21 ديسمبر 2025Last Update :

صدى الاعلام_افتتح مركز الأبحاث الفلسطيني تحت رعاية رئيس دولة فلسطين محمود عباس، اليوم الأحد، مؤتمره السنوي بعنوان “الاستراتيجية الوطنية الفلسطينية في إقليم متغيّر”.

وحضر افتتاح المؤتمر الذي عقد في قاعة أحمد الشقيري بمقر الرئاسة برام الله، رئيس الوزراء محمد مصطفى ممثلا عن الرئيس، بمشاركة عدد من أعضاء اللجنتين التنفيذية لمنظمة التحرير والمركزية لحركة فتح، ووزراء، ودبلوماسيين، وأكاديميون، وباحثون.

وقال مصطفى: “رغم مرور عشرات السنين على انطلاق الحركة الوطنية الفلسطينية، ما زال الهدف الذي اجتمع عليه شعبنا ثابتاً، لم يخضع للمساومة، ولم يتغير: إنهاء الاحتلال، تجسيد دولة فلسطين المستقلة وعاصمتها القدس، وتمكين شعبنا من ممارسة حقوقه غير القابلة للتصرف في تقرير المصير والاستقلال والعودة، وهذا الهدف لم يكن شعاراً عاطفياً، بل كان وما زال مشروعاً سياسياً عملنا عليه بصبر وتأني، وحققنا في طريقه إنجازات كبيرة لا يمكن إنكارها أو التقليل من شأنها”.

وتابع: “نلتقي اليوم في لحظة سياسية بالغة التعقيد، لحظة لا تسمح لنا بالاكتفاء باستحضار التاريخ، ولا تبرر لنا الهروب إلى الشعارات، بل تفرض علينا أن نعيد التفكير بعمق في مسار مشروعنا الوطني، وفي الكيفية التي نحول بها التراكم السياسي والنضالي، القائم على الحق التاريخي والطبيعي والقانوني، إلى أفق حقيقي لقيام الدولة الفلسطينية المستقلة على الأرض”.

وأضاف رئيس الوزراء: “قامت السلطة الوطنية الفلسطينية، وبُنيت مؤسسات الدولة، وترسخ الاعتراف الدولي بدولة فلسطين، وصولاً إلى إعلان نيويورك، الذي شكّل محطة سياسية مفصلية، ليس فقط بما حمله من مضمون، بل بما عكسه من إجماع دولي متزايد على عدالة قضيتنا، وعلى حق شعبنا في دولة مستقلة ذات سيادة، هذا التراكم لم يأتِ من فراغ، ولم يكن منحة من أحد، بل ثمرة نضال سياسي وطني ودبلوماسي طويل يجب أن يكتمل”.

وتابع مصطفى: “واجهنا، وما زلنا، احتلالاً يتهرب من التزاماته، ويواصل رفضه لأي تسوية سياسية عادلة، ويعمل بشكل ممنهج على ارتكاب الجرائم، وفرض الوقائع بالقوة، وتفاقمت هذه التحديات بفعل الانقسام الداخلي، الذي أضعف قدرتنا على حماية منجزاتنا، وفتح المجال أمام استغلال نقاط ضعفنا الوطنية”.

وأردف رئيس الوزراء: “جاءت الحرب المستمرة على شعبنا، والتي بلغت ذروتها في حرب الإبادة على قطاع غزة، وترافقت مع حرب موازية على الإنسان والأرض والمؤسسات في القدس والضفة الغربية، ولم تتوقف الضغوط عند هذا الحد، بل ترافقت مع خنق مالي واقتصادي ممنهج، استهدف ليس فقط قدرتنا على الصمود، بل وجود السلطة الوطنية الفلسطينية ذاتها، باعتبارها نواة الدولة الفلسطينية المستقلة وكينونتها السياسية، تحت مظلة وحدانية التمثيل لمنظمة التحرير.

