اخبار تركيا

تناول مقال للكاتب والباحث التركي محمد علي أجار، النقاش الدائر حول إنشاء قوة أمن دولية في غزة من منظور تاريخي واستراتيجي، ويربطه بتجربة الأمم المتحدة الطويلة في إدارة النزاع العربيالإسرائيلي أكثر من حلّه.

يحلّل الكاتب في مقاله بمجلة كريتيك باكيش كيف أسهمت بعثات الأمم المتحدة السابقة في إنتاج حالة من “الاستقرار المعلّق” الذي يحدّ من العنف دون أن يعالج جذور الصراع أو ينهي الاحتلال.

وفي هذا السياق، يجادل بأن انضمام تركيا إلى قوة الأمن الدولية لا ينبغي النظر إليه كخيار عملياتي أو عسكري فحسب، بل كضرورة استراتيجية لإعادة بناء شرعية الأمم المتحدة وتعزيز فعاليتها، ولمنع تكرار نماذج دولية ضعيفة تسمح باستمرار التدخلات الأحادية.

ينبغي النظر إلى انضمام تركيا إلى قوة الأمم المتحدة الأمنية المؤقتة في غزة (ISF) ليس فقط على أنه تفضيل عملياتي، بل أيضا على أنه ضرورة استراتيجية من حيث الحفاظ على شرعية الأمم المتحدة وشموليتها ودورها التوجيهي في المنطقة.

وقد برزت بعثات الأمم المتحدة لحفظ السلام باعتبارها أبرز مظاهر إرادة المجتمع الدولي على أرض الواقع للحد من النزاعات وحماية المدنيين وتمهيد الطريق لحلول سياسية. من الناحية النظرية، تلعب هذه البعثات دوراً مؤقتاً ولكنه حاسم في إعادة بناء المجتمعات بعد انتهاء النزاعات. ومع ذلك، عند دراسة التجربة التاريخية لهذه البعثات في جغرافية النزاعات العربية الإسرائيلية التي تورطت فيها إسرائيل، تظهر صورة تستمر فيها حالة عدم اليقين الخاضعة للرقابة بدلاً من الاستقرار الدائم. لذلك، ينبغي النظر إلى المناقشات الحالية بشأن قوة دولية لتحقيق الاستقرار في غزة (ISF) ليس فقط على أنها اقتراح أمني استشرافي، بل كاستمرار طبيعي للنماذج التي جربت في الماضي.

نقطة الانطلاق لهذه العملية التاريخية هي هيئة الأمم المتحدة لمراقبة الهدنة (UNTSO)، التي أنشئت مباشرة بعد الحرب العربية الإسرائيلية عام 1948. كُلفت هيئة الأمم المتحدة لمراقبة الهدنة بمراقبة الهدنة بين إسرائيل والدول العربية المجاورة، لكن صلاحياتها اقتصرت على الإبلاغ عن الانتهاكات على الأرض بدلاً من منعها. كانت الأمم المتحدة تسجل بانتظام انتهاكات إسرائيل للحدود وتحركاتها العسكرية وأعمالها التي تخلق حقائق على الأرض؛ لكن هذه السجلات لم تسفر عن أي نتائج ملزمة على أرض الواقع. وضع هذا الوضع دور بعثات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة في المنطقة، منذ البداية، في موقع المراقبين الذين يديرون النزاع بدلاً من صانعي السلام النشطين.

وتشكل قوة الأمم المتحدة لمراقبة فض الاشتباك (UNDOF)، التي أنشئت في هضبة الجولان في عام 1974، مثالاً أكثر مؤسسية على هذا النهج. فقد جمدت قوة الأمم المتحدة لمراقبة فض الاشتباك بشكل فعال الصراع بين إسرائيل وسوريا، ومنعت الاتصال العسكري المباشر بين الطرفين. ومع ذلك، لم يقترن هذا النجاح بإنهاء الاحتلال أو تعزيز حل سياسي. بل على العكس، فقد بقيت الأوضاع الفعلية في مرتفعات الجولان في حالة من عدم اليقين المستقر لعقود، حيث ساهم وجود الأمم المتحدة بشكل غير مباشر في تطبيع هذا الوضع الراهن. وتُظهر هذه التجربة بوضوح أن الاستقرار لا يتحقق فقط من خلال الحد من العنف، بل أيضاً من خلال السيادة والحلول السياسية.

تعد قوة الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان (يونيفيل) أحد أكثر الأمثلة إفادةً على العلاقة بين إسرائيل وقوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة. أنشئت يونيفيل في عام 1978، وكان الغرض الأساسي منها هو التحقق من انسحاب إسرائيل من لبنان والحد من أنشطة العناصر المسلحة في المنطقة. ومع ذلك، تحولت اليونيفيل بمرور الوقت إلى هيكل غير قادر على منع انتهاكات المجال الجوي الإسرائيلي والعمليات عبر الحدود والهجمات الموجهة. لم ترفض إسرائيل وجود اليونيفيل تمامًا؛ لأن هذا الوجود أظهر حضور المجتمع الدولي على الأرض دون أن يحد فعليًا من قدرة إسرائيل على التصرف وفقًا لتقييماتها الأمنية الخاصة. وبالتالي، بدلاً من أن تكون قوة استقرار، عملت اليونيفيل على تدويل منطقة عازلة يمكن لإسرائيل التدخل فيها عند الضرورة.

وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا)، وهي وكالة غير عسكرية ولكن لها بُعد إنساني قوي في غزة والأراضي الفلسطينية، هي أيضاً جزء لا يتجزأ من هذا الإطار التاريخي. على مدى عقود، حالت الأونروا دون انهيار المجتمع من خلال تلبية الاحتياجات الأساسية للفلسطينيين في مجالات التعليم والصحة والغذاء. غير أن هذا الوضع خلق أيضاً الظروف التي حالت دون تمكن المجتمع الفلسطيني من إقامة هيكل سياسي ومؤسسي دائم. إن استهداف الأونروا وتجريمها ومحاولات جعلها غير فعالة في بعض الأحيان تخلق انطباعاً قوياً بأن إسرائيل تفضل العمل مع هيكل يعتمد على المساعدات الدولية وهش، بدلاً من نظام مدني فلسطيني مستقر ومستقل.

في ظل هذه الخلفية التاريخية، يصبح الدور الذي ستلعبه قوات الأمن الدولية المقترحة في غزة مسألة حاسمة. من وجهة نظر إسرائيل، فإن آلية أمنية ذات سلطة حقيقية ورادعة ومفتوحة للتدقيق الدولي في التدخلات العسكرية تتطلب تغييراً كبيراً في مبدأها الأمني الحالي. لذلك، يمكن اعتبار نهج إسرائيل الحذر تجاه نطاق وصلاحيات قوة الأمن الدولية متسقاً مع تجاربها السابقة. كما رأينا في بعثات الأمم المتحدة السابقة، فضلت إسرائيل عموماً وجود هياكل دولية لا تستبعدها تماماً، بل لا تحد من حريتها في التدخل.

في هذه المرحلة، تبرز مشاركة تركيا في قوة الأمن الدولية كعنصر مهم يمكن أن يحدث فرقًا نوعيًا في النقاش. لا تعني مشاركة تركيا المساهمة العسكرية أو التقنية فحسب، بل تنطوي أيضًا على إمكانية تعزيز شرعية الأمم المتحدة المتآكلة في المنطقة. إن وجود لاعب يتمتع بثقل تركيا الإقليمي وخبرتها الميدانية يمكن أن يساهم في تطوير قوة الأمن الدولية من ترتيب رمزي إلى آلية أكثر فاعلية.

علاوة على ذلك، يمكن أن يمهد دور تركيا ضمن هذه الهيكلية الطريق لاتخاذ خطوات أكثر واقعية وقابلة للتنفيذ في الساحة الفلسطينية. إن معالجة الأمن ليس فقط من خلال السيطرة العسكرية، بل أيضاً من خلال حماية المدنيين، وتطوير القدرات الإدارية المحلية، ودعم العملية السياسية، يمكن أن يمهد الطريق لفهم مستدام للاستقرار في غزة. هذا النهج لديه القدرة على إزالة الأمن كذريعة للتدخل وجعله عنصراً داعماً لعملية الحل السياسي.

في نهاية المطاف، تعكس المناقشات الدائرة حول إنشاء قوة الأمن الدولية في غزة خياراً أساسياً بشأن كيفية تعريف الاستقرار في المنطقة، بما يتجاوز الترتيبات الأمنية الفنية. وتُظهر التجارب التاريخية أن الاستقرار لا يمكن أن يتحقق إلا بوجود سلطة وشرعية وإرادة سياسية، وليس فقط بوجود دولي. يمكن اعتبار مشاركة تركيا في هذه العملية عاملاً مهماً من شأنه أن يزيد من فعالية الأمم المتحدة على الأرض ويساهم في تشكيل خارطة طريق أكثر توازناً وواقعية للقضية الفلسطينية. وفي هذا السياق، يمكن أن تكون قوة الأمن الدولية خطوة مهمة نحو استقرار دائم في غزة فقط إذا تم تصميمها بالاستفادة من الدروس المستفادة من الماضي وباتباع نهج شامل.

أخيراً، لا ينبغي إغفال أن استبعاد تركيا من قوة الأمن الدولية لن يجعل هذه القوة كياناً محدوداً فحسب، على غرار الأمثلة السابقة للأمم المتحدة. بل إن مثل هذا الخيار قد يمهد الطريق لمبادرات بديلة وتكميلية، تقودها أو تؤثر عليها تركيا، لتشكيل البحث عن السلام والاستقرار خارج إطار الأمم المتحدة. ويمكن أن تتحول آليات التعاون الدبلوماسي والأمني الجديدة التي يتم إنشاؤها مع الجهات الفاعلة الإقليمية، بمرور الوقت، إلى هياكل تحل فعلياً محل دور الأمم المتحدة على الأرض. وقد يؤدي هذا الوضع إلى مزيد من تآكل نفوذ الأمم المتحدة المتدهور بالفعل في الشرق الأوسط، وإلى تحول في المركز المؤسسي لمبدأ التعددية في المنطقة. لذلك، ينبغي النظر إلى انضمام تركيا إلى قوة الأمن الدولية ليس فقط على أنه تفضيل عملياتي، بل أيضاً على أنه ضرورة استراتيجية للحفاظ على شرعية الأمم المتحدة وشموليتها ودورها التوجيهي في المنطقة.

شاركها.