علي عيد
تنتشر على الشبكة ملايين المواقع الإلكترونية الإخبارية، كثير منها بلا مرجعية، لكنها تستثمر في تغذية الكراهية، وتعزيز النزاعات بين الدول والشعوب، إذ لم يعد تشكيل الرأي العام حكرًا على المؤسسات الإعلامية الكبرى والصحافة المحترفة.
يشير موقع “Exploding Topics” إلى أن إجمالي المواقع الإلكترونية على شبكة الإنترنت يبلغ حوالي 1.1 مليار موقع، نسبة كبيرة منها غير نشطة أو مهجورة.
فقط نحو 17% من هذه المواقع نشطة وتُحدَّث بانتظام أو تُستخدم فعليًا، ما يعني أن هناك نحو 117 مليون موقع فعّال، وهذا يعكس كثافة المحتوى الرقمي المتاح على شبكة “الويب”، لكنه لا يعكس بالضرورة حجم “الصحافة” أو “المحتوى الإعلامي” بشكل محدد، لأن المواقع تشمل كل شيء من المدونات الشخصية إلى البوابات الحكومية والمنتديات والمنصات التجارية والتعليمية وغيرها.
بيانات “MediaRank” تكشف عن أن هناك أكثر من 50 ألف مصدر إخباري رقمي حول العالم على أساس معايير جودة وإنذار أخبار.
وبالانتقال إلى الجودة، ماذا عن المواقع التي تسمم العالم، وتتخطف الرأي العام نحو التضليل والكذب واختلاق الفتن بالمعلومات المغلوطة.
خلال السنوات الأخيرة، ظهرت مواقع ومنصات رقمية تنتج محتوى إخباريًا أو شبه إخباري دون أن يكون لها تعريف واضح، أو هوية تحريرية معلنة، أو حد أدنى من الالتزام بالمعايير المهنية.
الأكثر خطرًا أن هذا المحتوى لا يبقى في هامش الإنترنت، بل يُعاد تداوله، ويُستشهد به، وأحيانًا يُبنى عليه موقف عام أو سياسي. فمَن ينتج هذه المعلومات؟ ولماذا؟ وبأي معايير؟
أردت القول في هذا المقال أن ليس كل موقع صغير غير مهني، ولا كل منصة ناشئة مصدر تضليل، وأن المقصود بالمواقع غير المؤهلة مهنيًا، هي تلك التي تعمل خارج أي إطار واضح للمسؤولية: لا تعريف قانوني أو تحريري، ولا فريق معلن، ولا سياسة تحرير أو تصحيح، ولا تمييز واضح بين الخبر والرأي.
غالبًا ما تعتمد هذه المنصات على إعادة النشر السريع، أو على “معلومات متداولة”، أو على مصادر مبهمة من نوع “مصادر خاصة” دون توضيح.
وتستفيد تلك المواقع من مناخ عام يتسم بفقدان الثقة بالإعلام التقليدي، ومن خوارزميات منصات التواصل التي تكافئ الإثارة والسبق لا الدقة.
أما توجيه الرأي العام فهو لا يتطلب وجود كذب صريح، إذ أحيانًا تكفي معلومة ناقصة، أو حقيقة مبتورة من سياقها، أو عنوان يوحي بأكثر مما يقول.
وقد تبدأ القصة من خبر غير موثق يُقدَّم بصيغة تسريب أو “كشف”، ثم يُعاد تداوله لأنه ينسجم مع خوف قائم أو غضب متراكم.
ومع زيادة التفاعل وكثافة التداول، تتحول المعلومة إلى “حقيقة متداولة”، ويصبح التشكيك فيها وكأنه دفاع عن الطرف المستهدف، ثم تنتقل المعلومة من الهامش إلى المركز دون تحقق مهني، ومع كل إعادة نشر، تفقد جزءًا من سياقها، وتكتسب في المقابل قوة تأثير أكبر.
التحقق من أهلية المواقع ليس مهارة تقنية معقدة، بل موقف ذهني، عبر أسئلة بسيطة قادرة على كشف طبيعة الموقع.
من الأسئلة:
- مَن الناشر؟
- هل يعرّف بنفسه بوضوح؟
- هل المحتوى المنشور من مصدر مستقل؟
- ما طبيعة اللغة المستخدمة: مهنية أم تحريضية؟
- هل يسعى الموقع لـ”الترند” محاولًا أن يسبق الجميع؟
- ماذا يفعل الموقع حين يخطئ: هل يصحح أم يتجاهل؟
أمام خطر المعلومات التي تسوقها مواقع مضللة، ليس المطلوب من الجمهور أن يكون صحفيًا، لكن عليه ألا يكون متلقيًا سلبيًا، وأن يتحقق، دون تشكيك عبثي بكل شيء.
يمكن بنظرة فاحصة لمعايير ومواثيق الاتحاد الدولي للصحفيين (IFJ) ومبادئ “اليونسكو” لحرية الصحافة وتعددية الإعلام، اكتشاف الخلل، وأهم ما يجب أن يحتويه أي موقع يدّعي تقديم محتوى إخباري:
- التعريف بالموقع نفسه.
- عرض الترخيص إن وجد.
- اسم الجهة أو الأشخاص المسؤولين تحريريًا.
- عرض وسيلة تواصل حقيقية (هواتف/ بريد إلكتروني/ مقرّ إن وجد).
- عرض سياسة تحرير وتصحيح.
- إشارة إلى طبيعة التمويل أو الإعلانات إن وجدت.
تعتبر هذه العناصر أدوات لحماية الجمهور، وليس مجرد زينة أو شكليات، والموقع الذي لا يعرّف بنفسه يطلب من القارئ ثقة مجانية، دون أن يقدم أي التزام مقابلها.
في مجتمعات، مثالها سوريا، تعيش تحولات سياسية أو خارجة من نزاعات، يصبح انتشار المواقع غير المؤهلة، وأكثرها من خارج الحدود، أكثر خطورة، فهي تغذي الاستقطاب وخطاب الكراهية، وتشوّه سمعة أفراد أو جماعات وتهدد السلم الأهلي، دون وجود آلية الرد أو التصحيح.. وللحديث بقية.
مرتبط
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
المصدر: عنب بلدي