واستطرد مصطفى: “شهد الإقليم تحولات عميقة، وتغيرت البيئة الدولية، وصدرت قرارات أممية، وطُرحت مبادرات سياسية، كان آخرها قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2803، والذي يُخشى أن يقود إلى إعادة صياغة الصراع بعيداً عن قرارات الشرعية الدولية، إذا لم يطبق بشكل أمين ومكتمل”.

واستدرك رئيس الوزراء: “كل ذلك وضع المشروع الوطني أمام اختبار حقيقي، حيث لم تعد هذه الوقائع تحتمل إدارة أزمة مفتوحة، بل تفرض انتقالاً واعياً من الصمود وحده إلى الحسم الاستراتيجي، ومن هنا، فإن المرحلة القادمة لا يمكن أن تكون امتداداً لما سبق، نحن أمام مرحلة تتوجب وتتطلب منا قرار، مرحلة تتطلب شراكات حقيقية، ووضوحاً في الهدف، وواقعية في الأدوات، وإرادة سياسية قادرة على إنجاز ما تبقى من المهمة الوطنية”.

وتابع: “استراتيجيتنا للمرحلة المقبلة لها ثلاثة محاور رئيسية: أولها يقوم على إعادة تثبيت قواعد الانطلاق للمرحلة الأخيرة على طريق إنجاز مشروعنا الوطني نحو الاستقلال، وفي مقدمة هذه القواعد استعادة الوحدة الوطنية، ليس كشعار سياسي، بل كشرط عملي لأي تقدم حقيقي، وإعادة إطلاق الاقتصاد الوطني بما ينسجم مع التحولات المحلية والإقليمية والدولية، وتطوير أداء مؤسساتنا الوطنية لتعزيز خدمة المواطن وترسيخ مبادئ الشفافية والمساءلة، وفي قلب هذا المحور، يأتي إعادة إعمار قطاع غزة باعتباره جزءاً لا يتجزأ من الدولة الفلسطينية، لا ملفاً إنسانياً منفصلاً عنها”.

وأضاف رئيس الوزراء: “المحور الثاني لاستراتيجيتنا للمرحلة المقبلة، يتمثل في توحيد قطاع غزة والضفة الغربية على أساس موقف وطني واضح لا لبس فيه: دولة واحدة، بنظام واحد، وقانون واحد، وسلاح شرعي واحد، ويتطلب ذلك إدارة المرحلة الانتقالية في غزة في ضوء قرار مجلس الأمن 2803 بحصافة واقتدار، وتوحيد المؤسسات الوطنية القائمة والبناء عليها، وتطوير دور المؤسسة الوطنية الفلسطينية، ضمن الإطار الوطني، إلى جانب البدء بتنفيذ برنامج إنعاش اقتصادي يعيد دمج اقتصاد غزة مع اقتصاد الضفة، كاقتصاد دولة واحدة متكاملة”.

وتابع: “ويأتي المحور الثالث ليؤكد على أن المسار السياسي والدبلوماسي والقانوني هو مسار استراتيجي، وليؤكد أن تجسيد الدولة الفلسطينية ليس وعداً مؤجلاً، بل مساراً لا رجعة فيه، ويجب استكماله، استناداً إلى القانون الدولي والمرجعيات الدولية، وإلى إعلان نيويورك، وبناءً على ما يتحقق عملياً في المحورين الأول والثاني. وهذا كله يستدعي جهداً قانونياً ودبلوماسياً منظماً مع شركائنا العرب والدوليين، ومع الأمم المتحدة ومنظماتها ومؤسساتها، لتنفيذ هذا الإعلان.

وقال رئيس الوزراء: “إعلان نيويورك وفر الإطار السياسي الدولي، لكن تحويله إلى واقع يتطلب منا بناء مقومات الدولة القادرة على الصمود، اقتصادياً ومؤسسياً، لا الاكتفاء بالاعترافات الرمزية، وهذا يشمل حشد الطاقات الوطنية كافة في إطار منظمة التحرير الفلسطينية، وإعادة صياغة العلاقة الاقتصادية مع إسرائيل، على أساس التحرر من التبعية القسرية، والانتقال إلى علاقة قائمة على المصالح المتبادلة، لا السيطرة والإملاء، إضافة إلى الحاجة إلى تموضع فلسطيني واعٍ في الإقليم، يقرأ التحولات بتعقّل ورؤية سياسية واضحة تقوم على المصلحة الوطنية، ويحافظ على الثوابت.

