كشف تحقيق نشرته صحيفة “واشنطن بوست”، اليوم الثلاثاء 23 من كانون الأول، عن دعم إسرائيلي سري لفصيل درزي في جنوبي سوريا، عقب هروب الرئيس السوري المخلوع بشار الأسد في كانون الأول 2024، وتخطيطها المسبق لدعم “ميليشيات” ضد الحكومة الجديدة والرئيس السوري للمرحلة الانتقالية، أحمد الشرع.

وأجرى فريق الصحيفة مقابلات مع أكثر من عشرين مسؤولًا حاليًا وسابقًا من إسرائيل ودول غربية، إضافة إلى مستشارين حكوميين وقادة فصائل وشخصيات سياسية درزية في سوريا وإسرائيل ولبنان. وتحدث معظمهم شريطة عدم الكشف عن هوياتهم، بسبب حساسية التعاون السري الذي لم يُعلن عنه سابقًا.

وبحسب التحقيق، بدأت مروحيات إسرائيلية بالوصول إلى جنوبي سوريا، ليل 17 من كانون الأول 2024، بعد تسعة أيام فقط من هروب الأسد المخلوع، حملت شحنات من المساعدات الإنسانية إلى جانب 500 بندقية وذخيرة ودروع واقية، جرى إسقاطها جوًا بشكل سري لتسليح فصيل يسمى “المجلس العسكري”، وفقًا لمسؤولين إسرائيليين سابقين شاركا بشكل مباشر في العملية.

وكانت إسرائيل أرسلت أسلحة أغلبها مستعملة، حصلت عليها من مقاتلي “حزب الله” و”حماس” الذين قُتلوا في مواجهات سابقة، وفق مسؤول إسرائيلي سابق وقائد درزي ووسيط مالي تحدثوا إلى “بوست”.

وقال أحد قادة الفصيل إنه تسلم أيضًا بنادق قنص، ومعدات رؤية ليلية، وذخيرة لرشاشات ثقيلة من عياري 14 و23 ملم.

ومن جانب آخر، أفاد قادة دروز في السويداء بأن بعض الفصائل حصلت، عبر نظرائها الأكراد، على صواريخ مضادة للدروع، إضافة إلى صور ميدانية من أقمار صناعية إسرائيلية.

وأفاد التحقيق أن شحنات السلاح جاءت ردًا على سيطرة فصائل المعارضة بقيادة “هيئة تحرير الشام” (حلت نفسها) على دمشق.

تدخل لـ”إضعاف التماسك الوطني”

نقلت الصحيفة عن مسؤولين إسرائيليين حاليين وسابقين أن إسرائيل، بوصفها “قوة إقليمية آخذة في التوسع”، تسعى إلى التأثير في مسار التطورات داخل سوريا عبر دعم ميليشيات درزية حليفة، في إطار سياسة تهدف إلى إضعاف التماسك الوطني السوري وتعقيد جهود الرئيس السوري أحمد الشرع في توحيد البلاد بعد سنوات الحرب الطويلة.

وأوضح التحقيق أن هذا الدعم السري يندرج ضمن جهد إسرائيلي ممتد منذ سنوات لتعزيز حضور الطائفة الدرزية.

وبحسب “واشنطن بوست”، بلغ تدفق الأسلحة ذروته في نيسان الماضي، عقب اشتباكات بين مقاتلين دروز ومسلحين موالين للحكومة السورية، قبل أن يتراجع في آب بعد أن غيّرت إسرائيل مقاربتها وبدأت مفاوضات غير مباشرة مع الحكومة السورية.

كما جرى داخل إسرائيل، تجميد النقاش حول تحويل الدروز السوريين إلى “ميليشيا وكيلة لإسرائيل”، بسبب الخوف الإسرائيلي من الصراعات الداخلية التي نشأت بين القيادات الدرزية، واحتمال تورط إسرائيل بشكل أعمق في الساحة السورية، بحسب التحقيق.

إمداد مستمر بالمال والسلاح

أفاد قادة دروز في سوريا ومسؤول إسرائيلي سابق للصحيفة بأن إسرائيل تواصل حتى الآن إسقاط معدات عسكرية غير قتالية، تشمل الدروع الواقية والإمدادات الطبية، للمساهمة في إضعاف قدرة الحكومة السورية الجديدة على تركيز الحكم.

كما نقل التحقيق عن مسؤولين دروز أن إسرائيل تقدم مدفوعات شهرية تتراوح بين 100 و200 دولار لنحو 3000 مقاتل درزي في “الحرس الوطني” حتى الآن.

ووفق التحقيق، تتمحور الاستراتيجية الإسرائيلية منذ سقوط الأسد حول منع ظهور نظام سوري قادر على تهديدها من الجبهة الشمالية الشرقية، معتبرة أن واشنطن وأوروبا “ساذجين” في تعاملهم مع تأكيدات الشرع بتخليه عن أفكاره المتطرفة.

ونقل التحقيق عن مسؤول إسرائيلي قوله إن الدعم قُدّم “عندما كان ضروريًا للغاية”، مضيفًا أن بلاده ملتزمة بأمن الأقليات، “لكن هذا لا يعني إرسال قوات خاصة للتمركز قرب الدروز أو الدخول في تنظيم ميليشيات بالوكالة”.

ووصف المسؤول الدعم الإسرائيلي بأنه “محسوب بدقة”، مشيرًا إلى أن تل أبيب تراقب تطورات الوضع، في ظل دعم واضح من الإدارة الأمريكية لمسار التوصل إلى اتفاق.

