اخبار تركيا

رغم الضغوط الإقليمية والدولية الداعية إلى دمج “قسد” ضمن مؤسسات الدولة السورية، تصرّ كلٌّ من دمشق وأنقرة على رفض الصيغة الحالية التي تعمل بها هذه القوات، معتبرتين أنها تُكرّس كيانًا عسكريًا وسياسيًا موازيا للدولة، وتمسّ بوحدة السيادة والقرار العسكري في سوريا.

ورغم توافق إقليمي ودولي مُعلن على ضرورة دمج “قسد” ضمن مؤسسات الدولة السورية، لا يزال هذا الملف يراوح مكانه، وسط تباين واضح في المواقف بينتركياودمشقوقيادة “قسد”.

ويُجمع محللون على أن التعثّر لا يرتبط بغياب الاتفاقات، بقدر ما يعود إلى خلافات جوهرية تتصل بوحدة السيادة، وهيكلية المؤسسة العسكرية، ومستقبل الإدارة في شمال سوريا، في مرحلة تحاول فيها الدولة إعادة بسط سلطتها بعد سنوات من الصراع، وسط ضغوط متقاطعة وحسابات دولية لم تُحسم بعد، بحسب تقرير لـ “الجزيرة نت”.

دمج كامل

في هذا السياق، يوضح الباحث المشارك في المجلس الأطلسي في أنقرة عمر أوزكيزيلجيك أن تركيا تدفع باتجاه دمج قوات “قسد” ضمن مؤسسات الدولة السورية، إلا أن هذا المسار يتعثر بسبب رفض “قسد” الاندماج الكامل وتمسكها بالبقاء كيانا منفصلا سياسيا وعسكريا، وهو ما تعتبره تركيا أمرا غير مقبول.

ويؤكد أوزكيزيلجيك أن جوهر الموقف التركي يقوم على رفض أي قيود جغرافية أو صِيغ تقسيم داخل سوريا، مع التشديد على ضرورة أن تكون الحكومة السورية والقوات المسلحة قادرتين على العمل في جميع الأراضي السورية دون استثناء.

كما يوضح أن النقطة الثانية تتعلّق بهيكلية القيادة والسيطرة، إذ ترفض أنقرة وجود أي كيان عسكري مستقل داخل الجيش السوري، أو ما تصفه بـ”جيش داخل الجيش”.

وفي المقابل، يشير إلى أن تركيا لا تعارض أشكال الحكم المحلي، ولا الحقوق السياسية للأكراد، ولا مشاركتهم في البرلمان السوري والحياة السياسية عموما، معتبرا أن الخلاف لا يتعلق بالتمثيل السياسي، بل بالسلاح ووحدة السيادة والقرار العسكري.

الموقف السوري

وبينما يركّز الموقف التركي على وحدة القرار العسكري والجغرافي، تطرح دمشق مقاربة مختلفة في الشكل، لكنها تلتقي معه في الجوهر.

وفي هذا الإطار، يوضح عميد كلية العلوم السياسية في الجامعة الأهلية السورية عبد الله الأسعد أن دمشق وضعت خطوطا واضحة للتعامل مع “قسد”، تقوم على دمج العناصر بشكل فردي داخل مؤسسات الدولة، لا دمج التنظيم ككتلة واحدة أو كيان موحّد.

ويشير إلى أن سعي “قسد” للحفاظ على كيان مستقل بمؤسساته وهيئة قيادته يُعد مرفوضا من جانب دمشق، التي تضع خطا أحمر يمنع وجود أي كيان عسكري أو تنظيمي يحمل اسم “قسد” داخل الجيش السوري.

ويضيف أن الحكومة لم تقدم ضمانات خاصة، لكنها حددت مسارا ملزما بمهلة زمنية، يحظى بتوافق دولي، بما في ذلكالولايات المتحدة، التي لا تدعم بقاء كيانات عسكرية موازية داخل الدولة السورية.

ويخلص الأسعد إلى أن دمج “قسد” يجب أن يتم على أساس حلّها كتنظيم، مع إعادة فرز العناصر المقبولة ودمجها ضمن هيكل جديد في الجيش السوري، بعد معالجة ملف المقاتلين الأجانب.

التمسك بالوضع القائم

لكنّ التوافق التركيالسوري حول مبدأ الدمج، رغم اختلاف مقارباته، لا ينعكس حتى الآن على واقع السيطرة والإدارة في شمال سوريا، حيث لا تزال “قسد” تدير المشهد وفق الصيغة التي تبلورت خلال سنوات الصراع.

وفي هذا الإطار، يرى الباحث في الشؤون الأمنية والسياسية فراس فحام أن جوهر التعثر يكمن في تمسك “قسد” بالصيغة القائمة، وسعيها للحفاظ على استقلال وحداتها العسكرية والأمنية بدل الانصهار الكامل ضمن المؤسسة العسكرية السورية.

ويشير، في مقابلة مع الجزيرة نت، إلى أن هذا التوجه يتجلى في الإصرار على الإبقاء على تشكيلات عسكرية وأمنية خاصة، إضافة إلى رفض دخول الحكومة السورية إلى مناطق الجزيرة شمالي شرقي سوريا، والتمسك بنموذج قريب من الإدارة الذاتية، في محاولة للحفاظ على ما كان قائما قبل اتفاق الدمج.

وبحسبه، فإن هذا الواقع يجعل الاتفاق أقرب إلى إطار شكلي، في ظل غياب خطوات تنفيذية ملموسة على الأرض.

الدور الأميركي

وفي خلفية هذا المشهد المعقّد، يبرز الدور الأميركي بوصفه عاملا مؤثرا في مسار الملف وحول ذلك، يرى فحّام أنواشنطنلعبت دورا أساسيا في دفع “قسد” نحو توقيع اتفاق 10 مارس/آذار عبر ضغوط مباشرة، لكنها لا تبدو متعجلة في فرض تنفيذه حاليا، في ظل غموض رؤيتها لطبيعة العلاقة المستقبلية مع الدولة السورية، وتداخل حساباتها الأمنية مع الموقف التركي.

ويضيف أن انخراط سوريا في التحالف الدولي، ورفع العقوبات، وتعزيز العمليات المشتركة ضد تنظيم “داعش”، أسهم في بناء مستوى من الثقة بين واشنطن ودمشق، ما قد يدفع الولايات المتحدة في المرحلة المقبلة إلى موقف أكثر وضوحا لدعم مسار الدمج، خصوصا إذا باتت ترى فيه مدخلا للاستقرار الأمني في شمال سوريا.

في ضوء هذه المعطيات، يتقاطع موقف المحللين عند حقيقة أن تعثّر دمج “قسد” لا يعود إلى غياب التفاهمات، بل إلى صدام في الرؤى بين دولة تسعى لاستعادة سيادتها كاملة، وقوة عسكرية تخشى فقدان النفوذ الذي راكمته خلال سنوات الحرب.

وبين ضغط تركي لا يقبل إلا بذوبان كامل، وموقف سوري يرفض أي كيان موازٍ، ودور أميركي متدرج تحكمه الحسابات، يبقى ملف الدمج مفتوحا على أكثر من سيناريو، قد تحسمه التطورات الميدانية والسياسية في الأشهر المقبلة، بوصفه أحد مفاتيح رسم ملامح سوريا الجديدة.

شاركها.