وأضاف: “تجسيد الدولة الفلسطينية، كما نراه، لا يتوقف عند حدود الاعتراف السياسي، بل يمتد إلى بناء اقتصاد وطني قادر، وعلاقات إقليمية ودولية متوازنة، بما فيها علاقتنا الوثيقة مع حركات التضامن العالمي، ونموذج حكم يُخرج فلسطين من منطق الاعتماد القسري إلى منطق الشراكة المتكافئة، هذا هو الإطار الذي نعمل على ترسيخه في المرحلة المقبلة”.

وقال رئيس الوزراء: “هذا المؤتمر ليس مناسبة خطابية، ولا نقاشاً نظرياً معزولاً عن الواقع، إنه مساحة ضرورية لإعادة بناء الرؤية الاستراتيجية الفلسطينية في لحظة تاريخية تتطلب منا وضوحاً، ووحدة، وقدرة على اتخاذ القرار، وإن شعبنا الذي صمد وقدم تضحيات جسيمة، يستحق منا خطاباً صادقاً، واستراتيجية قابلة للتنفيذ، وأفقاً حقيقياً للدولة وللحرية”.

وأكد مصطفى أن إنجاز المهمة الوطنية لم يعد احتمالاً بعيداً، بل مسؤولية تاريخية تقع على عاتقنا جميعاً، وتتظافر فيها الجهود وفاءً لما قدمه شعبنا من تضحيات عظيمة، وتتطلب أن نكون جميعا على مستوى هذه اللحظة. 

وشكر مركز الأبحاث الفلسطيني، برئاسة محمد اشتية، على تنظيم هذا المؤتمر السنوي الهام، وعلى الدور الفكري والوطني الذي يضطلع به في قراءة التحولات وصياغة الرؤى، والباحثين والأكاديميين والمشاركين كافة على إسهاماتهم الجادة في أعمال هذا المؤتمر، وحضورهم الذي يثري النقاش ويعزز مسؤوليتنا الجماعية في هذه المرحلة المفصلية.

وفي كلمته الافتتاحية، قال رئيس مجلس إدارة المركز محمد اشتية، إن المؤتمر ينعقد في ظروف تُعدّ من الأصعب التي مرّت على القضية الفلسطينية والمنطقة عموما، في ظل سياق دولي متفجّر تتقاطع فيه الحروب العسكرية مع الصراعات الاقتصادية والتجارية.

وأشار إلى أن هذا المشهد الدولي والإقليمي يوازيه ما يجري في فلسطين، حيث تتواصل حرب الإبادة، والتدمير الواسع، ومحاولات الاجتثاث والتهجير القسري، مؤكدًا أن آلة القتل الإسرائيلية لم تقتصر على غزة، بل امتدت لتطال الضفة الغربية والقدس، في ظل احتلال شبه كامل، واعتقالات واسعة، وتدهور غير مسبوق في الأوضاع الإنسانية.

وأوضح أن إسرائيل لم تكتفِ بعدوانها العسكري، بل واصلت توسيع مشروعها الاستيطاني، وتصعيد اعتداءات المستعمرين، والاستيلاء على الأراضي، وبناء المستعمرات وشرعنة القائم منها، حتى بات عدد المستعمرين في الضفة الغربية والقدس ما يقارب 881 ألف مستعمر، في وقت تُستخدم فيه منظومة الحواجز والبوابات العسكرية لخنق الحياة اليومية للفلسطينيين، وتقويض أي إمكانية لحل سياسي عادل.

وانتقد اشتية ازدواجية المعايير الدولية، معتبرا أن العالم الذي يُدرج بعض المستوطنين الأفراد على قوائم الإرهاب، لكنه يتجاهل المشروع الاستيطاني برمّته، هو عالم غير جاد في تطبيق القانون الدولي، ولا يفرض عقوبات حقيقية على دولة الاحتلال، بل يوفّر لها الغطاء السياسي والأخلاقي، ويتعامل مع انتهاك الشرعية الدولية بوصفه أمرًا قابلًا للتكيّف السياسي.

