حاتم الطائي
◄ المؤشرات الاقتصادية المتقدمة لم تنعكس على معيشة المواطن حتى الآن
◄ ضرورة دراسة عوائد كل مشروع استثماري وضمان توفير الوظائف للمواطنين
◄ صناعة السلاح أكبر خطر يواجه العالم.. ولا بُد من نزع الفتيل قبل فوات الأوان
نقف جميعًا على أعتاب عام ميلادي جديد، عامٌ تتزايد معه البُشريات والتَّطلعات بالخير والنجاح والفرح والسَّعادة والسلام والاستقرار، ليس فقط على المستوى الشخصي لكل فردٍ منَّا، لكن أيضًا على مستوى الوطن، عُماننا الغالية، والأمة العربية، والعالم أجمع.
نقول ذلك وقد شهدت الأعوام القليلة الماضية، تطورات هائلة غيّرت من شكل الدول والأنظمة وطبيعة المعيشة؛ فعلى المستوى الداخلي في بلادنا الحبيبة، نجحنا في خفض الدين العام وكذلك عجز الميزانية، واستطعنا تحقيق فائض في الميزانية العامة للدولة، وعادت عجلة الإنتاج إلى الكثير من المصانع، وزادت الاستثمارات في الكثير من القطاعات. لكن في المقابل واجهنا تحديات أخرى، مثل الباحثين عن عمل وقضية المُسرَّحين، وضعف القوة الشرائية نتيجة لارتفاع الأسعار وثبات أو تراجع الرواتب، وتباطؤ الاقتصاد، وضعف أداء القطاع الخاص، وغيرها من الأسباب. ولا شك أنَّ مثل هذه التطورات تفرض على مُتخذي القرار تبني خطط عمل تتماشى مع الأهداف الطموحة التي تسعى إليها رؤية “عُمان 2040″، ليس فقط من حيث المؤشرات الصادرة عن مختلف الجهات، لكن على أرض الواقع، فما فائدة تحقيق مُؤشرات بنسبة مئوية مُتقدمة، بينما لا ينعكس ذلك على معيشة المواطن، فرغم ما يتحقق من مؤشرات إيجابية بعضها يصل إلى ما يزيد عن 70%، إلّا أنَّ المواطن يشكو من ارتفاع تكلفة المعيشة، ونُدرة فرص العمل، وربما غياب اخبار عمان الاستراتيجية لدى البعض من الجهات والمسؤولين.
ولهذا نأمل في العام الجديد، أن نطلع على خُطط كل جهة ومُستهدفاتها لعام 2026، وأخصُ بالتحديد مُستهدف التوظيف، فلا يكفي أن تُعلن الحكومة عزمها توفير بضعة آلاف من الوظائف، بينما أعداد الباحثين عن عمل بعشرات الآلاف، فضلًا عن أعداد المُسرَّحين الآخذة في الزيادة. وكذلك الحال بالنسبة للأوضاع المعيشية للمواطن، نأمل أن يُطالعنا المسؤولون بأخبار سارة تتحدث عن زيادات في الرواتب ومنافع الحماية الاجتماعية، لا سيما للفئات الأشد احتياجًا ومحدودي الدخل، فضلًا عن حوافز وتسهيلات جديدة لروّاد الأعمال.
وفي جوانب الاستثمار، نأمل أن تضع الجهات المعنية “المُضاعِف الاقتصادي” نصب أعينها؛ إذ يتعين تحديد العوائد الاقتصادية المتحققة من كل ريال يُنفق في السوق، سواء من حيث عدد الوظائف التي يوفرها المشروع أو القيمة المحلية المضافة أو غيرها من المُستهدفات الاقتصادية.
وإذا ما انتقلنا إلى مستوى إقليمنا الذي من المؤسف أنَّه ساحة صراع لأطماع إقليمية ودولية ويخضع لتوجهات قوى استعمارية باطشة، فإنَّ الآمال تتعاظم بأن يحل السلام أولًا في فلسطين الصمود وغزة العزة، ومُعاقبة الاحتلال الإسرائيلي على جرائم الإبادة الجماعية في القطاع، واستكمال محاكمة مجرمي الحرب قادة الاحتلال أمام المحكمة الجنائية الدولية. ويحدونا الأمل كذلك في أن تتوقف بعض القوى الإقليمية عن أطماعها في الدول العربية، وأن يُترك الأمر للشعوب لاختيار من يحكمها، انطلاقًا من مبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول.
أما عالميًا، فلا شك أنَّ أكبر خطر يواجه العالم اليوم، هو صناعة السلاح والمبالغة في الصفقات العسكرية، بتحريض كامل من الولايات المتحدة الأمريكية؛ فخطورة هذه الصناعة الدموية أنها تؤجج الصراعات وتُفاقم التوترات الجيوسياسية، وتخلق مناخًا قابلًا للاشتعال في أي لحظة. وما الصفقة الأمريكية المزعومة مع تايوان إلّا دليل صارخ على هذا النهج غير المسؤول، فما الذي تستهدفه الولايات المتحدة من تقديم أسلحة بأكثر من 11 مليار دولار لإقليم تابع لجمهورية الصين الشعبية، والمُجتمع الدولي يؤمن بمبدأ “الصين الواحدة”؟ إنَّ مثل هذه المساعي المدعومة من إدارة الرئيس دونالد ترامب، تستهدف زعزعة الاستقرار في تلك البقعة، واستغلال ورقة تايوان للضغط على الصين والحد من قوتها المتصاعدة اقتصاديًا وسياسيًا، والتي تقوم على التنمية والتعاون مع دول العالم، على عكس الولايات المتحدة التي تستغل الصراع والابتزاز السياسي لفرض رؤيتها التي تخدم مصالحها فقط، حتى لو كان الثمن حياة الأبرياء حول العالم.
التحريض الأمريكي على عسكرة العالم، يتجلى كذلك في أوروبا؛ إذ تسعى واشنطن لإلزام الدول الأوروبية بتخصيص 5% من ناتجها المحلي على الإنفاق العسكري، والحقيقة الدامغة تؤكد أنه كلما زاد الإنفاق على التسلُّح، تسبب في نشوء العديد من النزاعات المسلحة والحروب وتراجع الأمن والأمان حول العالم.
ويبقى القول.. إن حالة اللايقين التي تسود العالم وتؤثر على كل بقعة فيه، بما فيها نحن في سلطنة عُمان، تسببت فيها السياسات غير الواقعية من الرئيس الأمريكي دونالد ترامب؛ إذ إن تأجيج الصراعات وصناعة السلاح وعسكرة المناطق حول العالم، وتهديد الدول ذات السيادة مثل فنزويلا وكولومبيا وشحن التوتر فيما يخص ملف تايوان، كلها مُعطيات تبرهن على الخطر المُحدِّق بالعالم، وأن الحل يكمُن في الإيمان بالسلام القائم على العدل ومبادئ الحريات والتحرر من الاستعمار والتبعية، لا سلام الذُل أو الاستسلام؛ فالعالم من حولنا ووطنا العربي الكبير يحلم بالتنمية والرخاء والازدهار، ولا يريد الحروب أو الصراعات الدموية، لذا على دُعاة الحرب وأمرائها أن يتوقفوا عن النفخ في نيرانها، حتى لا تأكل الجميع!
