تواجه جهود إنهاء حرب أوكرانيا، تحديات كبيرة بسبب الخلافات بشأن “شروط السلام”، فبينما شددت موسكو على تمسكها بمطالبها، بما في ذلك تخلي أوكرانيا عن الانضمام لحلف الناتو، والانسحاب من أربع مناطق تعتبرها جزءاً من أراضيها، تؤكد كييف، ضرورة ضمان سلام عادل ومستقر مع الحفاظ على أراضيها، فيما أعربت كييف عن ترحيبها بمقترح أميركي لعقد محادثات ثلاثية مباشرة تشمل واشنطن وموسكو.
وتكثّفت الجهود الدبلوماسية، التي تقودها الولايات المتحدة، خلال اليومين الماضيين، مع عقد محادثات أميركية منفصلة مع مسؤولين روس وأوكرانيين وأوروبيين، وسط إشارات متباينة بشأن فرص التوصل إلى تسوية.
وفي موسكو، أبدى المتحدث باسم الكرملين ديميتري بيسكوف، استعداد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، لإجراء محادثات مع نظيره الفرنسي إيمانويل ماكرون، “إذا توفرت إرادة سياسية متبادلة”، مؤكداً أن موسكو تنظر بإيجابية إلى أي مسار دبلوماسي يقوم على التفاهم المتبادل، وذلك في أعقاب تصريحات ماكرون التي دعا فيها أوروبا إلى “إيجاد وسيلة للتواصل المباشر مع بوتين”.
وأضاف ماكرون للصحافيين في بروكسل، الخميس الماضي: “إما أن يتم التوصل إلى سلام دائم في المفاوضات الحالية، أو نجد طرقاً للأوروبيين لإعادة الانخراط في حوار مع روسيا، بشفافية وبمشاركة أوكرانيا”، وأضاف: “سيصبح من المفيد التحدث مجدداً إلى بوتين”.
جاء ذلك بالتزامن مع اجتماع عقده مفاوضون أميركيون مع مسؤولين روس في مدينة ميامي الأميركية، ضمن مساعٍ تقودها إدارة الرئيس دونالد ترمب لدفع أطراف النزاع نحو اتفاق ينهي الحرب. وسبق هذه المحادثات، لقاءات أميركية مع مسؤولين أوكرانيين وأوروبيين لبحث مقترحات جديدة في خطة السلام.
ووصف المبعوث الخاص للرئيس الروسي، كيريل دميترييف، المحادثات مع الجانب الأميركي، بأنها “بنّاءة”، فيما أكد البيت الأبيض اختتام الاجتماعات، مع الإشارة إلى احتمال مشاركة وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو في جولات لاحقة من المحادثات. وأقر روبيو بإحراز “تقدم محدود”، محذراً في الوقت ذاته من أن الطريق لا يزال طويلاً.
محادثات ثلاثية
في المقابل، أعلن الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي دعم بلاده لمقترح أميركي بعقد محادثات ثلاثية تضم الولايات المتحدة وروسيا وأوكرانيا، شريطة أن تسهم في توسيع عمليات تبادل أسرى الحرب وتمهد لاجتماعات على مستوى القادة.
وأكد زيلينسكي أن كييف وحلفاءها الأوروبيين، يجب أن يواصلوا دعم المسار الذي تقوده واشنطن، معتبراً أنه “يستحق المحاولة”.
وقال زيلينسكي خلال مؤتمر صحافي مشترك مع رئيس الوزراء البرتغالي، لويس مونتينيجرو: “قالت الولايات المتحدة إنها ستعقد اجتماعاً منفصلاً مع ممثلي روسيا، وحسب ما أفهم فقد طُرح شكل محادثات أوكرانيا-الولايات المتحدة-روسيا، وبما أن هناك أيضاً ممثلين عن أوروبا، فمن المحتمل أن تشارك أوروبا كذلك. لكن من المنطقي قبل عقد اجتماع مشترك أن نقيم أولًا نتائج المحادثات بين الولايات المتحدة وأوكرانيا، وما إذا كانت إيجابية أم لا، ثم نبني على ذلك”، حسبما نقلت مجلة “بوليتيكو”.
ورغم هذا الحراك، تشير تقارير استخباراتية أميركية إلى أن الرئيس الروسي “لا يزال متمسكًا بأهدافه القصوى”، بما في ذلك السيطرة الكاملة على أوكرانيا، وهو ما يتناقض مع الحديث عن استعداد موسكو لتقديم تنازلات. وكان بوتين قد أكد مؤخراً أن شروط بلاده لإنهاء الحرب لم تتغير، وتشمل تخلي أوكرانيا عن الانضمام إلى حلف شمال الأطلسي، والانسحاب من أربع مناطق تقول روسيا إنها ضمتها، وهي مطالب ترفضها كييف.