وأضاف أن النظام الدولي الحالي، الذي تهيمن عليه الولايات المتحدة، يجمع بين القوة العسكرية والهيمنة الاقتصادية، واستخدام أدوات “القوة الناعمة” و”القوة الخشنة” في إدارة الصراعات، متسائلًا عن جدوى الاحتكام إلى نظام كهذا، في وقت تُقدم فيه إسرائيل كحاجة استراتيجية وأمنية وسياسية محمية بلا شروط.

وفي هذا السياق، أشار اشتية إلى أن حماية إسرائيل أمام الرأي العام الدولي باتت أكثر صعوبة، بعد انكشاف زيف روايتها، مقابل تصاعد غير مسبوق في الحراك الشعبي العالمي الداعم لفلسطين، حيث امتلأت المدن الكبرى حول العالم بالمظاهرات المؤيدة للحقوق الفلسطينية، وتراجع الخطاب الإسرائيلي أمام الرأي العام الدولي.

وطرح اشتية خلال كلمته ثلاثة أسئلة مركزية تشكّل محورًا للنقاش في المؤتمر، أولها: إلى متى ستبقى غزة محاصرة ومجزّأة، في ظل التقلّص المستمر لمساحتها منذ عام 1949، وصولًا إلى مخططات المناطق العازلة التي تهدّد بتحويلها إلى شريط معزول؟ وثانيها: ما هو الشكل النهائي للحل في غزة بالشراكة مع الطرف الفلسطيني، بعيدا عن الحلول المؤقتة التي تتحوّل إلى وقائع دائمة؟ وثالثها: أي سيناريو يجب أن تتسلّم بموجبه السلطة الفلسطينية إدارة غزة، في ظل اشتراطات دولية وأوروبية لما يُسمّى الإصلاح.

وفي هذا الإطار، شدّد اشتية على أن الإصلاح الحقيقي يتمثل في تصويب الأخطاء وبناء المؤسسات الفلسطينية على أعلى درجات الكفاءة والأداء، سياسيًا وإداريًا وماليًا، بما يخدم المشروع الوطني ويعزّز صمود الشعب الفلسطيني.

ويتخلل المؤتمر والذي يعقد على مدار يومين خمس جلسات متخصصة تناقش التحولات الإقليمية والدولية وانعكاساتها على القضية الفلسطينية، حيث تخلل اليوم الأول ثلاث جولات، ودارت أولى الجلسات حول مراجعة ونظرة إلى الأمام على الحركة الوطنية الفلسطينية، فيما تناولت الجلسة الثانية رؤية العالم لمستقبل فلسطين من خلال مشاركة لعدد من الدبلوماسيين، وتناولت الجلسة الثالثة اليوم التالي لحرب الإبادة على شعبنا في قطاع غزة، فيما سيتناول اليوم التالي جلستين: الأولى حول فلسطين وتدويل الصراع، والثانية حول الاقتصاد الوطني في ظل احتلال جديد.

ويهدف المؤتمر إلى توفير إطار بحثي ووطني لمناقشة سبل بلورة استراتيجية وطنية فلسطينية شاملة، قادرة على الاستجابة للتحولات العميقة التي يشهدها الإقليم والنظام الدولي، وربط التحليل الأكاديمي بالخيارات السياسية العملية، وتعزيز دور مراكز الأبحاث في دعم القرار الوطني، ومنع تكريس الحلول المؤقتة كبدائل دائمة، سواء في غزة أو الضفة الغربية.

ويواصل المؤتمر أعماله عبر خمس جلسات متخصصة، يشارك فيها قادة سياسيون وأكاديميون وخبراء وباحثون، لمناقشة قضايا الاستراتيجية الوطنية، ومستقبل النظام السياسي الفلسطيني، وتداعيات الحرب، وآفاق إعادة بناء المشروع الوطني.

شاركها.