وأضاف المسؤول أن هناك إدراكًا متزايدًا داخل إسرائيل بأن الدروز في سوريا ليسوا كتلة واحدة، وأن كثيرين منهم لا يلتفون حول الزعيم الروحي للطائفة، الشيخ حكمت الهجري، الذي يقود دعوات للانفصال عن دمشق بدعم إسرائيلي.

وردًا على طلب تعليق رسمي، قال مسؤول حكومي إسرائيلي، فضل عدم الكشف عن هويته، إن إسرائيل “مصممة، منذ هجمات “7 أكتوبر”، على الدفاع عن مجتمعاتها على الحدود، بما فيها الحدود الشمالية، ومنع ترسخ من تصفهم بـ”الإرهابيين”، وحماية حلفائها من الدروز، وضمان أمن إسرائيل من أي هجمات برية أو غيرها انطلاقًا من المناطق الحدودية”.

وبحسب مسؤول إسرائيلي، استند تأييد تسليح الدروز إلى اعتبارين رئيسيين: أولهما قناعة راسخة لدى تل أبيب بأن الجهود الأمريكية والأوروبية للتعامل مع الرئيس السوري أحمد الشرع “ساذجة”، معتبرة إياه “إسلاميًا لم يتخلّ عن ماضيه وقد يشكل تهديدًا لإسرائيل إذا تمكن من ترسيخ سلطته”.

أما الثاني، فيتمثل في ما تصفه إسرائيل بـ”الواجب الأخلاقي” لحماية “الإخوة” الدروز في سوريا، بالنظر إلى ثقل الطائفة داخل إسرائيل.

وساطة مالية من “قسد”

بدأ القادة الدروز في إسرائيل بالبحث عن شخصية درزية سورية يمكن أن تلعب دورًا قياديًا في حال انهيار النظام السوري بعد قصف إسرائيل المستمر لقيادات إيران وحزب الله.

ووقع الاختيار على طارق الشوفي، العقيد تاسابق في جيش النظام السابق، بحسب مسؤولين إسرائيليين سابقين شاركا مباشرة في هذه الجهود.

ويستعيد أحد المسؤولين الإسرائيليين السابقين كيف جرى اختيار “نحو 20 رجلًا ذوي خبرة عسكرية”، ومنحهم رتبًا ومهام محددة، لتأسيس نواة ما عُرف لاحقًا بـ“المجلس العسكري” في محافظة السويداء.

ولتمكين الشوفي من ترميم مبنى قديم وتحويله إلى مقر قيادة، وتأمين الزي العسكري والمعدات الأساسية، مرّر دروز يعملون داخل المؤسسة الأمنية الإسرائيلية مبلغ 24 ألف دولار عبر “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد)، بحسب أحد المسؤولين الإسرائيليين السابقين.

وفي الفترة ذاتها، أُرسل مبلغ منفصل وصل إلى نحو نصف مليون دولار من “قسد” إلى المجلس العسكري، وفق المسؤول ذاته واثنين من القادة الدروز في سوريا.

وفي إطار دعم “القضية الدرزية”، تولت “قسد” أيضًا تدريب مقاتلين دروز سوريين، بينهم نساء، في مناطق سيطرتها شمالي سوريا، وهي علاقة قال مسؤول كردي رفيع وقائد درزي سوري ومسؤول إسرائيلي سابق إنها ما زالت مستمرة حتى اليوم.

انقسامات داخلية وحذر متزايد

ازداد القلق الإسرائيلي مع تصاعد الصراعات الداخلية بين القيادات الدرزية السورية.

ففي آب، تحرك الشيخ حكمت الهجري لتكريس نفسه المرجعية العسكرية الوحيدة للدروز، وتم استبدال “المجلس العسكري” بتشكيل جديد هو “الحرس الوطني”، الذي يقوده الهجري وابنه سليمان، ليصبح الجهة التي تتلقى السلاح من إسرائيل، بحسب قادة دروز ومسؤولين إسرائيليين سابقين.

وأدى ذلك إلى انشقاقات حادة داخل الصف الدرزي، إذ اتُهم طارق الشوفي، القائد السابق للمجلس العسكري، بالتنسيق مع أحمد الشرع، ما دفعه إلى الاختفاء خشية اعتقاله على يد أنصار الهجري.

في المقابل، وُجهت اتهامات للشيخ الهجري بالضلوع في عمليات خطف، ولابنه بالتعامل مع شبكات تهريب مخدرات إقليمية، بينها “حزب الله”، وفق مصادر متعددة.

وقال أحد المسؤولين الإسرائيليين السابقين المشاركين في الملف إن “الإسرائيليين يدركون اليوم أنهم لا يملكون شريكًا موثوقًا يمكن العمل معه على المدى الطويل”.

وقال مستشار حكومي إسرائيلي إن دعم دولة درزية مستقلة يعني أن “إسرائيل ستضطر للدفاع عن سكان يبعدون 100 كيلومتر عن حدودها”، مضيفًا أن المصلحة الإسرائيلية “ليست في إنشاء دروزستان مستقلة”.

من جهتها،قالت الباحثة كارميت فالينسي من معهد “دراسات الأمن القومي” لصحيفة “واشنطن بوست” أن حماسة إسرائيل الأولية لبعض القادة الانفصاليين، مثل الهجري، بدأت تتراجع، مع تزايد الشكوك حول جدوى دعم كيان درزي منفصل يحتاج إلى بنى تحتية وخدمات أساسية.

وأضافت أن على إسرائيل الإقرار بوجود “حدود للتدخل في الشؤون الداخلية”، لكنها رجحت استمرار دعم الدروز ما دام الجمود قائمًا ولم يُتوصل إلى اتفاق أمني مع دمشق.

المصدر: عنب بلدي

شاركها.