصل إلى ولي الأمر، الذي يجب عليه تنزيل التطبيق في هاتفه. كما يرسل التطبيق إشعارات إلى ولي الأمر عند اقتراب الحافلة من المنزل وعند توقفها عند باب المنزل، ويساعد في منع إغلاق باب الحافلة إلا إذا كانت الحافلة فارغة من الطلبة ويوضح التطبيق كذلك إذا كان الطالب غائباً عن المدرسة ولم يركب الحافلة وهذا التطبيق ناجح تمامًا، وكما أفاد الفاضل يوسف الحاتمي، فإن التطبيق نال إعجاب ورضا أولياء الأمور وجعلهم أكثر ثقةً في مدرسة سوار العلم.

إنَّ على كل الجهات التي لها علاقة بسلامة الطلبة في الحافلات التعاون والتنسيق فيما بينها، والبحث عن الحلول الناجعة التي تمنع تكرار حوادث نسيان الطلبة في الحافلات، حتى لا تتكرر حوادث وفاة الأطفال في الحافلات بعد نسيانهم فيها، وحتى لا نندم حين لا ينفع الندم.

شاركها.