وفي تصريحات أدلى بها بعد المحادثات التي جرت في ألمانيا، لمح ترمب إلى أن على أوكرانيا التخلي عن أراضٍ لا تسيطر عليها روسيا حالياً، وهو مطلب رفضه زيلينسكي مراراً.
ضمانات أمنية وانتخابات رئاسية
وأكد زيلينسكي أن كييف وشركاءها “يعملون بعناية على كل نقطة وكل خطوة في أي اتفاق، بهدف التوصل ليس إلى تصور لتقسيم الأراضي والموارد، بل إلى اتفاق يحقق سلاماً مستقراً ودائماً، وضمانات أمنية موثوقة”. وأضاف: “بالنسبة لنا، من المهم تحقيق سلام عادل”.
وأشار الرئيس الأوكراني، إلى أن بلاده تريد معرفة ما الذي سيفعله الشركاء في حال شنت روسيا هجوماً جديداً بعد انتهاء الحرب الحالية، موضحاً أن ذلك يشمل “حزمة الردع، وشكل الجيش الأوكراني، وحزمة العقوبات التي سيتم تطبيقها”.
وبموجب خطة السلام الأولية المكونة من 28 نقطة، والتي عملت الولايات المتحدة على إعدادها بالتعاون مع روسيا، يُفترض أن تجري أوكرانيا انتخابات رئاسية. وفي هذا الشأن، قال زيلينسكي إن إجراء الانتخابات يتطلب إما وقف إطلاق النار أو إنهاء الحرب. وأضاف: “شركاؤنا الأميركيون طرحوا هذا السؤال، وأعتقد أنه إذا طرحوه فهم يعرفون كيف يمكنهم مساعدتنا على ضمان إجراء انتخابات آمنة”.
وفي حين سبق أن مارس ترمب ضغوطاً على أوكرانيا للتوصل إلى اتفاق مع روسيا، قال روبيو، الجمعة، إن المفاوضين الأميركيين لا يمارسون ضغوطاً شديدة على كييف.
من جانبها، أكدت مديرة الاستخبارات الوطنية الأميركية، تولسي جابارد، أن تقديرات الاستخبارات الأميركية “لا تشير إلى سعي روسيا لخوض حرب أوسع مع حلف الناتو، في نفي مباشر لتقارير أميركية تحدثت عن تهديد روسي وشيك بتصعيد المواجهة مع الناتو.
واتهمت جابارد، في بيان على منصة “إكس”، وكالة “رويترز”، بنشر “أكاذيب ودعاية”، قائلة إن الوكالة “تدفع عمداً رواية تخدم دعاة الحرب الذين يسعون إلى تقويض جهود الرئيس الأميركي دونالد ترمب لإنهاء الحرب”، التي قالت إنها أسفرت عن سقوط أكثر من مليون ضحية من الجانبين.
تقديرات استخباراتية أميركية
واعتبرت أعلى مسؤولة استخباراتية أميركية، أن “رويترز”، تروّج “بشكل خطير لرواية كاذبة تهدف إلى عرقلة مساعي الرئيس ترمب للسلام، وإثارة الهستيريا والخوف بين الناس لدفعهم إلى دعم تصعيد الحرب”، معتبرة أن “هذا هو ما تريده في الواقع دول حلف الناتو والاتحاد الأوروبي، من أجل جرّ الجيش الأميركي مباشرة إلى حرب مع روسيا”.
وأضافت أن “الحقيقة هي أن مجتمع الاستخبارات الأميركي أطلع صانعي القرار، بمن فيهم عضو ديمقراطي في لجنة الاستخبارات الدائمة بمجلس النواب ورد ذكره في تقرير (رويترز)، على أن التقييمات الاستخباراتية الأميركية ترى أن روسيا تسعى إلى تجنب حرب أوسع مع حلف الناتو”.
وأشارت جابارد إلى أن “التقييمات نفسها ترى، كما أظهرت السنوات الأخيرة، أن أداء روسيا في ساحة المعركة يدل على أنها لا تمتلك حالياً القدرة على غزو واحتلال كامل أوكرانيا، فما بالكم بأوروبا”.
ووصف الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، الأربعاء الماضي، التحذيرات والاستعدادات الأوروبية لـ”حرب كبرى” مع روسيا، بأنها “هيستريا وأكاذيب”.
وأضاف بوتين خلال اجتماع موسع لهيئة وزارة الدفاع الروسية: “في أوروبا يغرسون في أذهان الناس مخاوف بشأن حتمية الصدام مع روسيا، ويرفعون درجة الهيستريا لديهم، بزعم ضرورة الاستعداد لحرب كبرى، لقد قلت مراراً هذا كذب وهذيان، هذيان محض”، حسبما أوردت وكالات الأنباء الروسية الرسمية.
وشدد الرئيس الروسي، على أن هذه المزاعم “لا أساس لها من الصحة”، معتبراً أن “بعض القادة الأوروبيين نسوا مسؤوليتهم وركزوا على المصالح الشخصية”، على حد تعبيره.
