ناصر بن حمد العبري
من أقسى ما تواجهه غزة اليوم، بعد أن خفت أزيز الطائرات وسكن هدير القصف، ليس فقط آثار الدمار التي خلفتها الحرب، بل ذلك الفتور المُؤلم في التعاطف، والانحسار الواضح في الدعم والمؤازرة، وكأنَّ انتهاء القصف يعني انتهاء المُعاناة، وكأنَّ الألم له توقيت محدد ينتهي بانتهاء نشرات الأخبار.
تعود جرافات العدو الصهيوني لتجريف ما تبقى من منازل دون رقيب أو حسيب وآلاف العائلات التي فقدت منازلها وتحولت بيوتها إلى ركام، خسرت مصادر رزقها وكل ما أدخرته لسنين طويلة. خلال أيام الحرب، كانت تعيش على تبرعات متفرقة تسد الرمق وتحفظ الحد الأدنى من الكرامة. لكن ما إن هدأت الحرب، حتى هدأ معها الدعم، وترك المنكوبون وحدهم في مواجهة واقع أشد قسوة وأطول أمدًا.
اليوم، لا يشتكي أهل غزة من الجوع والمرض فقط؛ بل من برد قارس يتسلل إلى العظام، ومن خيام مُهترئة لا تقي حرًا ولا تصد زمهرير الشتاء. أطفال يرتجفون ليلًا، ومرضى تزداد آلامهم مع كل نسمة برد، وأسر تفترش الأرض وتلتحف الخوف والعجز.
السؤال الذي يفرض نفسه: هل كان دعم غزة مرتبطًا فقط بلحظة المجازر؟ هل كانت نصرة المظلوم مرهونة بصور الدماء وحدها؟ أم أن الواجب الإنساني والأخلاقي يقتضي استمرار الدعم حتى بعد أن تُطوى العناوين العاجلة؟
الدعم ليس مالًا فقط. هو دعاء صادق في جوف الليل، وكلمة حق تُكتب ولا تُمحى، وصوت يُرفع على المنصات حتى لا تُنسى القضية. هو رسالة تذكير بأن أهل غزة ما زالوا يتألمون، وأن أنينهم لا يزال يتردد في الأزقة وبين الأنقاض.
في غزة، لا تزال الحياة تُقاوم وسط الركام. يُسمع أنين المرضى بلا دواء، وقرقرة الجوع في بطون الأطفال، وارتجاف الأجساد في خيام أنهكها البرد. إنها أوجاع لا تنتهي بانتهاء الحرب، بل تبدأ بعدها.
فهل نُجدد العهد والهمة لنصرة إخواننا في غزة؟ أم ننتظر شتاءً أشد قسوة، أو مجزرة جديدة، كي تعود القلوب إلى يقظتها؟
